أحمد فايق يكتب : الحلم العربى فى وجدة
هذه المرة كان من الصعب على أن أضع فارقا واضحا بين المغربى والجزائرى فى مدينة «وجدة» على الحدود بين المغرب والجزائر، داخل ملامح البشر ولهجتهم وحتى تفاصيل المدينة، كان الطريق شاقًا، 6 ساعات بالطائرة بين القاهرة وحتى «كازابلانا»، فقد زادت المسافة ساعة واحدة ولم تعد الطائرات تحلق فوق ليبيا، وأصبحت تدور من عمق البحر المتوسط وعلى مقربة من أوروبا، فالأوضاع الأمنية لا تتحمل، والسلاح أصبح فى متناول الجميع فى ليبيا، وفى «الدار البيضاء» عاصمة المغرب مكثت 6 ساعات، ثم سافرت إلى وجدة، وكان الهدف هو حضور الدورة الثانية من مهرجان وجدة للفيلم القصير المغربى، الذى تقيمه جمعية «سينى المغرب»، ويديره المخرج المغربى خالد سلى.
المغرب الكبير هو دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، مساحة هذه الدول تقريبا تساوى مساحة أوروبا، لديهم بترول وتحديدا فى الجزائر وليبيا أكثر من بترول أوروبا، وثروة بشرية لا تقل عن 100 مليون مواطن، وثروات طبيعية، وبحر ومحيط وأنهار، وأمطار غزيرة لا تتوقف وثروة حيوانية، وحضارة عظيمة تربط بين الشرق فى أصالته وحميميته وبين الغرب فى تنويره، ورغم هذا فهى بلاد تعانى مثلنا من الفقر والتخلف، فقد منحنا الله كل شىء، ونحن قضينا على كل شىء جميل بداخلنا.
المسافة بين وجدة المغربية ووهران الجزائرية لا تتجاوز 7 كيلو مترات، ورغم هذا الحدود مغلقة، والعلاقات بين المغرب والجزائر ليست على أفضل مايرام، بسبب خلافات زرعها الاستعمار الغربي، لكن وجدة هى المدينة المثالية لتذويب كل هذه الخلافات، ربما تصبح فى يوم من الايام عاصمة للمغرب العربى الكبير، من المستحيل أن تعرف فيها الفرق بين المغربى والجزائرى من حيث الشكل واللغة وحتى الثقافة، وجدة تتحدث اللغة الجزائرية أكثر من المغربية، حتى غلق الحدود لم يمنع البضائع الجزائرية التى غزت المدينة، والخلافات السياسية لم تمنع أهالى وجدة من الجلوس على المقاهى لمتابعة الانتخابات الرئاسية الجزائرية كأنها شأن محلى مغربى.
علاقة أهل وجدة بالسينما الجزائرية قد تكون أقوى من علاقتهم بالسينما المغربية، حتى فى فترة من الفترات كان يتابع أهل وجدة التليفزيون الجزائرى فى وقت كان يعمل فيه التليفزيون المغربى ساعات محدودة فقط، الآن التليفزيون المغربى أصبح أكثر ثراء، وربما يتابع جزائريو وهران التليفزيون المغربي، فى القاعة تجاوب جمهور وجدة أكثر مع الافلام القصيرة الجزائرية لتشابه اللهجة والملابس والتقاليد.
لقد جمع كل هؤلاء حلما واحدا فى فيلم تونسى وهو فيلم «سباط العيد» للمخرج أنيس الأسود، وهو الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى للمهرجان، وواحد من أجمل الأفلام العربية التى شاهدتها مؤخرا، أنيس الأسود هو المخرج التونسى القادم ليعيد لنا زمن الكبار فى السينما التونسية، «سباط» تعنى حذاء، والفيلم فى إطار من الواقعية السحرية يرصد حلم طفل بالحصول على حذاء للعيد، لكن ثمن الحذاء باهظ جدا، والأسرة الفقيرة لا تستطيع أن تؤديه، ويصر الطفل على تحقيق حلمه.
الفيلم اعتمد على النعومة فى السرد، والتركيز أكثر على جماليات الواقع رغم قسوته، من خلال أكثر من مشهد لتناول الطعام بين أبناء الأسرة، واستمتاعهم بالتذوق، واجتماعهم على طبق واحد، يؤكد توحدهم، وقبولهم بحياتهم البسيطة، ومشاهد أخرى للمدرسة، والعلاقة بين الطفل وأحد ذوى الاحتياجات الخاصة الذى يسير على مقعد متحرك، ويبحث عن تحقيق أحلامه من خلال هذا الطفل المقبل على الحياة، حلم الطفل بالحذاء غير كل شىء، وانسحب حتى من مائدة الطعام، لكنه فى إطار من الواقعية السحرية يحقق حلمه، الفيلم يلخص أزمة تونس والمغرب العربى والوطن العربى كله بعيدا عن الصوت العالى والمباشرة، فهناك بشر يحلمون، وواقع قاس لا يقدم لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، لكنه فى النهاية فيلم يحرض على الحلم، لأن الأحلام تصنع المستقبل.