ارتداء ملابس الحداد السوداء لا أصل له في القرآن
السؤال: هل هناك نص بضرورة ارتداء ملابس الحداد في حالة الوفاة؟
المفتي: رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً الدكتور عطية صقر (رحمه الله).
الفتوى: الحزن على الميت شيء طبيعي أقرَّه الدين الإسلامي، ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور والأصباغ سواء في البدن أو في الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتى تضعَ الحملَ إن كانت حاملا، وحتى تنتهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يُطلَق عليه اسم الحِداد أو الإحداد.
وهو غير جائز للرِّجال بل هو خاصٌّ بالنِّساء، جاء في البخاري ومسلم أن زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة (رضي الله عنها) زوج النبيِّ (ص)، حين توفي أبوها أبوسفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صُفرة، أي طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم، فدهنت به جارية، ثم مسَّت بعارضَيها، أي صفحتي وجهها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله (ص) يقول على المنبر: لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا .
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف في الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابس البيضاء هي المختارة للحداد في بعض الدول.
وإذا كان اللون الأسود في الثِّياب هو المختار في بعض البلاد للحِداد فليس ذلك لوجود نص عليه في الدين، وإنما هو راجِع للعرف والعادة.
وذكر الإمام السيوطي في كتابه الأوائل أن أول ما لبس العباسيّون السواد حين قَتلَ مروان الأموي إبراهيم الإمام الذي ادعى الخلافة، وصار السواد شعارا لهم، وقيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن حدادا على شهداء الأقباط في عصر دقلديانوس، حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحي في يوم واحد، فلبست نساؤهم الملابس السوداء.
والخلاصة أنه لا يوجد نص ديني في القرآن والسنة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادا على المتوفى، وإنما الموجود هو النهي عن الملابس التي تتنافى مع الحزن، ويترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحداد الخاص بالنساء وجوبا لفقد الزوج، وجوازا لفقد أي قريب آخر، ولا حداد للرجل فعقله أقوى من عاطفته.