أحمد فايق يكتب: وزير الدفاع.. من المريض العجوز إلى ركوب الدراجة

مقالات الرأي



كان المشهد يوم 11 أغسطس 2012 صادما، التليفزيون يذيع بيان ياسر على الشهير بإحالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان إلى المعاش، وتكليف اللواء عبد الفتاح السيسى رئيس المخابرات الحربية بمهام وزير الدفاع، وترقيته إلى رتبة الفريق أول، واللواء صدقى صبحى بمهام رئيسا للأركان، هناك روايات كثيرة حول الواقعة وأساطير أكثر، لكن تظل الحقيقة وحدها لدى السيسى فقط.

هذا اليوم ليس عاديا فى تاريخ مصر أو الجيش، فقد حدث التحول الكبير، من مؤسسة كان يترأسها المشير طنطاوى العجوز صاحب الظهر المحنى، والفريق سامى عنان الذى فاقت الاساطير عنه حقيقته، إلى مؤسسة يلهث الجميع وراءها حتى يلحقوا بها.

هل تتذكر المشهد الشهير يوم جمعة الغضب الأولى 28 يناير 2011 حينما، خرجت سيارة الحرس الجمهورى فى طريقها إلى التليفزيون، أصيبت السيارة بعطل مفاجئ، ونزل الجنود يدفعونها بأيديهم فى مشهد يوضح حال الجيش المصرى وقتها، هذا المشهد يكشف كيفية إدارة مجلس طنطاوى العسكرى للمرحلة الإنتقالية الأولى، وكيف وصل بنا الحال إلى تسليم مصر على المفتاح لمحمد مرسى وعشيرته، فقد كان مظهر الجنود يدل أيضا على حالة الإهمال التى عانى منها الجيش طوال فترة المخلوع مبارك، مشاهد لم يشفع لها سوى النزول الثانى للجيش بعد 30 يونيو، فقد ظهرت للمرة الأولى مدرعات ومركبات عسكرية حديثة، الجنود يرتدون ملابس عسكرية نظيفة ومرتبة مع دروع واقية للرصاص، يحملون فى أيديهم أحدث الأسلحة، بنيانهم الجسمانى قوى يؤكد الكفاءة القتالية،، لقد بدا الجيش مختلفا هذه المرة، مثل اختلاف شخصيتى السيسى وطنطاوى، المشير طنطاوى والفريق سامى عنان كبيران فى العمر، تعلما فى روسيا، يخفيان أكثر مما يبديان، يميلان إلى العمل فى الظلام، يهويان الاختباء فى الثكنات، السيسى تعلم فى أمريكا، يميل إلى استعراض قدرات الجيش، ويفخر بجنوده ومعداته وهويته وقوميته، وخلال عام واحد نجح فى تطوير ورفع كفاءة القوات المسلحة.

الجيش خلال عام 2013 نجح لأول مرة منذ 33 عاما فى تحقيق فكرة تنوع مصادر السلاح، وعقد صفقة عسكرية مع روسيا بلغت قيمتها 2 مليار دولار للمرة الأولى منذ طرد الخبراء الروس من مصر، إن أهمية إعادة العلاقات العسكرية بين مصر وروسيا وبين مصر والكتلة الشرقية بصفة عامة سيؤدى إلى تطوير 30% من تسليح الجيش المصرى وهو سلاح روسى بالأساس، يعمل فى الخدمة منذ العلاقات العسكرية السابقة، والتطوير يعنى استبدال طائرات ميج وسوخوى قديمة بطائرات ميج وسوخوى حديثة، كما أن روسيا قادرة على تزويد مصر بطائرات توازى فى قوتها الأباتشى الأمريكية، وهذا يعنى تطويراً شاملاً للقوات الجوية المصرية فى حالة قبولها العرض الروسى، وأن تصبح مصر هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تجمع بين قوة مقاتلات ال»إف 16» الأمريكية وبين حداثة وقوة مقاتلات السوخوى والميج الروسية.

أصدر السيسى تعليماته بإنتاج أول سيارة مصرية مئة بالمائة من المصانع الحربية، وإنتاج أول طائرة بدون طيار لأول مرة، حيث أعلنت إسرائيل مؤخرا أنها بدأت فى خط إنتاج طائرة بدون طيار، وتركيا وإيران يفعلان نفس الشىء، ورفض الجيش المصرى أن يلعب دور المتفرج وقرر تبنى مجموعة مشروعات تقدم بها مهندسون شباب لعمل أول طائرة مصرية بدون طيار.

الجيش نجح خلال عام 2013 فى رفع كفاءة جميع الوحدات العسكرية، وتم تجديد كل الدبابات التى تخدم فى العمليات، وأصبحت مصر خالية من أى دبابة قديمة، وتم استبدال القديم بالجديد، كم تم تجديد كل المركبات والمدرعات القديمة التى يملكها الجيش، مع الارتقاء بالحالة الفنية والإدارية لوحدات القوات المسلحة.

هل تتذكر الشاويش عطية أو صف الضابط الذى وقع فى غرامه المصريون من خلال أدوار رياض القصبجى فى أفلام إسماعيل ياسين، لكن دائما الشاويش عطية كان فيه عيب خطير، وهو أن مستواه التعليمى أقل، ولا يفكر فى العمليات مثل الضباط، فهو مثل الآلة التى تنفذ دون تفكير، فى عام 2014 سينتهى الشاويش عطية بشكله التقليدى، بعد تطوير معهد ضباط الصف بالقوات المسلحة، وستتخرج دفعة جديدة من الشاويش عطية لكن على طريقة ضباط الصف الأمريكان، الذين يشاركون فى العمليات، وعلى مستوى تعليمى عال، ويجيدون اللغات أيضا.

لقد تحولت المؤسسسة العسكرية بشكل كبير سياسيا وعسكريا وفى كل الاتجاهات، فقد ظهر وزير الدفاع فى طابور اللياقة البدنية بالكلية الحربية، كان الوزير الجديد هو ورئيس أركانه يمارسان رياضة العدو مع الطلبة لأكثر من 2 كيلو متر، وهى رسائل المقصود منها أن عصر المريض العجوز انتهى، وبدأ عصر جديد شاهده المصريون من خلال أكثر من رسالة، الرسالة الأولى التى استخدمها الجيش يوم الانتشار الأول فى 26 يونية 2013من خلال تطبيق الجزء الأول من الخطة «إرادة 1» ونشر مئات من جنود الصاعقة فى الأماكن التى تلقت تهديدات من الإخوان، هذه المرة مظهر الجنود كان مختلفا، وجعلهم يرتدون دروعاً واقية من الرصاص، وتم اختيار الجنود الأكثر لياقة بدنية ويتمتعون بمظهر يشبه المارينز الأمريكان فى الأفلام، واختيار المدرعات الخفيفة الحجم والحديثة والأكثر فاعلية، فقد تم نشر مدرعات «فهد» و»m116» والمدرعتان صناعة مصرية 100%، هنا نلاحظ أن الانتشار الأول للقوات المسلحة لم يتم استخدام فيه أى معدة عسكرية أمريكية، عكس المشير طنطاوى الذى اختار فى خطة انتشار قواته نشر عدد قليل من الدبابات الأمريكية المصرية «إبرامز m1 a1».

قبل البيان الأول للقوات المسلحة ظهرت خمس طائرات هليكوبتر حربية أعطت التحية للمتظاهرين، لكن كانت تحمل بين طياتها العديد من الرسائل، أولها أن الطائرات حملت علم القوات المسلحة وأعلام الأفرع الرئيسية للجيش «الطيران والبحرية والدفاع الجوى والجيشين الثانى والثالث الميداني»، وهى تعنى أن قادة الأفرع الرئيسية سيدعمون القرار الذى يتخذه وزير الدفاع، وهم من يطلق عليهم دائما الخمسة الكبار فى الجيش بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان، ثانيا تم الرد على الشائعات التى أطلقها الإخوان بأن اللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثانى سيصبح وزير الدفاع القادم بعدما كلفه مرسى بهذا ووافق عليه.

عملية انتشار القوات المسلحة قبل بيان عزل مرسى اعتمدت على تكنيك مختلف أيضا يحمل العديد من الرسائل، فقد تم استخدام المدرعات الخفيفة والصغيرة الأكثر سرعة فى الحركة، ولم يتم نشرها فى كل شوارع مصر مثلما فعل طنطاوى فى ثورة 25 يناير، بل تم نشرها فى الميادين الرئيسية وأماكن التجمعات، بشكل يراها أكبر كم ممكن من المصريين فى الشارع ووسائل الإعلام، مع جمع كمية كبيرة من المدرعات فى مكان واحد تستطيع أن تنشر بسرعة فى الشارع إذا لزم الأمر، تزامن هذا مع طائرات الأباتشى والـ «مى 17» التى حلقت على مسافات منخفضة جدا، وفى هذا استعراض للعضلات بأن الجيش يستطيع أن يقوم بعملية إبرار للجنود فى أى وقت دون أن ترصده وسائل الاستطلاع والرادار، ومن المعروف أنه من الصعب على الرادار أن يلتقط طائرة تحلق فى مستوى ارتفاع أقل من 50 مترا.