حسين معوض يكتب : صدمة دراويش السيسى

مقالات الرأي


■ اسحب رسالة التقشف يا سيادة المشير ولتعد إرسالها إلى العنوان الصحيح


يسهب المرشحون فى الوعود، كل المرشحين يفعلون ذلك، من المحليات إلى النقابات إلى المجالس التشريعية وصولا للرئاسة، وغالبا يتجاوز المرشحون سقف طموحات الجماهير المقصودة أملا فى أبهارهم وإقناعهم بانتخابه.. وعلى غير العادة خرج مرشح محتمل للرئاسة وهو المشير عبد الفتاح السيسى ليصدم جماهيره، طالبهم بالتقشف وعدم انتظار تأثير ملحوظ فى ظروف معيشتهم خلال ولاية الرئيس القادم، طالب جماهيره بالتضحية، قال «من الممكن أن يُظلم جيل أو جيلان من المصريين كى تعيش الأجيال اللاحقة فى وضع أفضل».

اعتمد السيسى على أرقام غير مبشرة فى الملفات الاقتصادية، وأرقام أكثر تشاؤما فى ملف إنتاجية العامل والموظف.

صفحات التواصل الاجتماعى اجتمعت للمرة الأولى على السخرية من طلب المشير، حتى المؤيدون لم تقنعهم التصريحات، ليس لصدمتهم فى «السوبر مان» المنتظر، فهم لا ينتظرون «سوبر مان»، ولكن لأن الطلب بدا غريبا وغير مقنع ومغرقا فى التشاؤم ولا يقدم وعدا للجماهير تستطيع من خلاله الحكم على الرئيس القادم.

الأجيال التى يطالبها السيسى بالاستعداد للظلم، وتحمله، هى الأجيال التى أعلنت الثورة على الظلم، ورفعت شعارات محددة لرفع الظلم «عيش حرية عدالة اجتماعية»، وهى شعارات لا يمثل تحويلها لبرامج وتنفيذها ضغطًا على موارد الدولة، فهذه الموارد منهوبة، وحتى نتاج عملهم يذهب دائما لصالح طبقة صغيرة فى المجتمع.

قد تكون رسالة المشير قد وصلت إلى العنوان الخاطئ، قد يكون الرجل يقصد رجال الأعمال وكبار الموظفين، قد يكون يخاطبهم على قدر تفسيرهم لمعنى الظلم، وقد يكون هذا الظلم عندهم هو دفع ضرائب حقيقية ودفع أجور عادلة ودفع ثمن الطاقة المدعومة التى يستخدمونها فى مصانعهم ورفع الدعم بكل أشكاله عنهم وسحب الأراضى التى نهبوها أو استرداد القروض التى حصلوا عليها من البنوك أو..

لكن الرسالة وصلت إلى العنوان الخاطئ، لكن أحدا لم يسترد الرسالة، أو طالب بتصحيحها.. تركوا الجماهير تعيش صدمتها على طريقتها الخاصة، منهم من كفر بالثورة الجديدة، ومنهم من ينتظر الكلام الرسمى أو الوعد الرسمى وهو البرنامج الانتخابى للمشير عبد الفتاح السيسى.

من حق السيسى أن يطالب جماهيره بالانتظار وعدم الاستعجال، من حقه أن يكاشفهم بحقيقة الأزمة الاقتصادية، من حقه أن يطالبهم بالتوقف عن التظاهر طلبا لزيادة المرتب، من حقه أن يقول لهم إن كل جنيه زيادة فى مرتباتهم يزيد من أزمة التضخم التى يدفع ثمنها الشباب العاطل قبل الموظف المطحون، من حقه أن يقول لهم إن موازنة الدولة بوضعها الحالى لا تسمح بزيادة مخصصات الصحة والتعليم ودعم السلع الأساسية.

لكن قبل أن يبحث الرئيس القادم عن حقوقه، عليه أن يعرف حقوق الناس.. فمن حقهم أن يعرفوا مرتبات كبار الموظفين بالدولة والذين صدر قانون بتقاضيهم حدًا أقصى للمرتبات ولم ينفذ، وحيل كبار الموظفين زادت من مرتباتهم مع تطبيق القانون ولم تنقصها، من حق الناس أن يعرفوا حقيقة أموال الصناديق الخاصة وما فيها من أموال ليس عليها رقيب أو حسيب وتصرف لكبار رجال الدولة، من حقهم أن يعرفوا عدد أجهزة التكييف فى مكاتب وبيوت الوزراء قبل أن يطالبهم وزير الكهرباء بالتخلى عن التكييف والعودة لعصر المروحة، من حقهم أن يعرفوا التكلفة الحقيقية للأسمنت والحديد وحتى السلع الغذائية، من حقهم أن يعرفوا نسبة أرباح التجار وأصحاب المصانع وكم يدفعون من ضرائب من هذه الأرباح التى يحصلونها من جيوب الناس، من حقهم أن يعرفوا على الأقل مصير أراضى المنتجعات التى حصل عليها رجال الأعمال برخص التراب ويبيعون متر المبانى فيها بعشرات الآلاف من الجنيهات، من حقهم أن يعرفوا أين تذهب أموال المعونات والدعم الخارجى للوزارات الخدمية.

عندما يعرف الناس مصير أموالهم، ويعرفون أن الدولة حصلتها، وأنها لن تكفى لدفع رواتبهم التى يعتقدون أنها عادلة، وأنها لن تسمح برفع مخصصات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.. وقتها يكون طلب التقشف واقعيًا، ويكون الكلام عن التضحية له معنى.

لقد اعترف وزير المالية هانى قدرى بما كتبناه، اعترف أن الضرائب التى يدفعها رجال الأعمال لا تقارن بحجم إنتاج القطاع الخاص، قلنا من قبل إن مفاوضات صندوق النقد الدولى كشفت عن الحجم المقبول دفعه من ضرائب من قبل رجال الأعمال، ووصلت توقعات صندوق النقد الدولى إلى أن حجم ضرائب رجال الأعمال يجب ألا يقل عن 650 مليار جنيه يدفعون منها 4 مليارات فقط، ونشرنا قائمة كاملة بدافعى الضرائب فى مصر، القطاع الخاص الذى ينتج 75 % من الناتج القومى الإجمالى لا يدفع سوى 4 مليارات جنيه فقط للضرائب، بينما القطاع الحكومى من شركات وهيئات ومعهم الموظفون يدفعون أكثر من 270 مليارًا، لم يرد مسئول حكومى على هذه الأرقام المفزعة، الرد الوحيد جاء من وزير المالية الجديد هانى قدرى دميان عندما قال إن ضرائب رجال الأعمال لا تتناسب مع قيمة إنتاجهم.

إن أشهر ألاعيب القطاع الخاص فى مصر هى إجبار المستهلكين على دفع ثمن شركاتهم، انهم يشترون شركات الحكومة المملوكة للشعب بقروض من البنوك، ويحملون قيمة الأقساط على قوائمهم المالية حتى تخرج خاسرة فلا يدفعون ضرائب، ويحسبون تكلفة إنتاج مصانعهم الجديدة متضمنة فوائد ديونهم وأقساطها، الجماهير تدفع ثمن استحواذ رجال الأعمال على شركات الحكومة، والدولة تعفيهم من الضرائب إمعانا فى تدليل رجال الأعمال.

البسطاء على استعداد للتضحية، وحتى الظلم، فهل يقبل رجال الأعمال وكبار الموظفين بالعدل، هل يقبلون بالحصول على حد أقصى معروف من المرتبات، وعلى هامش ربح وليكن 20% بدلا من 200 %.

البسطاء يقبلون بالعمل الشاق، فهل تقبل الحكومة وكبار رجال أعمالها ومسئولوها بتوفير فرص عمل حقيقية بمرتبات الحد الأدنى للأجور.

الجماهير تقبل بالعيش فى عشة فى الصحراء، فهل تقبل الدولة منحهم قطعة أرض بسعر المرافق وهامش ربح مناسب للدولة، أم أن الأراضى بالمجان لرجال الأعمال والمستثمرين ومحرمة على البسطاء.

الناس يقبلون بالوقوف طوابير فى مستشفيات الحكومة، يقبلون أن يتكدس أبناؤهم 50 طالباً فى فصل المدرسة، يقبلون الحصول على الرغيف المدعم بالواسطة المقربة من صاحب الفرن، يقبلون أن يدفعوا ثمن الكهرباء أضعافا مضاعفة لأن عدادات بيوتهم العشوائية «ممارسة» وليس اشتراكًا رسميًا، يقبلون السكن فى بيوت قابلة للانهيار، يقبلون السير فى طرقات تدهسها وتكسرها عشوائية الأجهزة التنفيذية، يقبلون شرب المياه الملوثة، ويأكلون السلع منتهية الصلاحية، ويعيشون بين جبال القمامة.. الناس يقبلون فهل ترضى الحكومة والرئيس القادم عنهم؟.

قبل أن يطالب المرشح الرئاسى بالتقشف هل يأمر المسئولين فى الحكومة بالرد على قوائم المرتبات الفلكية المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعى؟، هل هذه الأرقام حقيقية؟، هل كل مسئول حكومى كبير هو بالفطرة كفاءة نادرة تستحق كل هذه الأموال من الدولة؟، هل يملك البسطاء والمطحونون فرصة لدفع أبنائهم داخل عجلة إنتاج أصحاب الكروش الكبيرة؟، هل لديهم فرصة بعد جيلين أن يكونوا ضمن كبار رجال الدولة وأصحاب الرعاية الخاصة؟.

الناس قدمت كل ما لديها لإثبات حسن نيتها تجاه الدولة.. قدمت نفسها عربونا لمستقبل أبنائهم المشكوك فى صلاحياته، وقدموا ابناءهم كرها لمصانع لا تدفع تأمينات اجتماعية ولا صحية ولا مرتبات مناسبة، ومنها مصانع تستهلك صحة الإنسان وتحوله إلى كائن فاقد الصلاحية لتعطيه فى نهاية الخدمة ما يوازى مرتب سكرتير المدير.

ثم ماذا بعد التضحية؟.. هل يقفز معدل النمو إلى 7.4% مثل أواخر أيام مبارك؟، واذا قفز هل تسير عائدات التنمية فى نفس الاتجاه، هل ندفع الناس ونقنعهم بالتضحية لنعود لبدايات عصر ثورة يناير؟.

خطاب التقشف قابله البسطاء بالأمل.. فهناك مسئول يشعر بالأزمة، ويتحدث عن حلول، ويحدثهم عن مستقبلهم بواقعية، إنهم مستعدون للتبرع ببؤسهم للحكومة، فى المقابل كانت جملة عابرة فى حديث لوزير المالية دافعا لثورة رجال الأعمال.. الوزير هانى قدرى دميان تجرأ وتحدث عن ضريبة تصاعدية، أو شبه تصاعدية، لا تتجاوز 5% من أرباح رجال الأعمال، وهو ما وجد فيه رجال الأعمال فرصة للنيل من سمعة الحكومة الجديدة، اتهموها بالجباية والعودة لعصر التأميم، ونعلم أن ضغوطهم سوف تنجح، ولن تطولهم ضريبة جديدة من قريب أو بعيد، فهم لا يدفعون الضرائب التقليدية فلماذا يدفعون «التصاعدية».

اخرج لينا يا سيادة المرشح الرئاسى بقائمة تضم أرقامًا يفهمها البسطاء، فلتقل أرقامك السعر الحقيقى والعادل لمتر الأرض المبانى، فالبسطاء يبحثون عن مأوى.. أعلن علينا تكلفة السلع التى نأكلها ونشربها، أعلن علينا تكلفة الحديد والأسمنت التى نبنى بها بيوتا وهمية فى أحلامنا ولا نجرؤ على الاقتراب من تجار الأراضى ولا محل «الموان».

يا سيادة المرشح فلتعلم أن لجان الانتخابات والاستفتاءات لم تقف أمامها سيارة مرسيدس أو بى إم دبليو، فاللجان محجوزة لراكبى التكاتك والدراجات البخارية والميكروباص والترامكو.. بسطاء تسحبهم أحلامهم إلى لجان المبشرين بالسلطة، لقد خذلتهم الصناديق كثيرا.. ولم يفقدوا الأمل، اسحب رسالة التقشف يا سيادة المشير ولتعد إرسالها إلى العنوان الصحيح.