مرض نادر جديد.. لا علاج له!؟

الفجر الطبي



في العام 2008، حدّد مدير مختبر علم الوراثة في جامعة القديس يوسف البروفسور اندريه مكربنه مرضاً جينياً نادراً جديداً من نوع spondylometaphyseal dysplasia من عائلة أمراض خلل التنسّج الهيكلي skeletal dysplasia التي يراوح معدّل انتشارها بين واحد على ثلاثة آلاف وواحد على خمسة آلاف مولود.

تضمّ أمراض skeletal dysplasia 456 نوعاً من الأمراض المرتبطة بخلل في العظام، ضمن أربعين مجموعة، مرتبطة، حتى اليوم، بطفرات في 225 جيناً. تؤثر تلك الأمراض الجينية الوراثية النادرة في العظام، وأنسجة الغضروف، وفي الطول، وتختلف شدّتها وانتشارها بين نوع وآخر. وتترافق، في بعض الحالات، مع مشاكل في القلب، وتأخر في القدرات الذهنية، وخلل في القفص الصدري.

يعتبر المرض الجديد وراثيا، نادرا، حادا، ذا صفة متنحية (autosomal recessive) أيّ يجب على الشخص أن يحمل نسختين للخلل الجيني ليظهر المرض. يصيب المرض العظام، وترتكز أعراضه على: تأخّر في النموّ قبل الولادة وبعدها، قصر في الأطراف، ضيق في التنفس ومشاكل في القلب، تشوّه في الوجه، تشوّه في تكوين العمود الفقري، ويتسبّب بالوفاة. وتم تشخيص الحالة عند ولدين لعائلة لبنانية، توفيا قبل عمر السنتين بسبب مضاعفات المرض، أي اضطرابات في وظيفة القلب.

بدأت الباحثة في علم الوراثة في المختبر الدكتورة سيبال مهاوج، في العام 2010 ضمن مشروع أطروحة الدكتوراه، العمل على تحديد السبب الجيني للمرض من خلال إجراء فحوصات جينية على عائلتين لبنانيتين لدى كلّ منهما ولدان مصابان بالمرض.

أجرت مهاوج بحوثها في المختبر في لبنان، وفي مختبرات في باريس وغيرها من المدن الفرنسية. وشملت البحوث الجينية أحد أفراد العائلة الذين لا يعانون المرض، وشملت الولدين المصابين قبل وفاتهما وعيّنة من 225 شخصا لا يعانون المرض من المجتمع اللبناني، وتم إجراء بحوث مشابهة على الفئران والخميرة.

وكشفت البحوث، وفق مهاوج، ارتباط المرض بطفرة في جين MAGMAS الموجود على الصبغي أو كروموسوم 16 وبيّنت البحوث وجود الخلل الجيني عند العائلتين. ويرتبط الجين بانتاج بروتينات في ميتوكندريون mitochondrion . وتعتبر عضية الميتوكندروين أحد أجزاء الخلية ومركز توليد الطاقة للخلية.

ترتكز أهمية الإنجاز على أنها المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين خلل في جين MAGMAS ومرض عند البشر، وعلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين بروتينات في ميتوكندروين وخلل في العظام، ما يشير إلى دور ميتوكندريون في آلية تكوين العظام.

تلفت مهاوج إلى أن تحديد الجين المرتبط بالمرض يساهم في التشخيص المبكر، وفي إمكان تطوير سبل الوقاية وفي تقدّم العلوم الجينية. ويساعد تحديد الجين في معرفة آليات تكوين العظام، وفيزيولوجيا الهيكل العظمي، وفي فهم صلة عضية الميتوكندريون بآليات التعظّم.

لا يتوافر علاج للمرض حتى اليوم، غير أن تحديد الجين المسبّب للمرض يشكّل الخطوة الأولى لفهم آليات المرض وتطوير العلاج.

أجرت مهاوج بحوثها تحت إشراف مكربنه، والبروفسورة فاليري كورمييه من جامعة باريس - ديكارت ، وتم نشر المقال في الدورية العلمية plos genetics في الأول من أيار الجاري.

يؤدي التعاون بين المختبرات اللبنانية، وفق مهاوج، والمختبرات الأجنبية إلى تطوير البحوث العلمية ذات التكلفة المرتفعة والتي تحتاج إلى تقنيات صعبة وغالية الثمن مع الإشارة إلى أن العلوم الجينية متطورة في لبنان وهناك الكثير من الكفاءات العلمية التي يغنيها التعاون مع الباحثين الأجانب.