منال لاشين تكتب : السيسى: ما عنديش درج لا مفتوح ولا مقفول

مقالات الرأي


الرسائل بين الرئيس وأهل البيزنس

السيسى: ما عنديش درج لا مفتوح ولا مقفول

ورجال الأعمال يردون عليه فى الفضائيات والصحف: السياسات كثيرة بس المهم التنفيذ

اجتماعات سرية لبحث جمع كام مليار لدعم مصر خوفا من إجراءات قضائية ضدهم

ما بين الابتسامات والسلامات والكلمات الطيبة تكمن الحقائق والمشاعر الحقيقية فى القلب، وتعبر عن نفسها من حين إلى آخر بكلمة وباشارة وبتعبيرات ورسائل غير مباشرة، هذا هو ملخص للعلاقة بين المشير السيسى بوصفه الأقرب جدا لرئاسة الجمهورية ورجال الأعمال. على السطح تبدو العلاقات لطيفة وهادئة، علاقات عبر عنها بجمل من نوع بنحب مصر وهندعم البلد وكلنا فداء الوطن، وعلى الجانب الآخر عبر المشير السيسى عن قناعته بأن القطاع الخاص جزء أصيل فى النهضة الاقتصادية، وكانت كلمات المشير فى حوار تليفزيونى وعقب أيام من لقائه العاصف والساخن برجال الأعمال، ولكن الطرفين تبادلا الرسائل غير المباشرة عبر وسائط عدة، ما بين رسائل جس النبض والتهديد الخفى والادعاء بالمشاركة القوية فى انتخابات الرئاسة، على الجانب الآخر استمرت اجتماعات ولقاءات سرية بين مجموعات من كبار رجال الأعمال لوضع تصور مشترك لما يجب أن يفعلوه بعد ما يأتى السيسى إلى مقعد الرئاسة، أعتقد أن المعركة الأولى للرئيس هى المعركة مع رجال الأعمال، وهى معركة تحتاج إلى نفس طويل وجرأة فى الحلول، وسيتم استخدام كل الاسلحة فيها، فقد تم استخدام بعض الأسلحة غير المشروعة أيام الانتخابات بالفعل، ولذلك الدولة ليست قاصرة ولا عاجزة عن استخدام وسائل الضغط المختلفة بدءاً من فرض ضربية على الثروة وليس على الدخل فقط، انتهاء بسحب أراض للمنفعة العامة مرورا بالإجراءات القضائية التى تم التلويح بها بالفعل خلال أيام المعركة الانتخابية.

1

السيسى: لا تراجع ولا استسلام

كان لقاء السيسى برجال الأعمال لقاء فاصلا، وهو اللقاء الذى انفردنا بالكشف عن أهم ما جاء فيه، أو بالأحرى بالفكرة الحاكمة لدى السيسى، فكرة أن على رجال الأعمال خاصة الكبار منهم أن يقدموا جزءاً حاسماً ونسبة كبيرة مما حصدوه من ثروات أيام مبارك لمصر، فالقضية لدى السيسى لن ولم تكن مجرد تبرع لدعم مصر، لكنها قضية تحقيق العدالة الاجتماعية، وأن يتحمل كل مواطن قدراً من فاتورة الأزمة الاقتصادية، وهذا القدر يجب أن يتناسب مع ما حصده من مكاسب من عمله داخل البلد ومن خيره وثروته.

بعد هذا اللقاء أرسل السيسى رسالة طمأنة لرجال الأعمال خلال أحد حواراته الفضائية، رسالة مفادها أن القطاع الخاص مستمر كشريك ولكن بشروط وقواعد جديدة للعبة،

فى لقائه بالقوى السياسية فتح السيسى موضوع تقديم رجال الأعمال الدعم لمصر من ثرواتهم التى كونوها من خير البلد، وكان لافتا أن السيسى بعد أن قال هذه الكلمات أو الفكرة وجه كلامه لرئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوى، وقال السيسى لرئيس حزب الوفد (رجال الأعمال لما يؤدوا واجبهم تجاه البلد مش كده يادكتور سيد؟) فرد عليه رئيس الجزب بالقول (طبعا)، وقد اختار السيسى رئيس حزب الوفد لأنه رجل أعمال من الكبار، فالسيسى أراد أن يرسل رسالة لهم بأنه لن ولم يتراجع، وأن مشاركتهم فى حصة المشروعات مرهونة ومشروطة بالتبرع لمصر ولدعم الاقتصاد المصرى،

مرة أخرى فى حوار آخر قال: السيسى (اللى هييجى عندى هيدفع لمصر) وهذه إشارة ورسالة ثالثة، رسالة تأكيد بأن ما حدث فى اجتماعه برجال الأعمال ليس مجرد قعدة وراحت لحالها، ولا سحابة صيف لكنها ركيزة اساسية من ركائز حكمه القادم كرئيس للبلاد، وطابع اساسى للعلاقة بين الرئيس القادم ورجال الأعمال أو الكبار منهم، هذه العلاقة لها طرفان أحدهما رجال الأعمال الذين استفادوا من نظام مبارك وأخذوا خير البلد، والطرف الآخر هو رئيس له مواصفات جديدة.

2

السيسى والفساد

فى جميع لقاءاته الانتخابية استخدم السيسى تعبيرات من نوع (أنا ما عنديش فواتير لحد) (أنا مش مدين لاحد غير الله والشعب) ولكن فى لقائه برجال الأعمال استخدم السيسى تعبيرا جديدا وموحيا، قال الرجل (أنا ما عنديش درج لا مفتوح ولا مقفول)، وقد كانت هذه الجملة هى أول اشارة مباشرة وقوية من السيسى لفساد الحكم أيام مبارك، لقد تجنب السيسى الحديث عن فساد نظام مبارك والرشاوى والخدمات المتبادلة بين السلطة والثروة، لم يتوغل السيسى فى الزواج الفاسد والممتد بين السلطة والثروة أيام مبارك، ولذلك كان وقع جملة الدرج قويا وشديدا على رجال الأعمال، فهذه رسالة مزدوجة، الأولى أنه رجل غير قابل للفساد، والرسالة الثانية أنه يعرف كيف كانت تدار الامور خلال الثلاثين عاما الماضية، والرسالة الأخيرة دمرت أعصاب الكثيرين من كبار رجال الأعمال، فهذه إشارة لأن الملفات القديمة لا تزال طازجة وصالحة للاستخدام.

3

سيف المعز وذهبه

كانت ردود أفعال كبار رجال الأعمال مختلفة ورسائلهم غير مباشرة، فكل الكلام الذى خافوا أن يواجهوا به السيسى قالوه فى الاعلام، مرة يقولوا اشمعنى رجال الأعمال اللى يدفعوا لمصر، كل الناس لازم تدعم مصر، ومرات يتحدثون عن مصاعب السنوات الأربع الماضية وخسائرها على أهل البيزنس، ولكن اخطر الرسائل كانت التهديد غير المباشر، بعض رجال الأعمال بدءوا فى تسريب آراء بين السطور، أن البرامج والأفكار كثيرة بس المهم التنفيذ، ومرة أخرى أن مشاكل مصر أكبر من أن تحل فى سنة أو سنتين، وذلك فى إشارة لما قاله السيسى من أن الناس سترى نتائح لبعض المشروعات بعد عامين.

ولكن الحكماء والعقلاء من كبار رجال الأعمال رفعوا رسائل التهديد، وظهر اقتراح بأن يتجمع أهل البيزنس على قلب رجل واحد لدعم السيسى فى الانتخابات، لقد كان السيسى يرغب فى مشاركة شعبية كبرى فى هذه الانتخابات، ولذلك كان الاقتراح أن يمنح رجال الأعمال عمالهم وموظفيهم إجازة مدفوعة الأجر يوم الانتخابات، وأن يجهزوا سيارات لنقل العمال إلى لجان الانتخابات، وذلك دون اعطاء تعليمات للعمال بانتخاب مرشح معين، وظهرت رشة أخبار من نوع إجازة مدفوعة الأجر لـ5 ملايين عامل، ولكن معظم الشركات والمصانع اكتفت بمجرد منح العمال والموظفين ساعتين فقط للانتخاب، وثانى يوم تغير الحال عندما قررت الحكومة إعطاء اجازة للموظفين وتبعها القطاع الخاص، ومن المتابعات اللافتة للنظر أن بعض كبار رجال الأعمال حشدوا للمشاركة فى الانتخابات اليوم الثانى، وهذه رسالة خبيثة للسيسى، رسالة مفاداها أننا مهمون جدا فى بعض المواقف، فالذين أكلوا خير البلد عندهم استعداد للمخاطرة بكل شىء وأى شىء لاستمرار مصالحهم، فالرسالة كانت أن رجال الأعمال هم الوحيدون القادرون على حشد الاصوات وتقديم المساعدات وقت الحاجة، ولكن شعار هؤلاء كله بثمنه، ولذلك أبدى رجل أعمال من الكبار انزعاجه وليس دهشته فقط من اقتراح رجل دولة بأن يتبرع بعض رجال الأعمال بلافتات ودعاية لحمدين، فالتبرع له ثمن، والتبرع يكون للرئيس القادم وليس للمرشح الرئاسى.

4

اجتماعات سرية جدا

منذ اللقاء الساخن بين السيسى ورجال الأعمال والاجتماعات السرية المصغرة لا تتوقف، فالبحث عن مخرج من أزمة التبرعات بالمليارات تحتاج إلى عقل وخبث الجميع، فى البداية ظهرت اقتراحات شريرة بنقل القضية إلى ملعب العرب والأجانب، وذلك من خلال الإسراع ببيع حصص حاكمة من مشروعاتهم لرجال أعمال خليجيين أو أجانب، وبذلك تنتقل المواجهة إلى الساحة الدولية، ويضطر السيسى للتراجع احتراما لتعاقدات الدولة من جهة وخشية من مخاطر خسارة التحكيم الدولى من ناحية أخرى، وفعليا فقد تصرف بعض كبار رجال أعمال مبارك بهذا الشكل، فبعد ثورة 25 يناير قام بعضهم ببيع حصصهم فى الشركات لمستثمرين خليجيين.

ولكن صوت العقل كان موجودا فى هذه الجلسات، ولذلك ظهر اقتراح بتجميع تبرعات بالمليارات من الجنيهات من كبار رجال الأعمال فى كل جمعيات واتحادات رجال الأعمال، والإعلان عن هذه التبرعات مجمتعة، ومن ناحية أخرى اقترح بعض كبار رجال الأعمال الإعلان عن نسبة خصم من أرباحهم المقبلة فى كل المشروعات الجديدة، وذلك بنسب متفاوتة، فإذا كان حجم المشروع بمليار جنيه والارباح المتوقعة 200 مليون، فيتم الإعلان عن خصم نسبة من الارباح مقدما لصالح صندوق دعم مصر، أصحاب هذه الافكار يرون أن الاستمرار فى البيزنس داخل مصر لايزال مربحا جدا جدا حتى فى ظل هذه التبرعات والتنازلات، ولذلك يرون أن من مصلحة أهل البيزنس عقد اتفاق مرضٍ للطرفين، ومنح السيسى فرصة أن يقدم نفسه باعتباره راعى العدالة الاجتماعية، وهى واحدة من أهم مطالب ثورتى 25 يناير و30 يونيو.