عصام زكريا يكتب : المرشحون للرئاسة فى ميزان القوى الانتخابية

مقالات الرأي


السيسى الأكثر شعبية.. عنان يلعب فى المنطقة الرمادية.. حمدين يمثل القوى المدنية.. وخالد على صوت الميدان!


ربما تكون أفضل شخصًا فى العالم، ولكن هذا لا يعنى أن بمقدورك أن تصبح رئيسا للبلاد. وقد تكون أكثر من يفهم فى السياسة، ولكن ليس معنى ذلك أنك سياسى ناجح قادر على خوض المعارك السياسية والفوز فى المنافسات وإدارة لعبة الخصومات والتحالفات وتسويق مواهبك وبيع برامجك فى سوق الانتخابات.

ليس مهما الأسماء التى سترشح نفسها فى الانتخابات الرئاسية القادمة إلا بقدر ما يمثله هذا الاسم لعدد معقول من أصحاب الأصوات، وما يمثله هؤلاء بين فئات المجتمع وقدرتهم على الحشد والدعم لمرشحهم. وعلى الأطراف المتصارعة يقف المتنافسون على خلفيات وكتل تأييد ودعم مختلفة، وبعضهم يميز نفسه من خلال الابتعاد عن تكتلات الآخرين.


المشير السيسى


المشير عبد الفتاح السيسى ربما يكون الأكثر شعبية، والأكثر تمتعا بالجاذبية والكاريزما الشخصية، ولكن وراء هذه الكاريزما حلماً شعبياً بالقوة وبالسيطرة على الانقسامات والفوضى التى ظهرت عقب تنحى مبارك، وإعادة النظام والانضباط إلى الشارع المصرى وإلى الحياة السياسية والإعلامية. قسم ثان من مؤيدى المشير يدفعهم حبهم واحترامهم للجيش وثقتهم فى وطنيته، فى مقابل عدم ثقتهم فى أى قوى سياسية ومدنية أخرى، ومعظم هؤلاء من الناصريين أو ناصريى الهوى. قسم آخر من مؤيدى السيسى ينتمى لنظام مبارك فعليا أو معنويا، يرغبون فى زعيم قوى يعيد ساعة الزمن إلى الوراء، ما قبل 25 يناير، أملا فى عودتهم لتصدر الصورة واستعادة وجودهم ونفوذهم، وكل حلمهم أن يقضى السيسى على من تسببوا فى سقوط مبارك ونظامه، من الإخوان إلى شباب الثورة وكل رموز الحياة السياسية القدامى والجدد!

يجمع السيسى ضمن مؤيديه القطاعات الشعبية الأكبر حجما، من غير المنتمين سياسيا، الراغبين فى «الستر» والاستقرار، والمنزعجين من عنف السياسة والصراعات الغامضة على السلطة. ولكن على الهامش هناك تجمعات وفئات أخرى غاضبة لأسباب سياسية أو لمصالح أخرى تربطها بمرشحين آخرين. سامى عنان، مثلا، يحاول ملء المنطقة الرمادية التى تضم أطيافا شتى من الإخوان والسلفيين ومن ينتمون أو يميلون إلى المجلس العسكرى القديم وقدامى الضباط وبعض الفلول المتطرفة من الكتل السابقة.


الفريق عنان


على الرغم من أن اسم الفريق سامى عنان كان حاضرا على الساحة قبل ثورة يناير، وحضر بقوة خلالها عندما انتشر خبر أنه سافر إلى الولايات المتحدة لمناقشة الأوضاع فى مصر قبل أن يعود صباح 29 يناير ليتبوأ منصب الرجل الثانى فى المجلس العسكرى، ونظرا لكبر سن ومرض المشير طنطاوى وشخصيته الزاهدة، كان الكثيرون ينظرون إلى عنان باعتباره الرجل الأقوى فى البلاد.

أقول.. على الرغم من ذلك كله، إلا أن الفريق نفسه لم يظهر طوال فترة حكم المجلس العسكرى أى كرامة سوى ضعف يلاحق ضعفا وفشلا يطارد فشلا، لدرجة أن أتحداك أن تذكر أى موقف أو كلمة قالها طوال هذه الشهور باستثناء «الكليب» الشهير الذى يقوم فيه بتلقين المشير طنطاوى بعض الكلمات خلال تصريحات إعلامية كان يدلى بها.

اختفى الفريق عنان عقب قيام المخلوع مرسى وعصابته بعزله هو والفريق طنطاوى عقب مذبحة رفح، التى بات واضحا أنها كانت مؤامرة إخوانية لإهانة الجيش وتلطيخ اسمه بالعار وتهيئة المناخ للإطاحة بطنطاوى وعنان.

حاول الإخوان أن يخففوا من تأثير الطعنة التى وجهوها للمجلس الذى ساعدهم على الوصول للحكم بتعيين عنان مستشارا لمرسى، ولكن سرعان ما استقال عنان من المنصب عندما وجد أنه بلا دور أو قيمة، ولم يسمع اسم الفريق عنان ثانية إلا خلال ثورة 30 يونيو عندما قام بعض أنصاره بتسريب إشاعات عن دوره فى قيادة الثورة ضد الإخوان، قبل أن يظهر الفريق بصوته ولأول مرة على عدد من الفضائيات يهاجم الإخوان ويؤكد على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. الفريق عنان له علاقات قوية بالصوفيين كما يقال، وهؤلاء كما يقال أيضا يبلغ عددهم 20 مليونا من المصريين، رغم أن هذه الكتلة لم تظهر كرامة فى أى انتخابات أو تحرك سياسى. وهذه العلاقة بين عنان والصوفيين لم تتجل سوى فى شهادة نسب أصدرتها له طريقة تدعى «السجادة العنانية العمرية» كان يرأسها شقيقه الراحل تزعم أنه حفيد الصحابى عمر بن الخطاب شخصيا!

ربما يعتمد الفريق عنان على تأييد هذه الكتلة المسماة بالصوفيين، ولكن المؤكد أنه يعتمد على كتلة أخرى هى الكتلة المعادية للمشير السيسى من الإخوان والسلفيين الذين لن يعطوا أصواتهم بالطبع لمرشح اشتراكى أو ليبرالى ويحلمون بشخص يصلح ما فسد بينهم وبين مؤسسة الجيش، وليس أفضل من يقوم بهذه المهمة مثل سامى عنان الذى ساند الإخوان بقوة فى عهد مجلس طنطاوى، وكان خير حليف لهم فى أوقات كثيرة. ويتعزز ذلك الاحتمال فى حالة عدم وجود مرشح آخر للإخوان والسلفيين، خاصة بعد التراجع الهائل لاسمى عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا بين أوساط «الإسلاميين».

ربما يعتمد عنان أيضا على كسب بعض أصوات الكتلة الرمادية التى تكره السياسة عموما ولا تثق بالقوى المدنية وليست منحازة للإخوان ولكنها منزعجة أيضا من اتهامات الإخوان للسيسى.

لكن يبقى السؤال: هل هذه الكتل لها وزن انتخابى؟ بمعنى أن هناك فرق بين المجموعات الاجتماعية التى قد تكون موجودة كأفراد أو تجمعات صغيرة متناثرة ولكنها لا تشكل معا كتلة انتخابية لديها الحماس الكافى للنزول إلى الانتخابات والتصويت ودعم مرشحها، وبمعنى آخر هل سيكون هناك خطاب سياسى وبرنامج للفريق عنان قادرًا على الوصول لهذه التجمعات، وهل سيكون لديه دعم مالى كاف يغطى به حملته الانتخابية؟

يقال إن التنظيم الدولى للإخوان خصص 85 مليون دولار لدعم حملة عنان. قد يكون هذا صحيحا، ولكن فى هذه الحالة سيخسر الفريق جزءا كبيرا من هذه الكتلة ممن لا يحبون الإخوان، بالإضافة إلى أنه لن يستطيع أن يعترف بذلك، وفى الوقت نفسه لن يستطيع إخفاءه. وقد تكون تلك إشاعة ينبغى عليه أن ينفيها ويدحضها، وفى هذه الحالة سيخسر جزءا كبيرا من الإخوان وحلفائهم.


حمدين صباحى


لو أن الانتخابات الرئاسية السابقة كانت نزيهة كفاية، ولم تتدخل فيها أموال وعلاقات وممارسات ووسائل إعلام مشبوهة لصالح كل من محمد مرسى وأحمد شفيق، ولو أن القوى المدنية كان لديها من الخبرة السياسية والحد الأدنى من العقلانية والترفع عن الانشقاقات، لكان حمدين صباحى هو الرئيس الحالى. حقق صباحى مفاجأة كبيرة بفوزه بالمركز الثالث فى المرحلة الأولى من الانتخابات وحصلت الكتلة المدنية التى يمثلها هو وأبو الفتوح وعمرو موسى وخالد على ما يقرب من 8 ملايين صوت، كانت كافية لهزيمة فلول شفيق وإخوان مرسى بالقاضية، ولكن فشلوا جميعا فى إدارة معركة الانتخابات. لا يزال حمدين صباحى يمثل هذه الكتلة، ولكنه فقد جزءا كبيرا منها لا يريدون تكرار ما حدث فى الانتخابات السابقة ويشعرون أن السيسى هو الوحيد القادر على قيادة سفينة البلاد. ويظهر ذلك فى الانشقاقات التى حدثت فى جبهة الإنقاذ والتكتل الشعبى ورفاق حمدين الذين أعلنوا أنهم سيؤيدون السيسى، وليس حمدين، فى الانتخابات القادمة.

من ناحية ثانية يلعب حمدين على الكتلة الرمادية التى تضم أطيافا من مؤيدى أبى الفتوح وعمرو موسى فى الانتخابات السابقة ومن يرفضون الإخوان وفى الوقت نفسه يخشون من خضوع البلاد لنظام حكم عسكرى.


خالد على


هو المرشح «الرسمي» لمن بقوا مخلصين لشعارات وأهداف ثورة يناير، ممن أعلنوا موقفا ثابتا من الإخوان والجيش والفلول ورفضوا عقد أى تحالفات أو مهادنات مع هذه الأطراف. ورغم أن هؤلاء قد يكون عددهم قليلا إلا أن معظمهم ينتمى للنخبة المثقفة والمتعلمة، ورغم أنه ليس من المتوقع أن تكبر هذه الكتلة عما كانت عليه فى الانتخابات الماضية، إلا أنه من المتوقع أن ينضم إليها جزء من الإخوان والسلفيين السابقين الذين كفروا بالإخوان والسلفيين. من المهم أن توجد هذه الكتلة حتى لو بقيت فى موقع الأقلية المعارضة إلى الأبد، فهى صوت ضمير الثورة وأهدافها الكبرى التى ربما لا تتحقق فى المدى المنظور أو غير المنظور، ولكنها ستبقى حلما ورقيبا على أى نظام حالى أو قادم.

والأهم من ذلك كله أن تخلق كل هذه الكتل وممثلوها مناخا سياسيا ديمقراطيا صحيا يتعلم فيه الجميع ضرورة الاختلاف والحوار.