احمد فايق يكتب : مصر تعود إلى الاتحاد الإفريقى خلال أيام والسيسى يمثل القاهرة فى قمة غينيا

مقالات الرأي



مصر والجزائر «التحالف الإقليمى الذى لا تعرف عنه شيئا»



■ الجزائر منعت أزمة بوتاجاز وبوتفليقة يعطى تعليمات لسوناطراك بتوفير كل احتياجات القاهرة من البترول



من يجيدون قراءة التاريخ سيعرفون أهمية أن تعود العلاقات بين القاهرة والجزائر بهذه القوة الآن، والحالمون فقط يتمنون عودة خط عبد الناصر بومدين إلى العمل من الجديد، هذا الخط الذى يساوى عودة الحلم القومى العربى، فقد خاضت مصر والجزائر الكثير من الحروب سويا، واستقطع كل شعب منهما لقمة عيشه من أجل الآخر، فعلتها مصر حينما كانت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسى، وفعلتها الجزائر حينما كانت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى، خط القاهرة الجزائر يصيب الكثير من الدول الإقليمية بالرعب، وكفيل بقتل تنظيم الإخوان المسلمين فى الشرق الأوسط، وبالطبع التنسيق الذى يحدث بين مصر والجزائر فى ليبيا نموذج لما هو قادم، على مستوى الاقتصاد تمتلك الجزائر أكبر احتياطى نقدى عربى وتمتلك ثروة بترولية وغازاً طبيعياً لا حدود لهما، وعلى المستوى العسكرى تمتلك الجزائر الآن رابع أقوى جيش عربى طبقا للتصنيفات الغربية بعد الجيش المصرى والجيش السعودى والجيش السورى، كما أن الجيش الجزائرى هو الثانى إفريقيا بعد الجيش المصرى، والأهم من هذا أن الجيش الجزائرى يحتل المركز الأول فى الشرق الأوسط فى مكافحة الإرهاب طبقا لتصنيف «جلوبال فاير باور».

لكن مؤخرا الموضوع انتقل من تحالف غير مباشر إلى تحالف واضح ومعلن للجميع، فقد أرسل الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة إلى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى رسالة تهنئة بمناسبة فوزه بانتخابات الرئاسة قبل إعلان النتائج بشكل رسمى، ونصت الرسالة على: فخامة الرئيس وأخى العزيز، يطيب لى إثر انتخابكم رئيسا لجمهورية مصر العربية الشقيقة أن أتقدم إلى فخامتكم باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسى بخالص التهانى وأطيب التمنيات سائلا الله جلت قدرته أن يمتعكم بموفور الصحة والعافية وينعم على الشعب المصرى الشقيق بإطراد التقدم والرفاة على يدكم بعونه وتوفيقه، لقد أثبت الشعب المصرى بمشاركته فى إنجاح الانتخاب الرئاسى وبوعيه وسلوكه الحضارى إرادته القوية للمضى قدما فى بناء مستقبله الواعد فى كنف الآن والاستقرار بما يحقق تطلعاته فى التقدم والازدهار، وأغتنم هذه المناسبة السعيدة، لأعرب لكم عن ارتياحنا للعلاقات المتميزة القائمة بين بلدينا الشقيقين، ولأؤكد لكم عزمنا الراسخ واستعدادنا للعمل معكم من أجل الارتقاء بعلاقات الأخوة والتعاون إلى أعلى المراتب انطلاقا من قناعتنا ببعدها الاستراتيجى وما تفرضه التحديات والرهانات المحدقة بنا، إن وفاءنا لتاريخنا النضالى المشترك، ويقيننا بضرورة مواجهة التحديات الفروضة على منطقتنا العربية، يسوغان لنا التطلع بثقة عالية وإرادة قوية إلى تعاون وثيق مستمر، وإلى تكريس سنة التشاور والتنسيق بين بلدينا الشقيقين، بما يحقق مصالحنا المشتركة ويخدم قضايانا العربية والإفريقية والإسلامية، وإذ أجدد لكم تهانينا، اسأل الله العلى القدير أن يوفقكم فى أداء مهامكم.

هذه الرسالة الودودة والتى توضح لنا عودة علاقة استراتيجية إلى مكانها الطبيعى لم تتلقها مصر منذ رحيل جمال عبد الناصر.

السؤال هنا ماذا تعنى مثل هذه الرسالة على أرض الواقع؟

حتى الآن لا توجد أزمة بوتاجاز فى مصر لأن الجزائر ترسل غاز البوتان لنا بشكل ثابت وبأسعار جيدة وشروط دفع ميسرة جدا، وهناك 4 سفن غاز شهريا ترسل وقودها عبر ميناء الإسكندرية تأتى من الجزائر، وسافر من مصر وفد من وزارة البترول إلى الجزائر لمقابلة مسئولى شركة «سوناطراك» الشركة الوطنية الجزائرية فى البترول وهناك تعليمات شخصية من الرئيس بوتفليقة إلى سوناطراك بتوفير كل ما تطلبه مصر من الجزائر.

لقد خاضت الجزائر مع مصر العديد من المعارك مؤخرا دون أن تكون معلنة، أهمها أن الجزائر وقفت أمام تونس فى الاتحاد الإفريقى، حيث طالب إخوان تونس بإدراج ملف «30 يونيو» باعتبارها «انقلاب» على ملف مناقشات الاتحاد الإفريقى لفرض المزيد من العقوبات على مصر، ووقفت الجزائر بقوة فى وجه «راشد الغنوشى» الذى يحترف تحريك دميته المفضلة «الرئيس التونسى منصف المرزوقى»، المعركة الثانية كانت فى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حينما تقدمت تركيا وقطر بطلب لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، دولة مثل قطر التى تعيش على الانقلابات العسكرية وتقتل المعارضين بداخلها، ودولة مثل تركيا التى ارتكبت مذابح فى حق المعارضين تتحدثان عن حقوق الإنسان فى مصر....!

ووقفت الجزائر فى وجه الطلب التركى القطرى، ويظل عودة مصر للاتحاد الإفريقى هو الملف الذى تدعمه الجزائر الآن بشكل قوى، فقد علمت «الفجر» من مصادر داخل الاتحاد الإفريقى أن هناك 3 اتجاهات بشأن عودة مصر، الأول بعض الدول القليلة التى ترى بأنه من السابق لأوانه الحديث عن عودة مصر للاتحاد، وهناك دول مثل «مدغشقر» ظلت طوال 5 سنوات خارج الاتحاد، والاتجاه الثانى هو رفع التجميد عن مصر خلال القمة الإفريقية القادمة فى غينيا، على أن تحضر مصر القمة الإفريقية التى تليها، والاتجاه الثالث هو تأجيل عودة مصر إلى الاتحاد الإفريقى لما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة.

لكن الجزائر تتحرك فى اتجاه رابع، ومن المتوقع أن يحقق نجاحا، وهو أن تعود مصر إلى الاتحاد الإفريقى فى اجتماع على مستوى السفراء، ويحضر «السيسى» القمة الإفريقية القادمة فى غينيا باعتباره رئيسا لجمهورية مصر العربية، والحكاية بدأت بالزيارة التى قام بها رئيس الحكومة إبراهيم محلب إلى غينيا وأوغندا وتنزانيا للحصول على دعمهم بشأن العودة للاتحاد الإفريقية وصرح «محلب» بأن مصر ستحضر القمة الإفريقية القادمة، ومن قبلها زيارة نبيل فهمى للجزائر للحصول على دعمها، ثم حدث لقاء بين «السيسى» و»نذير العرباوى» سفير الجزائر بالقاهرة استمر لمدة ساعة، وبعد الاجتماع طلب السيسى من عمرو موسى السفر إلى الجزائر لتوصيل بعض الرسائل إلى عبد العزيز بوتفليقة، وتحركت الجزائر بقوة فى الأيام الماضية، وعقد الرئيس الجزائرى لقاء برئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقى «نكوسازانا دلامينى زوما»، ثم لرئيس الحكومة الجزائرية أيضا معها ثم لقاء لوزير الخارجية الجزائرى رمطان لعمامرة، وكان مطروحا على مائدة المفاوضات عودة مصر إلى الاتحاد الإفريقى بقرار من مجلس السفراء، وأن يحضر السيسى القمة الإفريقية القادمة بغينيا، وهناك احتمالات كبيرة لنجاح هذا السيناريو، خاصة أن الجزائر تمتلك نفوذاً كبيراً فى الاتحاد الإفريقى، وأسقطت مؤخرا ديونا لها على 14 دولة إفريقية قدرت بمليار و500 مليون دولار، كما تقدم مساعدات مالية ودعماً سياسياً وعسكرياً لدول أخرى.

ويتبقى الملف المهم وهو الملف الليبى، والذى اتخذ فيه الحلف الإقليمى الجديد مصر الجزائر موقفا موحدا منذ اللحظة الأولى، فقد أغلقت مصر والجزائر الحدود مع ليبيا فى نفس التوقيت، والقارئ الجيد للأمور يؤكد أن هناك دعما مصريا جزائريا غير مباشر للواء «خليفة حفتر» ضد الإخوان المسلمين فى ليبيا، فقد قررت ميليشيات الإرهاب التمركز فى ليبيا مؤخرا، وجعلها نقطة انطلاق لتهديد الأمن القومى المصرى والجزائرى فى نفس الوقت، وكان لابد من حل مصرى جزائرى لهذه الأزمة.

التحالف الإقليمى الجديد ينضم إلى التحالف المصرى السعودى الإماراتى مؤخرا، لكن المشكلة التى تواجه التوافق بين الدول الأربعة هو الموقف من الملف السورى، فحتى الآن هناك توافق بين الدول الأربعة حول الملف الليبى وضرورة دعم حفتر فى مواجهة الإخوان، لكن السعودية والإمارات مازالتا تدعمان الإخوان فى سوريا ضد بشار الأسد، فى حين تدعم الجزائر بشار بشكل واضح ومصر تدعمه بشكل غير مباشر، مالدينا من معلومات يؤكد أن هناك مراجعات سعودية بشأن موقفها من سوريا، لأنهم وجدوا أنفسهم فى النهاية يدعمون إمارة تيارات شديدة التطرف فى مواجهة ديكتاتور مثل حافظ الأسد، والأكيد أن هناك حداً أدنى من الاتفاق بين الدول الأربعة بشأن مواجهة الإخوان المسلمين إقليميا ودوليا.

هذا التحالف سيظهر جليا خلال الساعات القادمة حينما يحضر الشيخ محمد بن زايد حفل تنصيب السيسى رئيسا كما سيحضر نفس الحفل وفد سعودى رفيع المستوى قد يصل إلى ولى العهد شخصيا، ومن المقرر أن تكون أول زيارة خارجية للسيسى بعد تنصيبه رئيسا إلى السعودية لإجراء العمرة، وهو زيارة تحمل بعدا سياسيا مهما، حيث سيسعى الرئيس الجديد إلى التأكيد على البعد العربى من خلال زيارات متوقعة للسعودية الإمارات والجزائر والبعد الإفريقى من خلال تواجده المتوقع فى قمة الاتحاد الإفريقى بغينيا.