د. رشا سمير تكتب : عرش مصر

مقالات الرأي



فى خلال ساعات قليلة سوف يتم تنصيب المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا لمصر.. حاكما على كرسى لم يختر الجلوس عليه بل تم إجباره عليه بدافع حب جارف من شعب ائتمنه، وتحمل بشجاعة مسئولية الوطن معه حين طلب تفويضه لمحاربة الإرهاب الأسود.

فى خلال ساعات سوف تنتهى أسطورة الإخوان المسلمين إلى الأبد.. أسطورة الثمانين عاما من الكفاح تحت مظلة الدين الإسلامى الذى هو براء منهم ومن أنانيتهم فى الاستيلاء على قلب الوطن وإخفات دقات قلبه.

فى خلال ساعات يتضرع المصريون جميعا إلى الله داعينه أن يكون قد أرشدهم إلى الاختيار الصائب حين وقفوا ساعات أمام الصناديق ليختاروا مرشح الجيش.

هل تم استعدال مسار الثورة أخيرا؟ هل آن أوان جنى ثمارها بعد طول انتظار؟ هل جاء الوقت الذى سوف يستريح فيه الشهداء فى قبورهم مطمئنين إلى أن دماءهم لم تُذرف هباء؟

إنها الأسئلة التى تطرح نفسها على الساحة.. والقلق الذى أصاب الجميع بعدما انشق الوطن إلى فئة تحارب لتأخذه إلى فجر جديد.. وفئة تشكك وتعرقل وتولول وتؤكد أن الحكم العسكرى لن يأخذنا سوى لفخ جديد.

إن تركة مصر الثقيلة كانت ومازالت هى الحُلم والكابوس فى آن واحد.

فكل من سعى للجلوس على عرشها أو حتى من ساقته أقداره إليها، إما نجح فتوجه التاريخ زعيما أو أخفق فخرج من الباب الخلفى للتاريخ يلملم أذيال خيبته.

فمن نسل أسرة واحدة جاء النجاح والفشل.. ومن رحم مؤسسة واحدة نجح حكام وأخفق آخرون.

قال الخديو إسماعيل فى خطاب توليه حكم مصر:

إنى موطن العزم، حقا، على تخصيص كل ما أوتيت من ثبات وهمة لترقية شئون القُطر، المُلقاة تقاليد حكمه إلىّ، ولإنماء رخائه.. وبما أن أساس كل إدارة جيدة، إنما هو النظام والاقتصاد فى المالية فإنى سأجعلهما نبراسى فى كل أعمالى.. ولكى أقدم مثالا صادقا للجميع، ودليلا محسوسا على إرادتى هذه الأكيدة، فإنى عزمت منذ الآن على ترك النهج الذى سار عليه أسلافى وتقرير راتب ثابت لى، لن أتجاوزه أبدا فأتمكن بذلك من تخصيص عموم إيرادات القُطر لإنماء شئونه الزراعية وتحسينها.

أما التعليم، وهو أساس النجاح والرقى، وإقامة معالم العدالة بقسطاس حق، وهى محور كل أمن، فإنى سأخصها بفائق عنايتى.

هكذا قطع الخديو إسماعيل عهدا على نفسه، وهكذا تحول العهد إلى حمل لم يستطع حمله، وإخفاق ساقته إليه طموحاته الكثيرة.

الحقيقة أن الخديو إسماعيل كان حاكما أنصفته إنجازاته لكن ظلمه التاريخ بقسوته والمستعمر الطامع بذكائه.. لقد كانت وسيلته للوصول إلى أهدافه وسيلة أغرقت جميع سُفنه.. فقد كان له من الإنجازات ما يجعله صاحب اليد الذهبية على وطن منحه نهضة حقيقية ونقله إلى مرحلة ثقافية اجتماعية تليق به.. ولكن الاقتراض والمديونية والبذخ المبالغ فيه كانت طرقا شرعية حفرتها الدول الأوروبية له، كى يفسحوا لأنفسهم طريقا يدسون أنوفهم من خلاله فى سياسة مصر الداخلية.. فألقته الرفاهية المُطلقة فى بحر من الديون عجز عن سدادها فأطاحت به من فوق عرش مصر إلى سفح العزل..

وعلى النقيض.. لم يُلق محمد على باشا (جده الأكبر) حين تولى حُكم مصر كلمة ولا خُطبة ليصفق له مستمعه.. لكنه سأل سؤالا واحدا، وكان السؤال: “من أين تبدأ منابع النيل؟”.. فأجابوه: أنها فى الحبشة..

فرد مبتسما: “إذن ستكون حدود مصر فى الحبشة”.

وقد كان.. حكم محمد على مصر لمدة 45 عاما أنشأ فيها دولة حديثة بكل المقاييس كانت فى موقع الندية مع دول الغرب.. تبدأ حدودها من مصر وتنتهى فى الحبشة!.. دولة انحنت أمامها الحضارات وتعلمت منها اليابان النهضة!

كان محمد على باشا رجلا عسكريا، نائبا لرئيس الكتيبة الألبانية التى أُرسلت إلى مصر لانتزاعها من أيدى الفرنسيين.. فلم يكن الرجل مصرى الجنسية لكنه كان مصرى الانتماء، وقدم فى فترة حكمه ما لم يقدمه حكام منحتهم مصر الجنسية المصرية فمنحوها الخزى والعار.

إننا اليوم نواجه الكثير من التحديات.. وها نحن ندفع بها إلى أحضان رئيسنا القادم ونقول له: “شيل يا ريس”.. ولكن هذه المرة من مقاعد المشاركين وليس المتفرجين.

نعم.. يضطرنا الوضع المالى المتأزم إلى التقشف لسداد عجز الموازنة.

ونعم.. قد نواجه صعوبات وتحديات وليالى طويلة.. لكنها حتما سوف تأخذنا إلى فجر أكثر تفاؤلا، ولسوف نقدمه لأبنائنا ونرحل عنهم دون خوف عليهم.

نحن وطن يمتلك من مقومات التقدم وخيرات الطبيعة ما يجعله مطمعا للآخرين وكنزا لنا لم يتم استغلاله حتى اليوم،لكنه وبكل تأكيد تم امتصاص دمائه على أيدى الكثيرين.

حتما ودون شك.. أن ما وصلنا إليه اليوم يضطرنا وبلا تردد إلى قطع رقاب الفاسدين والإطاحة بجذورهم حتى لا يتغلغلوا أكثر فى أرض مصر، فهم يمنعون وصول المياه إلى تُربة المستقبل.. إنهم يقطفون زهور الأمل ويقتلعون أشجار الحرية.

لن يكون هناك معنى للتقشف ورفع الدعم عن فئة تعودت دائما أن تدفع الثمن فى حين أن هناك فئة أخرى من المنتفعين يملأون جيوبهم بما يتم استقطاعه من الغلابة.

عزيزى الرئيس عبدالفتاح السيسى.. إن حملك ثقيل ومشوارك وعر أتمنى أن يُعينك الله عليه.. ولكن وعلى الرغم من الملفات الشائكة مثل البطالة والعشوائيات والمرور والتعليم والاقتصاد يبقى دائما ملف الفساد هو الأكبر والأثقل والأكثر بلاء..

فالفساد فى مصر طفح معه الكيل، فطمس على عيون البشر وصم آذانهم عن سماع صوت الحق.. وماتت الضمائر فلم يعد هناك فائدة من انتظار صحوته.. لقد أصبح حتما على سيادتك أن تبدأ بالتخلص من شلة اللصوص وسماسرة الحق أولا.

وحين تنجح بقوة القانون فى القضاء على هؤلاء سوف يصبح الشرفاء قادرين على استكمال المسيرة معك غير متذمرين ولا حانقين.

عزيزى الرئيس عبد الفتاح السيسى.. يقف التاريخ الآن على بوابة قصر الاتحادية ليشهد ويدون ويحكى.

إنها اللحظات الفاصلة التى إما ستبقى بها أبدا فى قلب مصر.. أو سينقلب السحر على الساحر وتخرج من البوابة التى خرج منها حكام قبلك صموا قلوبهم وأبكموا عقولهم..

حين وصل نابليون إلى مصر، وقف أمام الأهرامات وأبوالهول منبهرا وقال لجنوده:

(أيها الجنود.. إن أربعين قرنا من الزمان تنظر إليكم)..

هذه سيدى هى مصر..

مصر التى كانت على مر القرون فتنة أصابت كل من وقع فى غرامها.. وحُلم لكل الفرسان الذين حاربوا لاقتحام قلاعها.

فكانت مثل الفرس الجامح.. تراودهم ليعتلوا عرشها ثم تُلقى بهم فى قارعة الطريق حين يخفقون فى تحقيق أحلامها.

سيدى الزعيم عبدالفتاح السيسى.. الفرق بين الزعامة والرئاسة أن الرئاسة صناديق اقتراع وتكليف سياسى.. أما الزعامة فهى قدر العظماء ومنحة الأوطان.

سيدى الرئيس.. أتمنى أن تتسع همتك لآمال أمتك.. أتمنى أن تحقق أحلام الغلابة والمُهمشين على أرض هذا الوطن.. أتمنى أن تكون بنا ومعنا ربانا لسفينة تدفقت المياه إلى جوانبها فكادت أن تغرقها.

فنحن معك سيدى طالما كنت أنت مع مصر.. وسنقف ضدك حتما لو حاد منك الطريق أو تسلط العرش عليك أو نجحت تلك الحلقة من المُفلسين فى سرقة أحلامنا من بين ضلوعك.

سيدى الرئيس.. هنيئا لك مصر.. وسدد الله خطاك وخطانا.