دور التوراة في الأحداث الانتقامية بـ"إسرائيل وغزة"

عربي ودولي



روي جويل بايدن، مؤلف كتاب The Historical David: The Real Life of an Invented Hero أي داوود التاريخي : القصة الحقيقية لحياة بطل اخترعه التاريخ ، دور التوراة في الأحداث الانتقامية بإسرائيل وغزة

وقال خلال مقالا له علي سي إن إن عربية، اعتقل قبل عشرة أيام ستة إسرائيليين بتهمة قتلهم شاب فلسطيني عمره 16 عاماً، وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أن هذه الفعلة نجمت على الأرجح لخطف ثلاثة شبان إسرائيليين وقتلهم.

وقد ازداد الإنفعال والعنف من قبل كلا الجانبين خلال الأيام القليلة الماضية، مع انطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى إسرائيل، والقصف الجوي من الجانب الإسرائيلي على القطاع.

إنها دوامة مألوفة، يرتكب فيها الهجوم مقابل آخر، وروح مقابل الأخرى، مثل هذه الأنماط مألوفة حول العالم، لكن لها دلالات أخرى في الأراضي المقدسة.

بل أن هذا المفهوم انطلق من تلك البلاد قبل ثلاثة آلاف عام، ومن بني إسرائيل.

إذ ينص سفر الخروج (21: 23-25): وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس ..وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل ..وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضا برض..

وينص سفر تثنية (19: 21): لا تشفق عينك. نفس بنفس. عين بعين. سن بسن. يد بيد. رجل برجل..

كما نصر سفر اللاويين (24:20) على ما يلي: كسر بكسر وعين بعين وسنّ بسن. كما احدث عيبا في الانسان كذلك يحدث فيه..

هنالك القليل من قوانين التوراة بالعهد القديم التي تكررت ثلاث مرات، وهذا القانون يعد أحدها، ويعرف هذا القانون باسم مقابلة الأذى بمثله ، أو lex talionis أو law of retaliation ، ويبدو بأنه مركزي من وجهة النظر العالمية للتوراة.

ويؤتى بهذا القانون كمثال على أن التوراة لا يمكن أن يشكل مرشداً للأخلاقيات الحديثة، فمن يمكنه اليوم أن يلتزم بمثل هذا النوع من العدالة الإنتقامية؟

ويمكن وصف عقاب حرق الشخص حتى الموت، بالوحشي، وكأنه قدم من العصور الوسطى، وليس من القرن الحادي والعشرين، ولكن من المهم التشديد على أن مفهوم العين بالعين لم يأتي في الأصل من الإنجيل بعهده القديم، أو التوراة، إذ كان موجوداً بالأصل في قوانين حمورابي التي ظهرت في القرن 18 قبل الميلاد ونصت على أنه لو فقأ رجل عين رجل آخر من الطبقة العليا ذاتها، فإن كلتا عينيه يجب فقؤهما ، والمبدأ ذاته ينطبق على خلع الأسنا وكسر العظام وغيرها.

ولكن حضارة بلاد ما بين النهرين ، أي بجيلين سبقا حمورابي، تبنت قوانين يمكن أن نعتبرها أكثر حداثة للتعامل مع مثل هذه القضايا، إذ تنص إحدى تشريعاتها على أنه: لو قام رجل بعض أنف آخر وقطعه، فإنه يتوجب على المتسبب دفع 50 شيكل، والعين 60 شيكل، والسن 30 شيكل..

كما يمكن تتبع أثر الدفع مقابل الضرر في الحضارة السامرية التي تواجدت في الشرق الأدنى قبل 21 قرناً قبل الميلاد.

وبهذا فإن مبدأ العين بالعين لم يكن جزءاً من قوانين بدائية للوجود البشري، بل اعتبر تطوراً انبثق عن الدفع المادي عن الأضرار.

لكنه لم يكن تغيراً دائماً، إذ أن المفسرين الأوائل للتوراة، فسروا قانون مقابلة الأذى بمثله ، بالقيمة التي مثلها تفسير العين بالعين.

ولا يزال هذا التفسير شائعاً حتى هذه الأيام، ومن الأرجح بأنها محاولات ليبدو من خلالها الإنجيل أقل قساوة، خاصة عند مقارنته بالثقافة المتحضرة والقوانين السائدة.

ففي تلمود الذي يعتبر كتاب القوانين الأساسي لدى اليهود، هنالك حوار موسع حول جملة العين بالعين ، بين عدد من الحاخامات، ويدل النص فيه على أنه لا يعني إلا التعويض المادي عن الأضرار الواقعة، وفي نهاية المطاف ارتبط قانون مقابلة الأذى بمثله بالهرطقة.

وهنالك بعد مهم آخر لمفهوم العين بالعين والذي يتم التغاضي عنه في معظم الأحيان، إذ ينص القانون في التوراة بأن العقوبة تطبق على المتسبب من قبل السلطة الحاكمة، إذ لا يسمح بالمتضرر أن يلحق الضرر ذاته على المعتدي عليه، وفي هذا النقطة فإن التوراة والقانون الحديث يتوافقان.

ولكن هنالك عادة تشريعية في التوراة توفر استثناءً لهذه القاعدة، وعاشت لوقت طويل حتى هذا اليوم، إذ ينص هذا الإستثناء على أنه وفي حالة القتل المتعمد، يمكن اختيار شخص من عائلة الضحية ليصبح المنتقم بالدم.

ورغم أن فكرة قتل المتسبب بقتل شخص آخر هي فكرة شائعة حتى اليوم (مثل عمليات الإعدام)، إلا أن قتل المتسبب في هذه الحالة يصبح جزءاً من واجب أسرة المقتول، وليس واجباً على الحكومة المركزية.

إن نصوص التوراة تكرس في تشريعاتها الغريزة الثأرية لأي شخص مقرب لآخر أصيب بالأذى، وهذه هي الغريزة التي نراها على الواجهة في الشرق الأوسط اليوم.

ولكن المشكلة الأكبر، بين هذين الشعبين وبالنسبة للعالم كله، هو تحديد الشخصيات التي يصنف فيها كل فريق ذاته أو الآخر، فكل من إسرائيل وقطاع غزة يعتقدام بأنهما من عليه أن يلعب دور المنتقم بالدم ، والآخر هو من قتل.

ومع قضية الثأر بالدم، فهذا القانون على الأقل يبقي النظام تحت أعين الكبار والحكماء، الذين يقومون بالاستماع إلى شهادة كلا الطرفين، ومنها قضايا أخرى مثل العين بالعين .

ولكن لن تجد مكاناً آخر في العالم يعيش فيه الإنجيل أكثر من الأرض المقدسة التي أتى منها، ومع ازدياد النزاع بين الطرفين، مرة أخرى، فإن النقاش حول أنواع الانتقام والثأر بالدم يزداد ضرورة.

كما تزداد الحاجة إلى وجود طرف ثالث يعمل محكماً بينهما، ليحدد سعراً للتعويض عن الضرر، ووضع حد للثأر الدموي.

هذا هو الدور الذي تدعو إليه التوراة، والذي لا يزال فارغاً، ونحن لا نزال نبحث عمن يملأ هذا الفراغ.