تحذيرات من إقحام لبنان في مغامرة مالية عبر معالجة "سلسلة الرتب"

عربي ودولي



تتهيّب الكتل النيابية في البرلمان اللبناني، مع عودة اللجان النيابية المشتركة الى الاجتماع اليوم للبحث في سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، من إقحام البلد في مغامرة مالية واقتصادية غير محسوبة الأخطار في حال إقرار السلسلة وإحالتها على الهيئة العامة للمجلس في جلسة تعقدها خصيصاً بعد غد الأربعاء للنظر فيها.

وذلك في حال لم توازن بين الواردات المالية المطلوبة لتمويلها لتغطية النفقات المترتبة على إفادة العاملين منها، خلافاً للتحذيرات الصادرة عن الهيئات الدولية المعنية بالتصنيف المالي للبنان، وفيها أنه سيتراجع في شكل ملحوظ ويقضي على الآمال المعقودة لإعادة تحريك النمو الاقتصادي.

في هذه الأثناء أطلق ترشح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للانتخابات الرئاسية، مع دخول لبنان في مهلة الشهرين لانتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 أيار (مايو) المقبل، حراكاً رئاسياً استدعى فتح الباب على مصراعيه أمام إجراء مشاورات مع حلفائه في «14 آذار»، على قاعدة ضرورة التريث وعدم الاستعجال في حرق المراحل إفساحاً في المجال أمامها للتوصل إلى مقاربة موحدة من الملف الرئاسي لئلا يؤدي التسرع في حسم الموقف إلى إحداث انقسامات هي في غنى عنها الآن.

وكشفت مصادر نيابية ووزارية مواكبة للظروف التي أملت على جعجع الترشح قبل أن يستمزج رأي حلفائه، بأن قوى «14 آذار» في حاجة الى مزيد من المشاورات قبل أن تستقر على رأي موحد من الانتخابات الرئاسية. وقالت لـ «الحياة» ان التسرع في اتخاذ موقف من ترشح جعجع يمكن ان يعرضها الى اهتزاز، وان لديها المزيد من الوقت لدراسة المعركة الرئاسية من جوانبها المحلية والخارجية كافة رغم أن مكوناتها تطمح بأن تكون المعركة لبنانية بامتياز. ولفتت الى ان لا اعتراض من «14 آذار» على ترشح جعجع. وقالت ان من حقه الطبيعي خوض الانتخابات الرئاسية لكن لا بد لحلفائه من أن يأخذوا وقتهم لإجراء مشاورات مفتوحة يمكن ان تؤدي الى التوافق على اسم المرشح من دون أن تقفل الباب في وجه احتمال التوصل الى مرشح تسوية.

وبالعودة الى سلسلة الرتب والرواتب علمت «الحياة» من مصادر نيابية بارزة أن مختلف الكتل في البرلمان لا تتنكر لحق العاملين في القطاع العام في وجوب تسوية أوضاعهم، لكن على قاعدة التوصل الى إرساء معادلة من شأنها أن توازن بين نفقاتها المالية وبين القدرة على تأمين وارداتها لتغطيتها بالكامل، بعيداً من المزايدات «الشعبوية» التي لا تقيم وزناً لارتداداتها على الوضعين الاقتصادي والمالي، خصوصاً في ضوء المخاوف التي حذرت منها الهيئات الاقتصادية التي ستلتقي اليوم نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري قبل ترؤسه اجتماع اللجان النيابية المشتركة.

واعترفت المصادر بأن جميع الكتل النيابية اضطرت أخيراً الى إعادة النظر في حساباتها «الشعبوية» تحت ضغط التحذيرات من ان الدراسات التي أعدت في خصوص تأمين الموارد المالية لتمويل سلسلة الرتب حملت أرقاماً وهمية وتضمنت تقديرات لزيادة الرسوم الجمركية وكأن لبنان يعيش في جزيرة نائية ولا يلتزم بالحد الأدنى من التسعيرات الجمركية المعمول بها بين لبنان والدول العربية والأجنبية، ويعود له كل الحق في رفع هذه الرسوم.

ومع ان المصادر سألت عن عدم حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو من ينوب عنه اجتماعات اللجان المشتركة للوقوف بدقة حول تقديره لمستقبل الخزينة العامة في حال أقرت السلسلة من دون أن تخضع لبعض التعديلات لتقليص حجم الإنفاق ليأتي متوازناً مع الموارد المالية لتمويلها، فإن المصادر أجمعت على أن جميع الكتل النيابية بدأت تتفهم الوضع المالي العام، وتميل الى وضع ضوابط من شأنها توفير الحماية للاستقرار المالي.

ورأت أن حجم المقترح للواردات يقوم على أرقام خيالية فيما هي أقل من المتوقع بحوالى ألف بليون ليرة. وقالت ان هناك ضرورة للدخول مع هيئة التنسيق النقابية في حوار صريح لمصلحة الحفاظ على الاستقرار المالي، بدلاً من جر البلد الى قفزة في المجهول في ظل الركود الاقتصادي الذي يمر فيه، شرط أن يتزامن هذا الحوار مع قرار يقضي بالإسراع في إقرار الإصلاحات المالية والإدارية.