رجاء فكرى تكتب : محنة وطن

ركن القراء

رجاء فكرى تكتب :
رجاء فكرى تكتب : محنة وطن

تحيا مصر ف هذه الفترة العصيبة من تاريخها محنة عظيمة..والتى تتمثل ف انهيار كافة الأخلاق والمبادىء والقيم والمثل العليا ف كل مجالات الحياة..فأصبح هناك انهيار القيم السياسية والإقتصادية والاجتماعية..وبات مجتمعنا يرزح تحت إحتلال لا أخلاقى..لقد بات بعض الناس ينظرون الى هذه المعايير والقيم والأخلاقيات ع أنها شظايا من الدخان تضيع ف الهواء..فهى لا تحتل وجودا أو مكانا تحديدا ع وجه الأرض..أولئك الذين لا يفقهون شيئا ولا يعقلون..ومع الأسف هذه الفئة من الناس تحتل سواد المجتمع المصرى..انها بالفعل لمحنة عظيمة.

فهناك صنوفا من البشر فى مجتمعنا يسيرون ع البسيطة كالدواب أو الأنعام لا يحملون صفة آدمية واحدة ولا حتى صفة إنسانية واحدة..لا يشعرون بالآخر ومعاناته..هم لا يشعرون الا بأنفسهم فقط..لا يفكرون سوى فى أنفسهم فقط..لا يحلمون إلا لأنفسهم فقط..يستمتعون بأنانيتهم وحبهم لأنفسهم المفرط فى ممارسة الحياة..اولئك الذين يشتهون الطعام والأموال والذهب والفضة وغيرها من متاع الحياة وزينتها..وغيرهم لا يشتهى سوى كسرة خبز أو جرعة ماء إن وجدها..الفئة الأولى من الناس هم الأقوياء الأغنياء ف هذه الدنيا الذين لا يحملون أى معاناة أو قسوة من قسوات الحياة..هم لا يشعرون الا بنظرائهم وقرنائهم من الأقوياء ذوى المال والسلطة والنفوذ مثلهم..والأحرى أن نقول أن هذه الفئة لا تشعر بمن هم دون ذلك. أولئك من يسعون ف الأرض ويتسارعون ع الدنيا دون أن يشعروا أدنى شعور بأنهم يحيون ف كارثة إنسانية حقيقية..الغريب أنهم يحيون ويموتون دون أ ن يكتشفوا مأساتهم المريرة تلك التى عايشتهم وتعايشوا معها..وقتل بداخلهم ما فطره الله ف قلوب الآدميين من الإحساس والشعور.

هناك صنوفا أخرى من الناس تعرف إتجاه قبلة الصلاة..ولا تستطيع التعرف على وجهة أولئك البائسين من الناس الذين يلاقون من المعاناة أشد ما يلاقون..ينزفون ف اليوم مائة مرة ومرة كى يعثروا ع ما يقيم أودهم ويرد عنهم قسوة الجوع ورجفة البرد ف ليالى الشتاء العاتية..وكما قلت لكم من قبل هم لا يشعرون الا بذواتهم..ولا يفكرون سوى ف

أنفسهم..وينظرون الى الضعفاء من الناس ع أنهم كالحشرات الصغيرة والتى يسهل دهسها ومواراتها خلف التراب..هم لا يدركون ان اولئك الضعفاء بنىآدميين مثلهم.يشعرون مثل ما يشعرون..يتألمون لذات ما يألمون..يعانون يشقون يتجرعن مرارة الهزيمة ف كل فصول العام..ولا أحد يرد عنهم بأسهم..ولاأحد يألم لهم..ولا أحد يسمع لهم..فهم صم بكم عمى لا يعقلون. هذا التناقض المجتمعى والذى يحمله من التظاهر بالإيمان والتدين الشكلى..التجاهر بالقول دون الخوض ف الفعل يعرضنا الى الشتات المجتمعى والهزال المجتمعى والانحطاط المجتمعى وتهاوى المجتمع ع أيدى أولئك الذين يقولون ما لايفعلون..يسرفون ف القول..ولا يخوضون ف العمل.يشهدون ف كل يوم يمر انه لا اله الا الله وان محمدا رسول الله..ثم لايلبثون أن يفعلوا كل مالايرضاه الله ولا رسوله..أصبح التدين والايمان مجرد قولة يتفوه بها الانسان غير متجسدة كفعلة من أفعاله..وقد قالها نزار قبانى من قبل:لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.

ولعلى لا أدرى..لم تدثرنا بأغطية الجفاء والكراهية والبغضاء حيال بعضنا البعض وحيال أوطاننا إلى هذه الدرجة..ان هذه الأغطية التى تدثرنا بها هى التى تهدم الأوطان..هى التى تسحق الأوطان..وتلقى بها فى هاوية سحيقة.

إن القلوب القاسية الصماء التى هى كالحجارة أوأشد قسوة لا تصنع أوطانا..بل تهزم أوطانا..وتنكس أعلاما وعروشا..وتحيلها إلى تراب زائل..وتحقر من شأن شعوبها..وتحيل الوطن إلى بحر من الكراهية يغرقون ويغرق من معهم من البائسين ف أعماقه البعيدة..يحيلون الفرح حزنا..والنصر هزيمة..والحياة موتا..وهم بين هذا وذاك يجعلون أصابعهم فى آذانهم..لا يسمعون نصحا ولا إرشادا ولا يرتجعون عما يحملونه ف قلوبهم القاسية من الشر والبغضاء....أولئك هم شر البرية..اولئك هم شر البرية..وشر البلية.

اللهم اكفنا شر أولئك البرية..وكن لنا معينا على بناء أوطاننا.