أحمد فايق يكتب : المذنبون
هل تعرف شيئا عن محمد رمضان؟
هذا يتوقف على ثقافتك، هو بالنسبة لك لو كنت فلول «عيل ثورجى» ذهب إلى الجبل مع بنات ومات دون أى مسئولية تقع على أحد، والبعض يحاول التجارة به ويحاول استخدام موته فى النيل من هيبة الدولة وفخامة الشرطة ووقار القوات المسلحة، أما إذا كنت إخوانجى فهو بالنسبة لك شاب ارتكب فسقا كثيرا بالنزول للشارع يوم 30 يونيو فتلقى العقاب الإلهى، لو كنت إنسانا فلن ترى سوى أن محمد رمضان مثله مثلهم جميعا، عيناه تحمل نفس البريق، وجهه يحمل نفس الابتسامة، قلبه يحمل نفس الطيبة، إذا وضعت صورته بجوار صور الحسينى أبو ضيف ومينا دانيال وخالد سعيد باحثا عن الاختلافات فلن تجدها، إنهم جيل الثمانينيات «المستعجل على موته»، الجيل الذى لن تستطيع أن تفهمه إذا كنت «فل» أو إخوانجى أو سلفى أو تنتمى لطبقة المصالح التى تمتص دماء المصريين وتنهب قوتهم.
محمد رمضان ينتمى للجيل العالق الذى لم يلحق بالكمبيوتر فى نشأته، ولا تستطيع أن تعتبره ينتمى لعالم ماقبل ميلاد الكمبيوتر الأول «صخر»، تقريبا مثل جيل شريف منير فى السينما بالضبط، درس فى كتاب الأضواء وكراسة المعلم ويقرأ رجل المستحيل وملف المستقبل والشياطين الـ13 ومجلة الشباب وطبيبك الخاص ومجلة روزاليوسف، عاش سنوات الإرهاب التى كان الجلوس فيها على المقهى أو الذهاب لنادى فيديو أو محاولة الحصول على نسخة من رواية «أولاد حارتنا» تعتبر مهمة انتحارية، لم يكن يستطيع أن يعرف شيئا عن تاريخ مصر إلا بواسطة فرق الكوماندوز «تفجيرات المتحف المصرى ومذبحة الأقصر مثلا»، تناول الطعام المسرطن وشرب مياه الصرف الصحى وذاق طعام القطط والكلاب «البلوبيف»، ظل طوال 30 عاما من عمره مع رئيس واحد فاشل وفاسد، حينما حلم بالتغيير قتلته مدرعات الشرطة وإرهاب الإخوان.
محمد رمضان لم يكن يصدق إلا نفسه مثل أبناء جيلى، لأننا صدقنا أن وردة لها شريط جنسى اسمه «سامحونى دول مليون جنيه»، وأن مصر فى عام 2020 ستصبح أكبر دولة فى العالم ولديها أفضل جهاز مخابرات علمية (ملف المستقبل)، وأن العرب يمكن أن يجتمعوا حتى فى القصص البوليسية «الشياطين الـ13»، صدقنا أن الدين لله والوطن للجميع ولم نكن نعلم أن الدين والوطن والدنيا وكل حاجة ملك للحاكم، صدقنا أن الجو فى مصر حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء، أن مبارك هو قائد الضربة الجوية وحده، وأن حرب أكتوبر لم يقم بها سوى سلاح الطيران، وأن نفس الحرب مصر شاركت فيها وحدها، صدقنا أن كفاح الشعب والمقاومة فى بورسعيد هم الذين انتصروا على إنجلترا وفرنسا وإسرائيل إلى أن قرأنا كتاب «سنوات الغليان» وشاهدنا اللقطة الشهيرة لطائرات روسية يتم طلاؤها بعلم مصر تهديدا بالدخول فى المعركة لدعم القاهرة، وأن علاء مبارك أطلق لحيته واستشيخ، وأن أميتاب شان وافق على مباراة تحدى مع جاكى شان، وأن أفريقيا هى حفلة فى استاد القاهرة يغنى لها عمرو دياب بالقميص الحرير.
موت محمد رمضان فى عز البرد، أعاد ترتيب أوراق الكوتشينة من جديد، وكأنه مات ليفعل هذا، موت محمد رمضان أعاد الجميع إلى المربع الأول الثورى صامد فى مكانه والفلول يخونون وينهشون الأعراض والإخوان يكفرون ويستغلون، عدنا كما كنا، بعدما اختلطنا وتلوثنا جميعا، محمد رمضان عاد ليصنفنا من جديد، نفس التصنيف الذى وضعه فيلم «الطيب والشرس والسياسى» وهو فيلم وثائقى عن الثورة من 3 وجهات نظر، تم عرضه فى مهرجان فينسيا عام 2011، اعتمد فيلم الطيب على لقطات حقيقية تم تصويرها فى بداية الثورة المصرية وأثنائها، قام المخرج ببناء السيناريو على شاب ذهب إلى «ساقية الصاوى» أسفل كوبرى الزمالك، ويطلب من مديرها عبد المنعم الصاوى أن يوافق له على إقامة معرض للوحات كتب عليها مشاعره أثناء الثورة المصرية، مطالبا بفتح المجال لكل من شارك بأن يكتب مشاعره على هذه اللوحات، واعتمد الفيلم على شخصيات تنتمى لعوالم مختلفة شاركت بشكل ما فى ميدان التحرير، لكنهم جميعا ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ومنهم أسامة حسين الطالب بالجامعة الذى ينتمى لشباب الإخوان المسلمين، والطبيبة نازلى حسين التى شاركت فى المستشفى الميدانى، ومطرب الثورة رامى عصام، والمصور الصحفى أحمد هايمان الذى ترك حلم عمره ودورة تصوير فوتوغرافيا فى الدنمارك ليعود إلى مصر ليشارك فى الثورة بالتصوير، والناشطة نازلى حسين، جميع هذه الشخصيات التقت فى جملة واحدة تغيرت تفاصيلها طوال الـ18 يوماً وهى «الشعب يريد إسقاط النظام»، ثم «الشعب يريد إسقاط الرئيس» ثم محاكمة الرئيس ثم إعدام السفاح، ومن خلال الشخصيات نرى سردا لأهم الأحداث خلال الـ18 يوماً، حيث قالت الطبيبة إن الكثيرين أصيبوا بانهيارات عصبية بعد الخطاب الثانى للرئيس المخلوع، وكانت أكثر العيادات نشاطا فى المستشفى الميدانى هى العيادة النفسية والعصبية، واعتمد الفيلم على لقطات حقيقية حدثت طوال الثورة، وإعادة تصوير مع الشخصيات فى التحرير وكوبرى قصر النيل وغيرهما من الأماكن التى نشط فيه الثوار بعد تحريرها.
وفى فيلم الشرس قدمت آيتن أمين من خلال أربعة ضباط ينتمون لجهاز الشرطة كيف كانت تفكر الشرطة وقت الثورة، وبدت وجهات النظر الأربعة متناقضة، وبدا هناك اختلاف بين الأجيال فى الشرطة، فالضباط الأكبر عمرا كانوا مقتنعين بما فعلوه، فى حين بدا الضباط الشباب أكثر ترددا، واختارت آيتن التسجيل مع أحد ضباط أمن الدولة الذى قدم استقالته، وقال لها إنه استقال بعد أربعة أشهر من العمل فى هذا الجهاز المشوه، وأصبح يعمل فى مجال السياحة بشرم الشيخ، فقد ذهب فى مهمة بجبال الصعيد للقبض على إرهابيين، وعاد بعد أن فشل مع زملائه فى ايجاد الإرهابيين، وفى اليوم التالى قرأ فى الصحف عن قتل أربعة إرهابيين فى نفس مهمته بجبال الصعيد دون أن يحدث هذا، وأيقن هذا الضابط أن الاربعة ما هم إلا معتقلين وقتلوا من كثرة التعذيب، وهنا قرر أن يترك هذا العالم المشوه، وهناك ضابط كبير بالأمن المركزى رفض أن تظهر صورته واضحة، رأى أن مافعلته الشرطة أثناء الثورة كان صحيحا، وأن الثوار كانت بينهم عناصر مندسة، وبدا ضابط الأمن المركزى الشاب مترددا فيما فعلوه، مؤكدا أن الشرطة كانت ضحية أيضا لأنها كانت عصا النظام للدفاع عن فساده فى جميع المجالات، وقال إنه لو أخذت لقطة للقاهرة من السماء ستجد لونها أخضر بسبب كثرة سيارات الأمن المركزى التى حولت مصر لدولة بوليسية، وأكد ضابط أمن الدولة السابق أن فرق القناصة التى قتلت المتظاهرين تنتمى لفريق مكافحة الإرهاب فى مباحث أمن الدولة، وهذا الفريق لديه بنادق ليزر على أحدث طراز تطابق روايات أهالى الشهداء وشهود العيان. بدا السرد فى الفيلم محايدا بين طرف يعتقد أن ما فعلته الشرطة كان واجبا مهنيا لا أكثر، وطرف أدان ما فعلته الشرطة، وثالث متردد بين الاثنين، والرسالة الضمنية أن الثورة لم تغير كثيرا فى تفكير ضابط الشرطة، وإن كانت الأجيال الأصغر عمرا ما زالت مترددة، لكنهم أيضا على استعداد لعمل مافعلوه مرة أخرى لو صدرت لهم الأوامر بذلك، وكشف أحد ضباط الأمن المركزى أن وزارة الداخلية أصدرت لهم أوامر يوم 24 يناير بتغيير الأدوات من العصى والدروع إلى القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطى، وصدرت أوامر أخرى لكل الضباط بألا يسمحوا للمتظاهرين بالانتقال من محافظة إلى محافظة أخرى، لذا واجهوا بعنف محاولة المتظاهرين فى الانتقال من مسجد الاستقامة بالجيزة وعلى رأسهم د. محمد البرادعى إلى ميدان التحرير، باعتبار أن مسجد الجيزة تابع لمحافظة الجيزة وميدان التحرير تابع لمحافظة القاهرة، مشهد النهاية فى الفيلم كان جيداً حينما واجهت آيتن أمين ضابط الامن المركزى الكبير بأنه لماذا تستخدم الشرطة التعذيب والقمع لممارسة عملها؟ فلم يستطع الرد وبدا متلعثما لا يدرى إذا كان الضرب والتعذيب شيئا إنسانيا أم لا.
وفى فيلم السياسى الذى ينتمى لنوعية الكوميديا السوداء، اختار المخرج عمرو سلامة أن يلعب على فكرة 10 خطوات لكى تصبح ديكتاتورا منها صبغة الشعر ووضع صورتك فى كل مكان واستغلال الإعلام وصنع عدو غير موجود والتوريث وغيرهم، واعتمد على فواصل جرافيك وأسلوب ساخر يشبه المخرج الصربى الكبير أمير كوستاريتشا فى فيلمه التسجيلى «مارادونا»، وتحدثت فى الفيلم شخصيات سياسية مثل د. محمد البرادعى، ود. مصطفى الفقى، ود. حسام بدراوى، والكاتب الصحفى بلال فضل، والأديب علاء الأسوانى، وكشف مصطفى الفقى لأول مرة أن علاء نجل الرئيس المصرى المخلوع مبارك اتصل به قبل الثورة وقال إنه يشعر بأن هناك شيئا سيحدث بسبب مايفعله شقيقه جمال بمصر، وقال حسام بدراوى آخر أمين للحزب الوطنى المنحل إنه قال لمبارك قبل التنحى: أرى مصير شاوشيسكو لو لم تتنح. وتعرض الفيلم للكوافير الشهير محمود لبيب الذى كان يصبغ شعر الرئيس المخلوع باللون الأسود كل يوم أربعاء، وكان يمر عليه كل مسئولى الدولة من وزراء وقيادات الحزب لفعل نفس الشىء، وأصبحت الصبغة جزءاً من الشكل العام للسياسة والمجتمع المصرى، فالجميع يتجمل ويدعى بما ليس فيه، وبدأ الفيلم مكملا للفيلمين الآخرين، لكنه اعتمد فى تصويره على شخصيات ثابتة تجلس على مقاعد دون حركة أو إيقاع، وهذا تسبب فى إضعاف الجزء الحى من الفيلم، فقد اعتمد المخرج على إضاءة جيدة للشخصيات وصورة جيدة مع مضمون جيد يرويه شهود عيان من السياسيين يحللون فيه ما حدث بالضبط من وجهات نظر مختلفة.
لكن كان محمد رمضان يلعب دور الطيب طوال الوقت، ومبارك والمجلس العسكرى ومحمد مرسى والإخوان يلعبون دور الشرس والإعلام والنخب يلعبون دور السياسى، لقد مات الطيب يا مصر والقتلة هم الشرس والسياسى، قتلناه بالاكتئاب قبل أى شىء، قتلناه بإهمال جيل كامل قارب على أن يملأ مستشفيات الأمراض النفسية، لقد شاهدنا فى حياتنا وواقعنا، مايفوق خيال «مازنجر» و«كابتن ماجد» و«غراندايزر»، وغرقنا فى دماء تجاوزت إرهاب التسعينيات، ورأينا فسادا تجاوز أفلام الخيال العلمى، كلنا قتلنا محمد رمضان حينما كتب على الفيس بوك «زهقت وماشى»، مشيرا إلى أنه يشعر بالوحدة، هل تريد أن تعرف محمد رمضان أكثر، هو شاب مصرى من مواليد الثمانينيات، برادعاوى أصيل، كان من أوائل المنضمين لجروب «كلنا خالد سعيد»، ثم شارك فى ثورة 25 يناير، كاد يموت فى جمعة الغضب، أول من هتف «سلمية» أثناء الثورة، وهتف «وحد اثنين الجيش المصرى فين؟» ثم هتف «يسقط يسقط حكم العسكر» فى محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، هتف «إيد واحدة فى ميدان التحرير» ثم عاد يهتف فى محمد محمود «يسقط كل من خان عسكر وفلول وإخوان»، كان من الذين يشعرون بالحزن لأن ممثلى الثورة «حمدين وأبو الفتوح» لم يتفقا، ثم عاد واكتشف أن أبو الفتوح إخوان، وعاد إلى برادعاويته، شارك فى 30 يونيو، هتف يسقط حكم المرشد، شعر بالاكتئاب بسبب تخوين ثورة وثوار 25 يناير، قرر الانسحاب مرة أخرى، رفض المشاركة فى الاستفتاء الأخير على الدستور من باب أنه ضد كل الفاشيات سواء مباركية أو إخوانية أو عسكرية، محمد رمضان مات يا مصر فهل من قربان آخر يا وطن.
مبارك
عذب خالد سعيد ثم اتهمه بابتلاع لفافة بانجو
المجلس العسكرى
دهس مينا دانيال بالمدرعة ثم اعتبره خائنا للوطن
مرسى
قتل الحسينى ثم قال عليه إنه إخوان