باحث سياسى: ما بين دونيتسك وكييف عالم جديد يبدأ.. ولا يوجد رغبة دولية فى إنهاء الأزمة السورية


تعقد المشهد السورى اوجد بيئة مواتية للتفاوض الخليجى الإيرانى

دعم إيران للحوثيين واثارة الاضطرابات فى اليمن الفناء الخلفى للسعودية غير معادلة العلاقات الخليجية الإيرانية

بان كى مون موظف أمريكى وافقد الأمم المتحدة حيادها المطلوب

استقالة الأخضر الإبراهيمى دلالة على فشله فى التقريب بين الاضداد الدولية المتنافرة

بعد سنوات من الصراع الدموى فى سوريا الشقيقة هذا الرقم الصعب فى معادلة الأمن القومى المصرى والعربى تجرى انتخابات على مقعد رئاسة الجمهورية يخوضها الرئيس الحالى بشار الأسد فى أجواء شديدة التوتر تجعل من مصداقية تلك الانتخابات محل جدل على نطاق اقليمى ودولى حيث اصبحت سوريا ليس فقط مرتعا للإرهابيين المرتزقة وإنما وهذا هو الاخطر جعلها مرآة تنعكس عليها موازين القوى الاقليمية والدولية فى عالم شهد من الأحداث الجسام المتزامنة ما يعيد تشكيل خريطته وقواعده بعد سنوات من الضبابية عقب انهيار الاتحاد السوفيتى وهيمنة الولايات المتحدة واصبحت دماء الأبرياء السوريين مادة لاستعراض القوى السياسية والاقتصادية وطرفا لتجاذبات تلك القوى كل طرف يحقق أجندته الخاصة مستغلا التهاب الأحداث لا لفرض معاييره وفقط وإنما لصياغة خريطة دولية جديدة تتسق وأهدافه وتعكس مآلات قوته.

وما يزيد الانتخابات السورية أهميه تزامنها مع أحداث جسام كل حدث له موقعه على الخريطة الدولية التى هى قيد التشكيل الآن على رأسها الصراع فى اوكرانيا الذى بلور لحد بعيد ملامح تلك الخريطة الدولية الجديدة والتى كانت لها تداعيات عميقة الأثر على الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن ويضاف إليهم المانيا فى اطار مجموعة 5+1 ويتجلى الآن فى الأفق ملامح جديدة لعالم متعدد الاقطاب ولكنه اعادة تدوير للصراع القديم بين الاتحاد السوفيتى - حلف وارسو - وبين الولايات المتحدة - حلف الناتو - ولكن بصيغة جديدة تتسق والمتغيرات التى شهدها الواقع الدولى عقب انهيار الاتحاد السوفيتى وانتهاء المعيار الايديولوجى كوقود للصراع وبما يتسق أيضا مع النمط التعددى الذى يجنح إليه النظام العالمى ويراعى الأوزان النسبية للقوى الاقتصادية وعلى رأسها مجموعة بريكس التى تحتل مواقعها بفاعلية على عجلة قيادة العالم فى ازاحة قوية وثابتة للولايات المتحدة التى تربعت منفردة على عجلة القيادة على مدى العشرين عاما الماضية لتسطر عالما مختلفا يقلص من النفوذ السياسى الأمريكى ويفسح المجال لروسيا التى استطاعت امتصاص صدمة انهيار الاتحاد السوفيتى واستعادة قدرا كبيرا من مكانتها الدولية تجلى ذلك فى تقويض الضربة العسكرية الأمريكية على سوريا وارضاخ امريكا للاتفاق على البرنامج النووى الإيرانى وصفقة السلاح الكيميائى السورى وأخيرا نجاحها فى فصل شبه جزيرة القرم ومدن شرق اوكرانيا.

أما عن الدور المصرى الذى لطالما يطل من وقت لآخر فى التاريخ بحدث يغير كثيرا من معطيات المشهد ليعيد توجيه دفة الأحداث قدم ثورة 30 يونية هذا الحدث الجلل الذى تصدعت على اعتابه البلطجة الأمريكية عبر ازاحتها للإخوان الإرهابيين الأدوات الأمريكية فى المنطقة لتعاد صياغة معادلة الشرق الأوسط وفق شبكة جديدة من العلاقات الاقليمية والدولية تجلت فى مآلات العلاقات المصرية الأمريكية وما يترتب عليها من مكونات جديدة تؤطر العلاقات المصرية الروسية و الخليجية الإيرانية و الخليجية الأمريكية و الخليجية الروسية.


الفجر التقت بالباحث السياسى الدكتور محمود محى الدين لتقييم الانتخابات السورية فى اطار تلك الملابسات شديدة التعقيد ولتتعرف على ملامح العالم الجديد الذى اسفر عنه الصراع بين دونيستك وكييف وإلى نص الحوار:

هل تعتقد أن الانتخابات السورية سيكون لها تأثير على المشهد السياسى السورى ؟

لا اعتقد أن الانتخابات السورية ستغير كثيرا من معطيات المشهد السياسى فى سوريا بل ستظل الأزمة تراوح مكانها لفترة ليست بالقليلة خاصا فى المناطق المتاخمة لتركيا ولا توجد رغبة دولية لانهاء هذا الملف فى الوقت الحالى وهذا بسبب ابقاء سوريا كورقة ضغط تتجاذبها الاطراف الاقليمية والدولية بحيث تعكس الأوزان النسبية لهذه القوى وتساعدها على المناورات التفاوضية بين الملفات المتوازية فى عالم يشهد تغييرا عميقا فى شبكة العلاقات الدولية وتحولات للقوى الاقليمية والدولية تسطر فيه الأزمة السورية والاوكرانية أهم ملامحه وتعكس مآلات تلك القوى.


كيف تفسر استقالة مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة الاخضر الإبراهيمى قبيل الانتخابات الرئاسية السورية ؟

تزامنت تلك الاستقالة مع مجموعة أحداث أخرى خطيرة القت بظلالها على المشهد وهى زيارة أحمد الجربا رئيس الإئتلاف السورى المعارض إلى الولايات المتحدة واعلان الخارجية الأمريكية والبريطانية رفع مكاتب المعارضة السورية إلى درجة هيئات دبلوماسية وبدء العد التنازلى للانتخابات الرئاسية فى سوريا ولم يتمكن الإبراهيمى من التقريب بين وجهات النظر بين الاطراف الداخلية والمدعومة خارجية وقد تبلور هذا الفشل فى مؤتمر جنيف2 حيث لم يتمخض عنه أى أرضية مشتركة يمكن أن يقف عليها الجميع وكان لغياب إيران الرقم الفاعل فى المعادلة السورية الأثر الأعمق فى افشال المؤتمر ولهذا دلالة عميقة وهى استحالة التوصل لأى تسوية بعيدا عن المصالح الإيرانية.

ولايمكن فصل الأزمة السورية عن سياقين سياسيين يمثل كل منهما ليس فقط اطارا للمساحة السياسية التى تتحرك فيها سوريا ويلقى بظلاله على الأزمة وإنما يمثلان أهم محددات الواقع الدولى التى تعيد تدوير شبكة العلاقات الدولية وطبيعة المصالح المشتركة بين الاطراف المتنافرة والمتقاربة واضافة إلى ذلك تبلور تلك المحددات التطورات التى طرات على الأوزان النسبية بين الاطراف الاقليمية والدولية، فأولا الاتفاق الذى تم مؤخرا بين إيران ومجموعة دول 5 + 1 برعاية أمريكية، ثانيا الأزمة الواقعة فى اوكرانيا وما تمخض عنها حتى الآن من انفصال القرم والمنحى المشابه الذى آلت إليه الأوضاع فى شرق اوكرانيا.

اضف إلى ذلك الموقف السعودى كأكبر داعم عربى للجيش الحر ويبدو فى الأفق أنه اصبحح اقل حدة ازاء نظام الأسد وكانت المباحثات الخليجية الإيرانية كاشفة عن رغبة الطرفين المتضادين الخليجى والإيرانى فى تجاوز تلك الخلافات والتوصل لأرضية مشتركة تحدد طبيعة العلاقات الثنائية أولا وتحدد اوجه التماس بينهما ازاء الأزمة السورية ثانيا مما يفتح المجال لتقارب خليجى إيرانى يعيد مكونات العلاقات الخليجية الأمريكية والخليجية الإيرانية والتى بالتأكيد سيكون لها تداعياتها على الأزمة السورية.

كل هذه المعطيات التى جعلت من سوريا مسرحا تنعكس عليه التجاذبات بين الاطراف الإقليمية والدولية بكل ما تبلوره من تغيرات فى الأوزان النسبية بين هذه القوى وتعكسه من فك واعادة تركيب شبكة العلاقات بين هذه القوى احالت مهمة الإبراهيمى إلى عملية مستحيلة وفشل فى بلورة كل هذا الكم الكبير من المعطيات المتنافرة فى أجندة جامعة.

كيف تلقى الأزمة الاوكرانية والاتفاق على البرنامج النووى الإيرانى بظلالهما على الأزمة السورية ؟

من حيث الجانب الإيرانى كان لغيابها عن حضور مؤتمر جنيف 2 كاشفا لقدرتها على التحكم ولحد بعيد فى مكونات المشهد السورى كما كشف موقف بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة فيما يتعلق بتوجيه الدعوة لإيران والذى تغير اكثر من مرة على حجم وعمق المناورات بين الجانب الإيرانى الداعم للأسد وما بين الموقف الأمريكى الداعم للجيش الحر

وفى هذا الصدد اود أن اقول أن بان كى مون كشف عن وجهه المنحاز وبدا وكأنه موظف أمريكى بالشكل الذى افقد الأمم المتحدة مصداقيتها حيث تغير موقفه اكثر من مرة اتساقا مع الموقف الامريكى والمعارضة السورية، والقوة التى استطاعت إيران فرضها عبر مساندتها لبشار الأسد وافشال مؤتمر جنيف 2 وضعت الجميع الولايات المتحدة ومجموعة 5 + 1 امام واقع دولى ليس من المستطاع تجاوزه وهو استحالة التوصل لأرضية تفاهم مشترك بعيدة عن المصالح الإيرانية مما اوجد بيئة تفاوضية اكثر اريحية للمناورة بشأن ملفها النووى وكل خطوة تفاوضية تتقدم فيها إيران تبلور قوتها من جانب وتسمح لها بمزيد من احراز أهداف أخرى من جانب آخر.

أما فيما يتعلق باوكرانيا فقد كشفت عن عودة الصراع الأمريكى الروسى بصيغة جديدة تتسق والسياق الزمنى حيث استطاعت روسيا عبر الاستفتاءات تأمين ميناء سيفاستبول ومساحة فاصلة بينها وبين شرق اوروبا بما يقوض كثيرا من الأهداف الأمريكية والأوروبية - الناتو – المرجوة.

كما كشفت عن مخاض الأوزان النسبية السياسية والاقتصادية بين القوى الدولية التى يبدو أنها تجنح إلى تكتلين رئيسيين روسيا والصين ومعهما إيران فى جانب والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ومعهم المانيا فى جانب آخر تجلى ذلك فى الفيتو الروسى والصينى على القرارات الأخيرة المتعلقة بالأزمة السورية والاوكرانية ويجب أن نتوقف كثيرا عند الفيتو الصينى المتسق مع الفيتو الروسى.

وقد استطاع الجانب الروسى بما حققه من الحفاظ على مصالحه فى البحر الأسود والأبيض تقويض التحركات الأمريكية والأوروبية لحصاره بما يعكس ليس فقط القوة الروسية ولكن الأهم يعكس شبكة العلاقات الروسية والصينية والإيرانية التى تقف الآن حائط صد تعيق مآرب التكتل الآخر الأمريكى والأوروبى أولا وتفرض قراراها على الواقع الدولى ثانيا وتسطر ملامح الخريطة الدولية ثالثا.

وما بين الموقف الأمريكى والأوروبى والسعودى والموقف الروسى والصينى والإيرانى تقف الأزمة السورية شاهدة على تحولات شبكة العلاقات الاقليمية والدولية ومسرحا تنعكس عليه متغيرات الواقع الدولى التى يبدوأنها تجنح إلى الكفة الروسية مرجحة هذه القوة من جانب ومتأثرة بقوة روسيا وإيران عبر مناوراتهما بملفات اوكرانيا والبرنامج النووى الإيرانى من جانب آخر والأهم مسطرة بهذا الترجيح ملمحا من ملامح عالم مازال فى حالة مخاض مما سيسفرعنه الصراع ما بين دونيستك وكييف.

ما هى دلالة المنحى الجديد الذى تتخذه العلاقات الخليجية الإيرانية ؟

دائما ما كانت إيران تبادر بطلب لعمل مباحثات مباشرة مع الجانب الخليجى ولكن كانت بتواجه بالرفض وذلك على خلفية المخاوف الخليجية ازاء استخدام إيران الورقة الشيعية اضافة إلى المشكلة المتعلقة بالجزر الإماراتية الثلاث وكانت تلك المبادرات تنتهى إلى زوال ولكن هناك تغيرات فى المشهدين السورى واليمنى كانا لهما عميق الأثر فى تغيير البيئة التفاوضية.

فمن حيث المشهد السورى ادرك الطرفان المتنازعان السعودية وإيران قوة كل طرف وفاعليته فى الواقع السورى فالجانب الإيرانى من خلال الحرس الثورى وحزب اللة علاوة على روسيا والتى تمثل أحد الاقطاب الدولية قدما الدعم الدولى واللوجستى إلى نظام الأسد، ومن الجانب السعودى من خلال دعم الجيش الحر اضافة إلى تركيا والتى تمثل الأداة الأمريكية قدما الدعم الدولى واللوجستى للمعارضة المسلحة السورية.

وما هو اكثر تعقيدا أن الاطراف المتضادة على قدر غير قليل من التوازن الأمر الذى اوجد الدافعية للتفاوض، ومن حيث المشهد اليمنى الدعم الكبير الذى تقدمه إيران للحوثيين عبر الورقة الشيعية اثار حفيظة السعودية التى تمثل اليمن بالنسبة لها الفناء الخلفى، اضف إلى ذلك الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكى اوباما إلى السعودية والتى لم تؤتى ثمارها كما كان التوقع الأمريكى، اضف إلى ذلك أيضا ما قامت به السعودية مؤخرا بإعلان كل من جماعة الإخوان وداعش وجبهة النصرة كجماعات ارهابية بالاتساق مع الموقف الإيرانى والمختلف نسبيا مع موقفها السابق كأكبر داعم عربى للموقف الأمريكى وللجيش الحر، كل تلك المتغيرات مثلت معطيات جديدة غيرت من طبيعة مكونات العلاقات الخليجية الإيرانية واوجدت بيئة تفاوضية جديدة تتسم بقدر كبير بالدافعية.

ما بين دونيستك وكييف ما هى المساحة التى يجب على مصر التحرك فيها وما هى آلية التحرك؟

لا اعتقد أنه سيكون من الجيد أن تعبر مصر بوضوح عن انحيازاتها الخارجية فى هذه المرحلة المرتبكة من جانب وفى اطار هذا التوتر فى الواقع الدولى وعدم وضوح الرؤيا من جانب آخر، وكان امتناع مصر عن التصويت بشأن القضية المتعلقة بشبه جزيرة القرم حينما تم مناقشتها فى الأمم المتحدة قرارا عاقلا ولا يجب أيضا الاعلان عن موقف مصر تجاه الصراع الدائر فى شرق اوكرانيا، ويجب على مصر الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الاطراف.

أما بالنسبة للملف السورى فيجب على مصر دعم الدولة السورية وفى هذا السياق قطعت الخارجية المصرية شوطا كبيرا فى هذا المضمار وإن كان بحذر يعكس حساسية الموقف المصرى الذى يراعى كثيرا الانحيازات الخليجية الداعمة للجيش الحر والحفاظ فى آن على أرضية التفاهم المشترك مع روسيا الداعم الرئيسى للنظام السورى.

وفى اطار كل هذه الملابسات وتحديدا فى اطار التنافر ما بين الموقف الروسى والسعودى تقف مصر فى منعطف طرق تحيل صياغة سياستها الخارجية ازاء الملف السورى لعملية محفوفة المخاطر ولكن الانحياز إلى وحدة الدولة السورية يجب أن يكون بصلة صناعة القرار المصرى.