مى سمير تكتب : الجنــــرال فى مواجهة اليســـــارى
الرؤساء ذوو الخلفية العسكرية ظاهرة عالمية من أمريكا إلى روسيا
الرئيس اليسارى ظاهرة فى أمريكا اللاتينية وميتران أشهر رئيس فرنسى من نادى اليسار
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المصرية يجد المصريون أنفسهم أمام مواجهة مقتربة بين المرشح الرئاسى المشير عبدالفتاح السيسى القادم من الجيش المصرى ومنافسه حمدين صباحى القادم من صفوف المعارضة اليسارية. وفى هذا الاطار يحمل تاريخ العالم قائمة طويلة من الرؤساء الذين تخلوا عن البدلة العسكرية من أجل إدارة شئون الدولة أو رؤساء من تيار اليسار حكموا بلادهم بعد سنوات من المعارضة، ولكل تجربة تفاصيلها الخاصة التى نرصدها فى السطور التالية.
1 - الرئيس العسكرى
على ساحة السياسة الدولية يطل فلاديمير بوتين الرئيس الروسى كواحد من أقوى اللاعبين السياسيين اليوم، وكانت مجلة «فوربس» الأمريكية قد اختارته هذا العام كأقوى رجل فى العالم كما اختارته مجلة فورين بوليسى ضمن أهم 100 شخصية غيرت العالم وذلك بفضل نجاحه فى إعادة روسيا على خريطة القوى الدولية العظمى ذات النفوذ العسكرى والاقتصادى. فلاديمير بوتين هو واحد من أهم الرؤساء فى التاريخ الذين امتلكوا تاريخا عسكريا دعم دورهم فى رئاسة البلاد. تولى بوتين رئاسة روسيا فى الفترة من 2000 إلى 2008، ثم رئيسا للوزراء من 2008 إلى 2012 قبل أن يعود لرئاسة البلاد من جديد فى 2012. لمدة 16 عاما خدم بوتين فى المخابرات الروسية الـ «كى جى بى» وصل إلى رتبة كولونيل قبل أن يعتزل عام 1991 ويتجه للعمل السياسى فى مسقط رأسه سان بتسبرج. انتقل بوتين إلى موسكو عام 1996 وانضم لإدارة الرئيس بوريس يلتسن وصعد بسرعة إلى قمة العمل السياسى لتولى إدارة البلاد بعد استقالة يلتسن بشكل غير متوقع. وعلى الرغم من اتهام الغرب بوتين بأن حكمه غير ديمقراطى، وعلى الرغم من طرد روسيا من مجموعة الثمانى بعد قيام روسيا بضم إقليم القرم إليها، إلا أنه على أرض الواقع نجح بوتين خلال العقد الأخير فى التحول إلى أيقونة فى الثقافة الروسية بسبب الطفرة الاقتصادية التى شهدتها البلاد فى ظل إدارته، حيث ارتفع معدل النمو القومى على مدار ثمانى سنوات متتالية ما أدى لزيادة الناتج المحلى بنسبة 72%، وارتفع دخل الفرد بنسبة 2.5%، وانخفضت نسبة البطالة والفقر إلى الضعف نسبيا، وزادت نسبة شعور الشعب الروسى بالرضا. كما أعاد بوتين بناء مؤسسات الدولة الروسية وقطاعى الجيش والشرطة بعد حالة الضعف التى أصابت روسيا فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى.
ولا يمكن الحديث عن الرؤساء أصحاب الخلفية العسكرية دون التطرق للحديث عن الرئيس الفرنسى الراحل شارل ديجول، مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، الذى وصل إلى قصر الإليزيه عام 1958 بعد أن كان جنرالا وقائدا للقوات الفرنسية الحرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وعلى غير المتوقع فإن أغلب رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية أتوا من خلفية عسكرية. والبداية كانت مع أول رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن الذى شغل منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من 1789 إلى 1797، وكان يحتل منصب قائد القوات المسلحة الأمريكية أثناء حرب الاستقلال الأمريكية، وهو أحد الآباء الأوائل الذين صاغوا الدستور الأمريكى المعمول به إلى يومنا هذا. وقائمة الرؤساء الأمريكان ذوى الخلفية العسكرية تضم رونالد ريجان الذى حكم الولايات المتحدة فى الفترة من 1981 إلى 1989 بالجيش الأمريكى ووصل إلى رتبة ملازم فى السلاح الجوى فى احتياطى الجيش الأمريكى أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد خروجه من الجيش عمل كممثل سينمائى ومذيع للراديو قبل أن يبدأ مشواره السياسى مع الحزب الجمهورى، وقبل ان يصل إلى البيت الأبيض عمل كحاكم لولاية كاليفورنيا. ويعد ريجان واحد من أهم الرؤساء الجمهوريين فى تاريخ الولايات المتحدة، ويعود له الفضل فى إحداث نهضة فى أيديولوجية اليمين السياسى الأمريكى، وعند وفاته، كتبت مجلة «بارى ماتش» افتتاحية حملت عنوان لقد رحل أعظم رئيس فى التاريخ الأمريكى.
جيمى كارتر الرئيس الأمريكى الذى أدار البلاد فى الفترة من 1977 إلى 1981 خدم هو الآخر كملازم فى البحرية الأمريكية أثناء الحرب الكورية، وقد حصل كارتر على جائزة نوبل للسلام عام 2002 لجهوده فى إحلال السلام بالشرق الأوسط. جيرالد فورد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من 1974 إلى 1977 كان أيضا عضوا فى الجيش الأمريكى وعمل كقائد فى البحرية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومن الرؤساء الأمريكان الآخرين ذوى الخلفية العسكرية هناك ريتشارد نيكسون الذى كان قائدا فى البحرية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية وحصل على نجمتين، وليندون جينسون القائد فى احتياطى البحرية الأمريكية بالحرب العالمية الثانية الذى حصل على النجمة الفضية بعد مشاركته فى مهمة استطلاعية تعرضت للهجوم من قبل القوات اليابانية. وتيودور روزفلت الرئيس رقم 26 أهم القادة العسكريين الذين تولوا إدارة الولايات المتحدة. أحتل أيزنهاور قائمة مجلة التايم الأمريكية فى عام 2006 عن أهم عشرة رؤساء فى تاريخ أمريكا. شغل أيزنهاور خلال الحرب العالمية الثانية منصب القائد الأعلى لقوات التحالف فى أوروبا وكان المسئول عن التخطيط لغزو فرنسا وألمانيا، وفى عام 1951 أصبح أول قائد لقوات حلف الناتو. وكرئيس للولايات المتحدة أنهى الحرب الكورية، وقاد أمريكا فى حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتى، وكان صاحب مبادرة توجيه ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية من أجل زيادة التسليح النووى، كما وسع من مشاريع وكالة الفضاء الأمريكية، ووسع نظام الضمان الاجتماعى وبدأ فى إنشاء الطرق السريعة بين الولايات الأمريكية التى لعبت دورا فى النهوض بالتجارة الداخلية وتحسين الاقتصاد، وعلى الرغم من خلفيته العسكرية إلا أنه صرح قائلا (أن كل بندقية تصنع وكل سفينة حربية تدشن وكل صاروخ يطلق هو فى نهاية الأمر عملية سرقة للقمة العيش من فم الجياع ومن أجساد الذين يرتجفون من شدة البرودة ويحتاجون إلى الكساء). وفى إطار الإصلاحات الاجتماعية التى قام بها أيزنهاور يعتبره الكثير من المحللين السياسيين رئيسا يساريا انحاز للفقراء فى أمريكا على نحو لم يشهده التاريخ الأمريكى. ولا يختلف كثيرا أيزنهاور عن تيودور روزفلت الذى وصل إلى مرتبة كولونيل فى الجيش الأمريكى وهو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى حصل على قلادة الشرف لمشاركته فى الحرب الإسبانية، وكان روزفلت شاعرا وروائيا، وعاشقا للتاريخ والرحلات الاستكشافية، واتسمت إدارته من عام 1901 إلى 1909 بالكثير من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، ويصفه المؤرخون بمهندس الرئاسة الحديثة فى الدولة الأمريكية، وبفضل صرامته العسكرية وضع أسسا ثابتة لإدارة أمريكا.. سواء داخليا أو خارجيا.
2- الرئيس اليسارى
لا يمكن ان تجد رئيسا أمريكيا من خلفية يسارية ولكن بعض دول اوربا عرفت الرئيس اليسارى ففى فرنسا، كان لتيار اليسار تجربتان، الأول مع فرانسوا ميتران الذى يعد أول رئيس يسارى يدخل قصر الإليزيه عام 1981، وقد ظل ميتران يحكم فرنسا إلى عام 1995 ما يعكس حجم النجاح الذى حققته إدارته، وهو يعد أكثر الرؤساء الفرنسيين بقاء فى الحكم. اتسم حكم ميتران بدعم كبير للأنشطة الثقافية وللمشاريع الكبرى. على العكس من ميتران لا يبدو أن ثانى رئيس فرنسى ينتمى لليسار يحظى بنفس القدر من النجاح، فالرئيس الفرنسى الحالى فرانسوا هولاند المنتمى للحزب الاشتراكى الفرنسى يعانى من انخفاض شعبيته إلى حد كبير بسبب سياساته التى أدت لارتفاع نسبة البطالة فى فرنسا وتوقف النمو الاقتصادى والعجز العام الكبير.
وإذا كانت فرنسا تعانى من سوء إدارة الرئيس اليسارى فرانسوا هولاند، فإن أمريكا اللاتينية تشهد زيادة لشعبية رؤساء اليسار على نحو لم يشهده التاريخ من قبل. بحسب تقرير لمحطة الـ «بى بى سى» البريطانية فإن أكثر من 350 مليون شخص أو ما يعادل ثلاثة من كل أربعة أشخاص فى أمريكا اللاتينية يخضعون لحكم رئيس يسارى. أطلق علماء السياسة على هذه الظاهرة اللاتينية اسم (المد الوردى) أو ما يعرف بالإسبانية بالأوندا الروز، وهو التعبير المستخدم فى الإشارة لانتشار تيار يسار الوسط فى أمريكا اللاتينية.
قائمة طويلة من رؤساء دول أمريكا اللاتينية ينتمون لتيار يسار الوسط من ضمنهم نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا منذ عام 2013 الذى كان يعمل كسائق حافلة ثم انضم للعمل النقابى وأصبح عضوا فى البرلمان وانضم لإدارة الرئيس الفنزويلى الراحل شافيز وعمل كوزير للخارجية فى عام 2006. ويضم المد الوردى فى أمريكا اللاتينية كريستنا دى كيشنر رئيسة الأرجنتين، وخوان إيو إيما رئيس بوليفا، ورفائيل كورا رئيس الإكوادور، وغيرهم من رؤساء دول أمريكا اللاتينية. ويعد رئيس الأوروجواى خوسيه ألبرتو الذى تولى إدارة البلاد منذ عام 2010 هو أفضل نموذج سياسى لتيار اليسار الوسط فى أمريكا اللاتينية، فالرئيس القادم من صفوف المعارضة منحته جريدة الجارديان البريطانية لقب (أفقر رئيس فى العالم) وذلك لحرصه على تجنب أى مظاهر رفاهية، كما يقوم بيبى كما يطلق عليه شعبه بالتبرع بما يعادل 90% من راتبه الشهرى لصالح الفقراء، حيث يصل راتبه إلى 12 ألف دولار.