محمد الباز يكتب : معركة انتخابات الرئاسة بين الواثق والواهم

مقالات الرأي


لا تستطيع أن تنكر مشهد الانتخابات الرئاسية فى مصر الآن.. لدينا بالفعل انتخابات رئاسية، لكنك أيضا لا تستطيع أن تنكر أنه مشهد بارد جدا، لا يجبرك على متابعته إلا إذا كانت لك مصلحة مباشرة فى ذلك، وللأسف الشديد فالمصالح فى أغلبها متناقضة ولا يمكن أن تتوحد فى صف المصلحة الوطنية العليا.

يمكن أن تكون حالة البرودة الحادة المنبعثة من الإنتخابات الرئاسية بسبب أننا كصحفيين لا نجد فيها أى نوع من الصراع الساخن أو البارد، حتى هجوم صباحى على السيسى سرعان ما يتراجع عنه ويؤكد أنه لم يفعلها، على طريقة الجرى نص الجدعنة، أما السيسى فهو لا يزال فى كهف المقابلات، لا نراه إلا من وراء حائط زجاجى، نقدر أن ذلك لأسباب أمنية.. لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل، وماذا سيفعل عندما يصل إلى قصر الاتحادية بالفعل.. هل سيظل محجوبا خاصة أن الأسباب الأمنية لن تزول بين يوم وليلة، أم أن تغييرا سيطرأ عليه؟!

ليس علينا إلا أن ننتظر.. ونحكى بعضا مما يجرى

1 - التحرش السياسى بين حمدين والسيسى

قبل شهور وعندما كانت الصورة غائمة حول موقف السيسى من ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، كان حمدين صباحى يروج فى كل مكان يتواجد فيه أن السيسى أقسم أمامه أنه لن يترشح، معتقدا أنه بذلك من ناحية يمكن أن يحرج السيسى، ومن ناحية ثانية يمنح نفسه صفة المنقذ الوحيد لمصر بعد أن تخلى عنها المنقذ الحقيقى.

وقتها تصادف أن تحدثت مع أحد المقربين من السيسى، سألته بشكل مباشر عن واقعة القسم، فأنكرها تماما، واكتفى بأن قال أنه لم يقسم، سألته: هل معنى هذا أنه يمكن أن يرشح نفسه للرئاسة؟ قال: دعنا نكتفى الآن بنفى حكاية قسمه على المصحف، أما ما سيجرى بعد ذلك، فلكل حادث حديث.

فهمت أن السيسى لا يريد أن يتورط بوعد قاطع حول ترشحه أو عدم ترشحه للرئاسة، يكتفى فقط بأن يترك الباب مواربا، فكل الاحتمالات كانت قائمة، خاصة أنه ومن قبل أحداث 30 يونيو، كانت هناك مطالبات بأن ينزل السيسى إلى الشارع، ليس لينقذ المصريين من الإخوان فقط، ولكن من أجل أن يتولى هو المسئولية، وهى الدعوة التى تبلورت وتأكدت بعد ثورة يونيو، فقد حمل روحه وحياته ومستقبله على يديه، ودخل إلى كهف مظلم، لم يكن يعرف على وجه اليقين هل سيخرج منه أم ينتهى فيه إلى الأبد.

المساحة الغائمة التى ربطت بين حمدين والسيسى، جعلت ثعالب الإخوان الصغيرة تقفز على هامشها، فأثناء اجتهاد شبكة رصد وقناة الجزيرة فى نشر تسريبات من حوار ياسر رزق والسيسى الحوار المطول الذى نشر فى المصرى اليوم والذى كانت هناك أجزاء كثيرة لم تنشر وجرت وقائعها أثناء اللقاء) استبقت قناة الجزيرة نشر تسريب يخص حمدين بأربع وعشرين ساعة، وقالت إن هناك تسريباً سوف يذاع غدا، يصف فيه السيسى حمدين صباحى بأنه خمورجى.

لم يكن شيئا من هذا صحيحا، فعندما أذيع كلام السيسى عن حمدين صباحى لم نجد فيه الإشارة إليه بأنه خمورجى، بل استمعنا إلى كلام محترم ومهذب، بل إن السيسى سبق اسم حمدين بكلمة الأستاذ، وكشف وقتها أنه رفض عرضا حمله إليه حمدين، يقوم على أنه فى حالة عدم ترشح السيسى فى الانتخابات الرئاسية يقوم بدعم حمدين، وهو ما لم يقل السيسى كلمته فيه وقتها.

فعليا لا توجد صورة واحدة تجمع بين حمدين والسيسى، رغم أنهما كانا فى نفس الخندق أثناء وبعد 30 يونيو، ربما كان الفارق بينهما أن السيسى كان واضحا فى موقفه وهدفه، بينما كان حمدين متأرجحا، لا يعرف على وجه التحديد إلى أين تأخذه الأحداث، فى البداية رفض أن يوقع على استمارة تمرد– الشباب كانوا يريدون توقيعه لدعمهم– لكنه وبعد أن أصبحت تمرد حقيقة واقعة وقع على الاستمارة.

السيسى وحمدين من مواليد نفس العام – 1954– لكن خط السير الذى سلكه كل منهما كان مختلفا تماما، فبينما قضى السيسى معظم سنوات عمره فى الحياة العسكرية، حاصدا عددا كبيرا من المناصب، كان حمدين صباحى يعمل فى صف المعارضة لنظامى السادات ومبارك، دافعا من سنوات عمره فى سجونهما ما يؤكد أنه مخلص لأفكاره ومبادئه.

لكن يبدو أن المناضل الكبير تعب وأرهقته النوازل.. وهو ما جعله يتعامى عن حقائق كثيرة، من حقه أن يدخل المعركة الانتخابية بعقل وقلب وتصميم وثقة أنه الفائز، لكن من غير المنطقى أن يدفعه ذلك إلى التحرش السياسى بالسيسى، فلأن تاريخ السيسى كله عسكرى فمن الصعب أن تمسك عليه بخطأ، إلا إذا كان حمدين صباحى يعتبر موقف السيسى من الإخوان وثورة يونيو خطأ يجب أن يحاسب عليه.

لست مع الذين يهاجمون حمدين صباحى بسبب ما قاله فى حق السيسى– سواء كان هذا الكلام صدقا أو كذبا– وذلك لسبب بسيط للغاية، فحمدين فعليا مرتبك جدا فيما يخص السيسى، لا يستطيع أن يكون رأيا واحدا عنه، أو يأخذ موقفا محددا منه، هو لا ينكر أنه قام بدور وطنى جليل، لكن فى الوقت نفسه هو خصمه فى انتخابات رئاسية يعتبرها صباحى فرصته الأخيرة من أجل البقاء.. ولذلك أنا أشفق عليه مما هو فيه.

شىء آخر يربك حمدين صباحى لا يمكن لنا أن نتجاهله على الإطلاق، وهو تعامل السيسى وأنصاره مع الانتخابات الرئاسية، فهم ينظرون لمرشحهم ليس على أنه الرئيس القادم، بل الفعلى– مقابلات السيسى للوفود التى يجلس معها كل يوم مقابلات رئيس فعلى وليس مرشحًا يريد أن يقنع من يولون وجوههم شطره بأنه الأحق – أما أنصار حمدين وكثيرون ممن يعملون معه، فيرون أنه واهم، وأن المعركة محسومة لكنهم لا يستطيعون الانسحاب.

2 - انتخابات الرئاسة تفجر خلافات الشيعة

دفع الشيعة المصريون ثمنا باهظا أثناء حكم الإخوان، حرض عليهم أنصار محمد مرسى علنا، وكانت النتيجة سحل وقتل عدد منهم فى قرية مسلم فى الجيزة، كان على رأسهم الشيخ حسن شحاتة.

فى 30 يونيو وقف الشيعة المصريون قلبا واحدا فى ميادين مصر جنبا إلى جنب مع الثوار، فالثورة ليست غريبة عليهم، فكرتهم فى الأساس تقوم على الثورة.

انتظر الشيعة المصريون لن أقول اعترافا بهم، ولكن إدماجهم فى الحياة السياسية المصرية، لم يحدث شىء من هذا، حملة السيسى اكتفت فيما يبدو باللقاء مع أقطاب الطرق الصوفية ونقيب السادة الأشراف، ولم تلتف لأحد من الشيعة.

صحيح أنه ليس هناك تنظيم واضح يضم الشيعة يمكن الحديث معه أو دعوة أصحابه، لكن هناك عددا ممن يمكن اعتبارهم رموزا للشيعة فى مصر، كان يمكن التواصل معهم، والاستماع إليهم، خاصة أن أقطاب الطرق الصوفية والأشراف يؤكدون أنهم يقفون حجر عثرة أمام تسرب الفكر الشيعى إلى المجتمع المصرى، تأسيسا على أن هذا الاختراق هو الطريق لاختراق إيران للمجتمع المصرى.

لقد آن الأوان للتعامل مع الشيعة على أنهم مواطنون مصريون.. من حقهم أن يشاركوا فى العمل السياسى، ليس من المنطقى إبعادهم أو إقصاؤهم.. أو نبذهم بعيدا عن الخط الوطنى المصرى، لا لشىء إلا لأنهم يحملون على أكتافهم مذهبا دينيا مختلفا.

أصوات الشيعة المصرية ليست مضمونة لمرشح من الاثنين، كان يمكن أن تذهب جميعها إلى عبدالفتاح السيسى، لكنه لم يشعرهم بوجودهم من الأساس، الآن هذه الأصوات ستتفرق، بعضها سيذهب لحمدين صباحى، والبعض الآخر لا يزال يرى فى السيسى المنقذ.

قد تكون هذه مجرد كلمة أولى، فلا تزال هناك فرصة للتعامل مع الشيعة بشكل مختلف، لا تزال هناك فرصة أمام المرشحين للاستماع إلى الشيعة والنقاش معهم، والتعامل معهم على أنهم مواطنون مصريون، لا يحق لأحد إبعادهم لمجرد أنهم أصحاب مذهب مختلف يصرون عليه، ويدفعون ثمنه من أرواحهم وراحتهم واستقرارهم النفسى.

3 - هل يحمينا الكشف النفسى من ديكتاتور قادم؟

منذ أسابيع نشرت تقريرا عن إجراءات الكشف النفسى للمرشحين للرئاسة، ويبدو أن بعض ما ذكرت دفع الأستاذ الدكتور محمد غانم أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس لتنفيد ما جرى، فهو صاحب وجهة نظر مختلفة تماما فيما جرى من اللجنة الطبية.

يقول الدكتور محمد غانم: سعدت بمقالكم المؤرخ الخميس 3/4/2014، لكنى أستأذنكم فى بعض الملاحظات ألخصها فيما يلى:

أولاً: يذكر المقال أن ما يجعل هذا الكشف ضرورة هو ما عانيناه من الرئيس المعزول محمد مرسى بكل ما قيل عن أخطائه رغم أنه لم يحدث فى العالم أن تم الكشف العصبى والنفسى على أى مرشح لرئاسة أى دولة.

فهل تجربتنا مع محمد مرسى أسوأ من تجربة ألمانيا مع هتلر أو الاتحاد السوفيتى مع ستالين؟

والاجابة بالطبع لا ورغم ذلك لم تُقدم ألمانيا أو الاتحاد السوفيتى على مثل هذا الإجراء.

ثانياً: يقول المقال أن هذا الكشف ليس هدفه التشخيص الطبى وإنما يهدف إلى استبعاد احتمال وجود أحد الاضطرابات المعرفية التى قد تعوق المرشح عن القيام بوظائفه العقلية الكبيرة ونحن نرد أن هذه الوظائف العقلية المطلوبة فى المرشح تُعرف طولياً من تاريخه وعرضياً من أدائه الذى يظهر للعامة والكافة من خلال أنشطته المختلفة وحواراته وأفعاله وبذلك ينتفى الهدف من إجرائها.

وهل نحن الوحيدون الحريصون فى هذا العالم على اختبار هذه الوظائف المعرفية فى حين أن باقى الدول ومنها دول أعرق منا فى الديمقراطية لم تتبع هذا المنهج؟

ثالثاً: إنه ليس المطلوب من اختبارات الشخصية تحديد السمات لأنه لا قيمة لذلك إلا إذا ربطنا السمات بالمواقف المختلفة، فالشجاعة مثلاً قد تكون تهوراً والمرونة قد تكون تسيباً حسب المواقف التى وصفت فيها.

رابعاً: إن وجود مرض ما لا يعنى استبعاد المرشح لأن المعوّل هنا على كون المرض قابلاً أو غير قابل للعلاج والشفاء كما أنه يرتبط بقدرة الشخص على الأداء ومتابعة مهام الرئاسة حتى مع وجود المرض.

خامساً: إن اختصار الأسئلة التى تتضمنها المقاييس العالمية للفحص يخل بمصداقية هذه المقاييس والتى تم إجراء مقاييس الصدق والثبات عليها وليس المهم هنا الوقت الذى يستغرقه المرشح فى الاجابة وإنما هناك نقاط أهم مثل الموضوعية والمعايرة والتى ستتأثر بالقطع إذا استبعدنا أو أضفنا أسئلة (وهذا كلام يعرفه كل علماء وأطباء النفس الذين يطبقون مثل هذه المقاييس).

4 - معركة الشارع بين السيسى وحمدين

مؤخرا بدأ حمدين صباحى يلتقى مجموعات من الشعب، عقد لقاء مع مجموعة من شباب المبدعين، وهو ما سبق وفعله حمدين صباحى، لكن المشكلة التى واجهها حمدين أن عددا كبيرا من المبدعين والنقاد والشعراء الذين كانوا ينتظرون لقاءه غضبوا لأنه تقريبا تجاهلهم.

فى الشارع يقف حمدين تقريبا بلا أنصار، لا أحد يبادر بعقد مؤتمر تأييد له، ولا أحد يدعو المواطنين ليقفوا من أجل الهتاف له، وهو عكس ما يحدث مع عبدالفتاح السيسى، فهناك من ينظم مؤتمرات للدعاية له، ولقد لفت انتباهى المؤتمر الذى عقده محمد فودة فى زفتى يوم الجمعة الماضية، وأعلن من خلاله تأييد السيسى.

لاقى المؤتمر هجوما من بعض الأطراف، والحجة التى يرددها المعارضون أن رجال عصر مبارك يريدون أن يتسلقوا على كتف السيسى من جديد، ولأنى أعرف محمد فودة فإننى أستطيع أن أقول أن مؤتمره كان بعيدا عن هذه الصورة تماما، لقد قرر فودة أن يرشح نفسه فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو يستعد لذلك منذ عصر الإخوان، وعليه فالمؤتمر الذى عقده يأتى فى إطار مشروعه هو، وليس فى إطار مشروع السيسى الكبير.

قد تكون هناك ملاحظات كثيرة للبعض على مؤيدى عبدالفتاح السيسى، لكنهم فى النهاية موجودن فى الشارع، يعملون ويؤكدون قناعتهم بمرشحهم، وفى المقابل لا نجد هذا التواجد لحمدين صباحى فى الشارع، مؤيدوه ينتشرون على صفحات التواصل الاجتماعى، يمكن أن يظهروا فى البرامج الفضائية من خلال اللقاءات أو المداخلات، لكن من الصعب أن تجدهم يشكلون تكتلا فى الشارع، ربما لن يستطيعوا ذلك لأنهم سيتعرضون لتحرش شعبى – صحيح أنه لن يكون صحيحا أو فى محله – لكنه سيحدث.

يقولون إن السيسى مرشح رئاسى استثنائى.. لكن يبدو أنه ليس وحده فى هذه الحالة الاستنثائية، فكل شىء فى مصر استثنائى الآن.. ولا مكان لأى شىء عادى.. حتى الآن على الأقل.