انتصار الجبهة الوطنية بالانتخابات البلدية الفرنسية يقلق أوروبا
في عام 1992 هزّ زعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة جان لوبن النظام السياسي الفرنسي بوصوله إلى الجولة الحاسمة للانتخابات الرئاسية الفرنسية. وبعد 12 عامًا على ذلك الزلزال السياسي أحيت ابنته وخليفته مارين لوبن ذكريات ذلك الاختراق بانتصار حققته الجبهة في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرت قبل ايام.
إعداد عبد الاله مجيد: تصدّر انتصار الجبهة الوطنية في الانتخابات البلدية الفرنسية عناوين الاخبار في وسائل الاعلام الفرنسية بخاصة والأوروبية عموما وكانت النتائج التي حققها اليمين المتطرف ضربة أخرى للرئيس فرانسوا هولاند والحزب الاشتراكي.
إذ سيطرت الجبهة الوطنية على أحد المجالس البلدية في شمال فرنسا الصناعي حيث فازت على أساس برنامج معاد بشدة للمهاجرين والاتحاد الأوروبي لتحقق انتصارا لا سابق له في هذه المنطقة من فرنسا.
موقع قوي
وفي ست مدن أخرى تنافست فيها الجبهة الوطنية حصلت على نسبة تتراوح بين 28 و40 في المئة من الأصوات. واصبحت الجبهة الوطنية الآن في موقع قوي للسيطرة على سلسلة من المدن مثل فريجوس وافينيون وبيزيه وبيربينان في الجولة الثانية التي تجرى يوم الأحد المقبل.
وفي اجواء الهلع الذي اثاره نجاح الجبهة الوطنية انطلقت اصوات تدعو إلى عدم المبالغة في قوتها مشيرة إلى أنّ الجبهة التي تنافست في 600 بلدية من أصل 37 الف بلدية ما زالت بعيدة عن التحول إلى قوة يُحسب حسابها على الصعيد الوطني. ولكن مراقبين يلاحظون ان الجبهة الوطنية تمد الآن جذورا أبعد من بعض المدن الفرنسية على ساحل البحر المتوسط التي ارتبط اسم الجبهة الوطنية بها.
وهناك فرصة حقيقية الآن لتقدم حزب مارين لوبن على جميع منافسيه في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في أيار (مايو). وسيتيح لها هذا الفوز اسناد دعواها بأن الجبهة الوطنية تكسر استئثار الحزبين الكبيرين بالساحة السياسية الفرنسية.
نزعة عنصرية
ويشكل صعود مارين لوبن المتواصل مبعث قلق بالغ لفرنسا وأوروبا. فان الجبهة الوطنية رغم محاولات لوبن تحسين صورتها التي ورثتها من والدها ما زالت تخفي تحت الواجهة الجديدة نزعة عنصرية شديدة العداء للمهاجرين.
ورغم الرفض الواسع الذي يلقاه تشديد الجبهة الوطنية على التخلي عن اليورو والعودة إلى الحمائية فان الضعف المزمن الذي اعترى الحزبين الرئيسيين، الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، منح مارين لوبن وحزبها فرصة ذهبية للصعود.
وأسهم في صعود اليمين تراجع الرئيس هولاند عن التزام الاشتراكيين بزيادة الضرائب والانفاق الاجتماعي. وأعلن تقليص الرسوم الاجتماعية التي تُجبى من ارباب العمل بواقع 30 مليار دولار متعهدا إجراء تخفيضات حادة في الانفاق الحكومي.
في هذه الأثناء يمر الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي ينتمي إلى يمين الوسط بمرحلة صعبة كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز مشيرة إلى أنّ الصراعات الداخلية على قيادة الحزب واتجاهه السياسي مزّقت صفوفه منذ هزيمة نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية عام 2012.
انتصار يتخطّى حدود فرنسا
ويرى محللون أن تداعيات الانتصار الذي حققته مارين لوبن تتخطى حدود فرنسا فهي نذير مبكر بالمكاسب والاختراقات الكبيرة التي من المتوقع ان تحققها احزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي في أيار (مايو) المقبل. وكان من اسباب النجاح الذي حققته الجبهة الوطنية في الانتخابات البلدية النسبة العالية من الذين لم يشاركوا فيها.
وتحذّر الأحزاب الوسطية في معسكري اليمين واليسار على السواء من أنّ غياب الناخبين عن صناديق الاقتراع سيقدّم خدمة كبيرة إلى احزاب اليمين المتطرف ويعزز صعودها في عموم أوروبا.
فرنسيا لم تخف لوبن نيتها في الاقتداء بوالدها وخوض انتخابات 2017 الرئاسية بوصفها منافسا قويا. ولا يُستبعد ان تحدث مارين لوبن بعد ثلاث سنوات من اليوم هزة مماثلة لما أحدثه والدها في الحياة السياسية الفرنسية قبل 12 عاما.