خبير اقتصادي يكشف في حوار لـ"الفجر" تفاصيل الصراع الروسي الأمريكي بشأن أوكرانيا
تفاقم الأزمة الأوكرانية يشعل سوق النفط ويتسبب في زيادة جنونية لأسعار المواد الغذائية والخدمات
أوكرانيا لديها مشاكلها الاقتصادية.. والاتحاد الأوروبي غير جاد في الضغط علىها للانضمام لكنه يريد تهديد روسيا
روسيا والصين والهند سيكون له موقع الصدارة خلال العشر أعوام القادمة.. وأمريكا لا تستطيع تهديدهم
إذا تدخلتم في شئوننا فباشروا بتجميع الحطب .. بهذه الكلمات رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التهديدات الأوروبية والأمريكية على خلفية الأزمة السياسية الطاحنة بينهم بشأن شبه جزيرة القرم والاحتجاجات الأوكرانية.
التقت الفجر الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي لدراسة البعد الاقتصادي للأزمة الاوكرانية ومعرفة مدى جدية وإمكانية كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تنفيذ تهديداتهم بتوقيع عقوبات اقتصادية على روسيا وتقييم الموقف الصيني، الذى بدأ في اظهار انحيازاته دفاعا عن مصالحه واستنادا إلى قوته، مما يشكل تحولا نوعيا كبيرا في النظام الدولي وللتعرف على مجموعة بريكس الاقتصادية، التي تتقدم بخطوات ثابتة نحو المنافسة بقوة على المراكز الاقتصادية الأولى على مستوى العالم في تراجع واضح للهيمنة الأمريكية.
وإلى نص الحوار..
· ما هو حجم التبادل الاقتصادي والتعاون السياسي بين روسيا وأمريكا؟
- يصل حجم التبادل بين البلدين إلى 150 مليار دولار، والميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة خاصة في فترة بوريس يلسين، والفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي شهدت هيمنة أمريكا وحدها على النظام الدولي بسبب غياب الطرف المنافس.
· هل انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي يهدد المصالح الروسية؟
- اعتقد أن مسألة ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ورقة ضغط على روسيا لما تمثله أوكرانيا من عمق استراتيجي ومنطقة مجالها الحيوي، ولكن لا يستطيع الاتحاد الأوروبي قبول أوكرانيا عضوة، وذلك لعدة أسباب أولها أن الاتحاد الأوروبي يعانى من مشاكل اقتصادية كبيرة خاصة في منطقة اليورو، ويعتمد الاتحاد الأوروبي معايير اقتصادية وسياسية معينة لقبول دول جدد، وأوكرانيا لا يتحقق فيها تلك المعايير، فمن حيث المستوى الاقتصادي هي ليست على المستوى المطلوب ومن حيث السياسي أوكرانيا دولة غير مستقرة سياسيا وهذا يثير قلقا كبيرا لدى الاتحاد الأوروبي، أما بالنسبة لانضمام أوكرانيا للاتحاد سيشجع تركيا لمزيد من الضغوط لمفاوضاتها بشأن الانضمام للاتحاد الأوروبي وهذا يثير حفيظته.
· ما هو تأثير مجموعة بريكس كإطار اقتصادي لروسيا على قوة الموقف الروسي إزاء التهديدات الأمريكية؟
- مجموعة بريكس هي مجموعة سياسية اقتصادية كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي يضم كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهى تمثل النطاق الاقتصادي الرئيسي الذي تتحرك فيه روسيا بالشكل الذي يحد كثيرا من تأثير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا اقتصاديا بل على العكس تستطيع روسيا تهديد المصالح الأوروبية من خلال النفط والغاز حيث تمثل روسيا أكبر مورد للطاقة إلى أوروبا.
· وما هي قدرة أمريكا على تحقيق مزاعمها بشأن توقيع عقوبات اقتصادية على روسيا ومنعها من حضور قمة الثمانية المزمع انعقادها قريبا؟
- لا تستطيع الولايات المتحدة تنفيذ تلك التهديدات وهي تعلم ذلك جيدا، وهذه التصريحات لردع روسيا فقط عن الاستمرار في سلوكها العسكري بشأن جزيرة القرم وذلك لعدة أسباب أولها روسيا اليوم ليست روسيا الأمس عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وفترة بوريس يلسين، ولكن روسيا اليوم تجني ثمار إنجازات اقتصادية وسياسية تحققت على مدار أعوام مضت فضلا عن قوتها العسكرية وكل ذلك أهلها لاستعادة قدر كبير من مكانتها القديمة وأصبحت القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهل إرادتها.
- وهناك شبكة من العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودول الثمانية تقلص كثيرا من مساحة الولايات المتحدة في السيطرة على دول الثمانية، وكذلك شبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية والعميقة بين روسيا والصين والهند وهو ما يطلق عليه الثالوث الذي سيكون له موقع الصدارة خلال العشر أعوام القادمة.
· ما دلالة ما لوحت به الصين من تهديدات اقتصادية للولايات المتحدة ؟
- الصين ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية قوية وعميقة مع روسيا، وما يزيد الأمر خطورة أن الصين واليابان تحتل حوالي 4 تريليون دولار من حجم الدين العام الأمريكي البالغ حوالي 16 تريليون والصين وحدها أكبر دائن للولايات المتحدة، وهذا يشكل ضغطا كبيرا، ولكن من الصعوبة بمكان تصور قدرة الصين على تنفيذ تلك التهديدات، ولكنها رسالة قوية إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالتوقف عن تهديد المصالح الروسية من خلال أوكرانيا التي تمثل مجالها الحيوي.
· ما هو تأثير تلك الأزمة على سوق النفط في اطار التهديد الروسي باستخدام النفط والغاز كورقة ضغط على أوروبا؟
- هذه ورقة ضغط قوية حيث أن إسهام روسيا في سوق النفط كبير يصل إلى ما هو أكثر من 20% خاصة الكميات الموردة إلى أوروبا، وإذا ما تفاقمت تلك الأزمة للحد الذي يجعل الرئيس الروسي يمنع إمدادات الغاز والنفط عن أوروبا أو حتى يقلل الكميات الموردة، فإن لذلك تداعيات سلبية على سوق النفط بالكامل وسيتسبب في زيادة الأسعار، وبالتالي زيادة أسعار كافة السلع والخدمات على مستوى العالم، وستكون الدول الفقيرة والمستوردة أكثر الدول تضررا.
· ما هي أدوات روسيا الأخرى للتصدي إلى ما يهدد مصالحها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟
- هناك العديد من أوراق الضغط السياسية التي لا يستهان بها، حيث أن روسيا دولة داعمة لكل من إيران بثقلها الإقليمي وعمق تأثيرها على الملفات الحيوية، إضافة إلى ذلك كوريا الشمالية وما تمثله من مصدر إزعاج للولايات المتحدة وحلفائها، ما يؤهلها للمناورة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويجعلها قادرة على امتصاص صدامها مع عدوها القديم.