مصطفى عمار يكتب : شىء من الخوف!

مقالات الرأي


لم يحلم عتريس فى يوم من الأيام أن يتحول لديكتاتور، فكل ما كان يحلم به هو اليوم الذى سيجمعه سقف بيت واحد مع حبيبته فؤادة، لم يطمع بأن ترتعد النساء منه ويخر الرجال لجبروته ويتقافز الصبية أمامه بمجرد رؤيته، فعتريس كان شديد الإنسانية بأهل الدهاشنة، متعاطفًا مع قضيتهم ضد جبروت وظلم الجد الأكبر، ربما كان يحلم مثل أهالى القرية باليوم الذى سيرحل فيه هذا الجد الملعون فى هدوء، لتتنفس القرية بالكامل للمرة الأولى منذ سنوات طويلة نسيم الحرية، ولكن للأسف لم يساعد أحد عتريس على تحقيق حلمه، وبدأ الجميع يتعاملون معه على أنه امتداد لهذا الجد الطاغى، هذا هو ما صاغه بعبقرية الكاتب الكبير ثروت أباظة فى ملحمته «شىء من الخوف»، هذه الرواية التى حولها لفيلم سينمائى المخرج حسين كمال وصاغ السيناريو الخاص بها عبدالرحمن الأبنودى بالإضافة لكتابته أغانى الفيلم الشهيرة، وللأسف لم تخبرنا الرواية أو الفيلم بالطريقة التى تجرد فيها عتريس من إنسانيته وقرر أن يتحول لطاغية، لا تؤثر فيه صرخات النساء وبكاء الأطفال ودماء الرجال التى يسيل تحت قدميه، اكتفت الرواية بهذا المشهد الذى رأى فيه عتريس جده وهو يحتضر بين يديه بعد أن أصابه أحد أهالى القرية المظلومين بطلق نارى، جعله يحتضر بين يد حفيده الوحيد وهو يوصيه بأهل القرية شراً، بأن يسحقهم تحت حذائه ليظلوا فى حالة خوف ورعب منه، وفى الحقيقة ليس هذا المشهد فقط هو من أخرج الشيطان من داخل عتريس، وجعله يقرر أن يختار أن تنام فؤاده بين أحضانه فى الحرام، نسيت الرواية أن تستعرض كيف ساهم كبار القرية فى تحويل عتريس لهذا المسخ المخيف، كيف أفسدوه بحملات النفاق الفجة وتصوير تعاطفه معهم على أنه شىء لا يقدر بثمن، وأنه الأصلح للجلوس على عرش الدهاشنة، لم يجرؤ أحد من أهالى القرية أن يخبروه بأن موقفه النبيل بالتعاطف معهم ومساندتهم ضد بطش الجد الأكبر واجب مفروض عليه باعتباره أحد أبناء القرية، وما زاد الأمر فجاجة خطيب مسجد القرية، الذى لم يتردد فى الدعاء لعتريس وهو يقف على المنبر، ليحدث أهل الدهاشنة عن فضل وخير وحكمة عتريس، الأمر الذى تبعه ايضاً فجاجة مثقفى القرية، الذين ظلوا يبالغون فى حكمة وذكاء ودهاء عتريس، وأن الدهاشنة ستكون محظوظة إذا ما تولى هذا الرجل ذمام أمورهم، فأهل القرية وقتها سيلعبون بالفلوس لعب، وجميع مشاكل القرية ستحل بمجرد جلوس عتريس على كرسى الحكم،كل هذا كان يحدث وعتريس يشاهده ويسأل نفسه متعجباً، لماذا يتصرف أهل القرية بهذه الطريقة معى، لماذا يريدون منى أن أتجرد من إنسانيتى وأتحول لنسخة طبق الأصل من الجد الظالم، هل يريدون أن يضعونى على كرسى حكم القرية شكلى طيب ودمعتى قريبة وأشعر بمشاكل الناس، أم يعتقدون أنه من السهل السيطرة علىّ لأننى بهذه المواصفات وأننى سأحمل فى رقبتى جميل معروفهم بدفعى لكرسى الحكم ليحقق كل منهم مطامعه بقربه منى، هل الجد الكبير فهم أهل هذه القرية فعاملهم بمثل ما يستحقونه فجعل ذكر اسمه فقط يتسبب فى حالة تبول جماعية لأهالى القرية، كل هذه الأفكار تجمعت داخل رأس عتريس وهو يشاهد جده يحتضر بين يديه، بينما أفراد عصابة الجد عاجزون عن إنقاذه بكل جبروتهم وأسلحتهم، وفى اللحظة التى أغمض فيها الجد عينه ليعلن مفارقته الحياة، قرر عتريس أن يتحول لطاغية يفوق الجد ألف مرة، قرر أن يعلم أهل الدهاشنة درسا لن ينسوه طوال حياتهم، فجاء بحكماء القرية ليحاوره فى مستقبل قريتهم، وعندما وجد أحدهم يحاول أن يستعرض عضلاته وثقافته عليه، قرر أن يهينه أمام الملأ، ليكون عبرة لمن يحاول أن يفكر فى أن يتجرأ عليه، عتريس قرر أن يظهر للجميع العين الحمرا فقط دون أن يخبرهم أى شىء عن المستقبل، ومن يستطيع أن يلوم عتريس الآن بعد أن اشترك الجميع فى أن يصنعوا منه ديكتاتورًا جديدًا للقرية !