أم كلثوم.. رحلة صعود أسطورية بين المجد الفني والتحديات الشخصية

الفجر الفني

أم كلثوم
أم كلثوم


تظل أم كلثوم أيقونة خالدة في تاريخ الغناء العربي، فهي ليست مجرد مطربة بل ظاهرة فنية استثنائية أثرت في أجيال متعاقبة. 

 

بصوتها الفريد وأدائها الساحر، أصبحت "كوكب الشرق" رمزًا للفن الأصيل الذي يعبر الزمان والمكان. 

 

 

من نشأتها المتواضعة إلى صعودها على عرش الطرب، ومن أزماتها الشخصية إلى تعاونها مع أعظم الشعراء والملحنين، شكلت حياتها رحلة ملحمية تستحق التوقف عند تفاصيلها.

 

 

 في ذكرى وفاتها، نسلط الضوء على المحطات البارزة في مسيرتها الفنية وحياتها الخاصة التي كانت مليئة بالأحداث والتحديات.

 

 

البداية.. من قرية صغيرة إلى قمة المجد

 

 

وُلدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، التي عُرفت لاحقًا باسم أم كلثوم، في 31 ديسمبر 1898 بقرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية. نشأت في بيئة بسيطة حيث كان والدها إمام مسجد ويؤدي التواشيح الدينية، مما منحها الفرصة لاكتشاف موهبتها مبكرًا. بدأت الغناء في المناسبات الدينية إلى جانب والدها، وسرعان ما لفتت الأنظار بموهبتها الفريدة.

 

 

الانتقال إلى القاهرة.. بداية التحول الكبير

 

 

لم يكن البقاء في القرية خيارًا مناسبًا لموهبة بحجم أم كلثوم، فانتقلت إلى القاهرة في أوائل العشرينيات بحثًا عن فرصة لإثبات نفسها في عالم الفن. هناك، وجدت نفسها وسط نخبة من كبار الموسيقيين الذين أدركوا سريعًا أنها ليست مجرد صوت عادي، بل فنانة استثنائية تملك القدرة على تقديم فن يخلد في الذاكرة.

 

 

تعاونها مع عمالقة الشعر والموسيقى

 

 

كانت أم كلثوم ذكية في اختياراتها الفنية، حيث تعاونت مع نخبة من أعظم الشعراء والملحنين، ما ساهم في بناء أرشيف غنائي خالد. ومن أبرز من عملوا معها:

  • أحمد شوقي الذي قدمت من كلماته روائع مثل "سلوا قلبي".
  • رياض السنباطي الذي صنع معها أجمل الألحان، ومنها "الأطلال" و"رباعيات الخيام".
  • محمد عبد الوهاب الذي شكل معها نقلة نوعية في الموسيقى العربية من خلال "أنت عمري"، التي وُصفت بأنها "لقاء السحاب".

 

 

الصراع مع الملك فاروق.. أزمة صنعت الجدل

 

 

لم تكن حياة أم كلثوم الفنية خالية من الأزمات، ومن أبرزها علاقتها المتوترة مع الملك فاروق. في عام 1944، قرر منحها وسام الكمال، وهو شرف لا يُمنح إلا للأميرات وسيدات العائلة المالكة، مما أثار استياء البعض داخل القصر. 

كما ترددت أنباء عن رفض فاروق لزواجها من شريف باشا صبري، أحد أفراد العائلة المالكة، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقة بينهما لفترة.

 

 

زيجتها الوحيدة.. حب في الظل بعيدًا عن الأضواء

 

 

رغم شهرتها الطاغية، فضلت أم كلثوم إبقاء حياتها الشخصية بعيدة عن الإعلام، في عام 1954، تزوجت من الدكتور حسن الحفناوي، الذي ظل إلى جانبها حتى وفاتها. لم تُرزق بأبناء، لكنها اعتبرت جمهورها العريض بمثابة عائلتها التي وهبتها عمرها وفنها.

 

أزماتها الصحية.. بداية النهاية

 

 

مع مرور السنوات، بدأت أم كلثوم تعاني من مشكلات صحية أثرت على أدائها الفني. أصيبت بمرض في الكلى، مما اضطرها إلى تقليل ظهورها العلني وتخفيف نشاطها الفني. 

رغم ذلك، تمسكت بالغناء حتى آخر لحظاتها، وظلت صامدة في مواجهة المرض كما اعتادت أن تكون في كل محطات حياتها.

 

 

المنافسة مع منيرة المهدية.. صراع الألقاب في زمن العمالقة

في بداياتها الفنية، كانت الساحة تسيطر عليها منيرة المهدية، التي حملت لقب "سلطانة الطرب" ومع صعود نجم أم كلثوم، اشتدت المنافسة بينهما، حيث رأت منيرة في أم كلثوم تهديدًا لمكانتها.

 ومع ذلك، استطاعت أم كلثوم أن تتفوق بصوتها الفريد وأدائها الذي أسر القلوب، لتنتزع اللقب غير الرسمي "كوكب الشرق".

 

 

رحيلها.. يوم بكت فيه الأمة العربية

في 3 فبراير 1975، أسدل الستار على حياة أم كلثوم بعد صراع طويل مع المرض، كانت جنازتها واحدة من أكبر الجنازات في تاريخ مصر، حيث خرج الملايين لتوديع أيقونة الفن العربي. رحلت جسديًا، لكنها بقيت حاضرة في وجدان محبيها بأغانيها التي لا تزال تتردد في كل مكان.