أحمد فايق يكتب : كرنفال

مقالات الرأي



أليسون فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات، ولدت في فرنسا من أب جزائري وأم جزائرية، مسلمة الديانة، قابلتها للمرة الاولي منذ ثلاثة أسابيع، فهي ابنة شقيقة زوجتي، خرجت بها في نزهة بشارع ترسا في الهرم بجوار منزلي، اعتقدت أن شارع ترسا بالفرنسية كرنفال وهي كلمة تعني مهرجانًا شعبيًا، فهي تري أن ما يحدث في المناطق الشعبية في مصر استثناء، يندرج تحت اسم كرنفال ، وهي بالتأكيد لا تعلم أن هذا هو الواقع وليس استثناء، فمنذ اللحظة الاولي لم تتوقف أسئلة أليسون ولا تصرفاتها التي تعلمت منها الكثير، ففي الشارع أخذت بيدي الي الرصيف، لأنه عيب أن أسير في نهر الطريق، لكنها توقفت قائلة: لماذا يتوقف الرصيف هنا ولا يكتمل؟

لم أستطع الاجابة كالعادة عن هذا السؤال وغيره من الاسئلة، ومنها: لماذا يستخدم الناس نيران الشيشة في الشوارع؟ لماذا لا تنظر الشرطة الينا وتراقب أخطاءنا؟ لماذا تلقي الاوراق من السيارة؟ لماذا الرائحة في القاهرة كريهة ولا تستطيع أن تتحملها؟ لماذا تنام في وقت الاستيقاظ وتستيقظ في وقت النوم؟

حينما تجلس مع أليسون، تكتشف أنك لست أمام طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات، فهي تساوي شخصا ناضجا في مصر، فقد تعلمت أليسون الكثير من المجتمع الذي تنتمي إليه وتعيش فيه، لم يعجبها في مصر سوي الاهرامات والحسين والتماثيل الفرعونية والعبد لله، فهي تحب في مصر ماضيها وطيبة أهلها.

في هذا المقال أرجو أن تستمتع معي بثلاثة نماذج من أسر فرنسية، الأولي أفرادها عاطلون عن العمل، والثانية تتقاضي الحد الأدني للرواتب بالدولة، والثالثة تنتمي الي الطبقة الوسطي.

الاسرة العاطلة عن العمل، يحصل فيها الفرد علي 410 يورو في الشهر بشرط ألا يتجاوز ماتحصل الاسرة عليه 780 يورو، ويتمتع أفرادها بالتأمين الصحي الكامل والتعليم أيضا، كما تتحمل الحكومة 95% من تكلفة إيجار المنزل الذي يعيشون فيه، ويحصلون علي تموين من زيت وسكر ودقيق وشيكولاتة وألبان من الصليب الاحمر مرتين في الشهر، هذا غير الجمعيات الاهلية التي ترسل لهم الطعام مرتين في الأسبوع، بالإضافة الي نصف تذكرة في المواصلات العامة عن طريق بطاقة اشتراك، وتظل هذه المزايا قائمة بالنسبة للعاطل عن العمل حتي يجد عملا له عن طريق مكاتب العمل، التي يتبع بعضها الدولة وبعضها القطاع الخاص.

الاسرة الثانية يتقاضي افرادها الحد الادني للأجور في فرنسا وهو يبلغ 1100 يورو، وتعطي لهم الدولة 10% من إجمالي أجرهم السنوي دعما لهم لأنهم ينتمون لفئة الفقراء، ويعطون لكل طفل لهم 180 يورو شهريا حتي يصل عمره الي ثلاث سنوات، وإذا كان لدي الاسرة ثلاثة أطفال فإنهم يحصلون علي 180 يورو عن كل واحد فيهم حتي يبلغ عمرهم 21 عاما، لأن السياسة الجديدة في فرنسا تشجع الأسر علي الولادة، هم يريدون طاقات بشرية للعمل، ولا يذلون الشعب بزيادته السكانية بل يفتخرون بها، وتحصل هذه الاسرة علي تأمين صحي مجاني 100% من كشف وأدوية وعمليات جراحية في أي مستشفي بفرنسا، كما يحصلون أيضا علي تعليم مجاني لأبنائهم.

الأسرة الثالثة يبلغ متوسط دخلها الشهري خمسة آلاف يورو، وهذه الاسرة تدفع للدولة 10% ضرائب عن إجمالي الدخل، ومؤمن عليها تأمينًا صحيًا بنسبة65% فقط، وتدفع في المدرسة لأطفالها بما لا يتجاوز 10% من الدخل السنوي، وتدفع أيضا مصاريف الكانتين في المدرسة والتي تصل لـ5 يورو عن الوجبة، وتدفع فاتورة القمامة وقدرها 140 يورو في السنة، وفاتورة للتليفزيون بـ180 يورو في السنة.

وجميع هذه المصاريف مرتبطة بنسبة معينة من الدخل السنوي لا تتجاوزها، وكلما ارتفع دخل الاسرة تزداد معه مصاريف الدولة التي تحصلها منها، والتي تصل في النهاية لآلاف اليوروهات تدفعها الأسر الغنية.

هذا هو النظام الذي خرجت منه أليسون، أليست هذه هي العدالة الاجتماعية التي نحلم بها؟

هذا السؤال أوجهه الي كل من حكم أو سيحكم مصر، وإلي إخوانا بتوع قندهار الذين يقولون إن هذه بلاد كفرة لا يجب علينا أن ننظر لهم ونقلدهم، فلا يوجد أجمل من الكفر بأمثالكم وأمثال من نهبوا مصر، والايمان بالله الذي كافأ قوما عملوا بشريعته دون أن يؤمنوا به.