هدنة جزئية وصفقة تاريخية.. تفاصيل المفاوضات بين حماس وإسرائيل والحذر من اشتعال الضفة
تتسارع وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط مع اقتراب صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس من مراحلها النهائية، وسط أجواء متوترة، تتشابك المواقف السياسية والمفاوضات مع أوضاع إنسانية مأساوية في قطاع غزة، حيث خلفت العمليات العسكرية حصيلة ثقيلة من الشهداء والمصابين.
في هذا السياق، برزت تصريحات وتحركات سياسية على مستويات إقليمية ودولية تشير إلى قرب التوصل لاتفاق قد ينهي الحرب المستمرة منذ أشهر.
تفاصيل الصفقة.. خطوات أولى لإنهاء الحرب
وفقًا لمصادر إعلامية إسرائيلية وفلسطينية، تشمل المرحلة الأولى من صفقة الأسرى إطلاق سراح 1000 أسير فلسطيني، بينهم 200 محكوم عليهم بالسجن المؤبد، مقابل 33 رهينة إسرائيلية.
ومن المتوقع أن تتضمن الصفقة أيضًا وقفًا لإطلاق النار لمدة 42 يومًا، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق محددة شمال القطاع، وبدء إدخال مساعدات إنسانية تشمل الوقود والغذاء.
مواقف الأطراف
على الجانب الإسرائيلي، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغوطًا من حلفائه في اليمين المتطرف، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يهددون بتفكيك الائتلاف الحاكم حال الموافقة على الصفقة.
ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن نتنياهو يمتلك أغلبية داخل حكومته لتمرير الاتفاقية، رغم المعارضة الداخلية.
أما في غزة، فقد أكد أسامة حمدان، القيادي في حركة حماس، أن المفاوضات جادة لكن الحركة تلتزم بسرية التفاصيل لحماية الجبهة الداخلية الفلسطينية ومنع إسرائيل من استغلالها في حرب نفسية.
أوضاع مأساوية في غزة
على الصعيد الإنساني، تتفاقم معاناة سكان غزة مع استمرار العمليات العسكرية. تشير التقارير إلى أن عدد الشهداء قد تجاوز 46،565، بالإضافة إلى 109،660 مصابًا منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.
تحركات دولية
أعلنت مصادر أمريكية عن اتصالات مكثفة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو لدعم المفاوضات، كما أكدت مصادر أمنية مصرية أن واشنطن قدمت ضمانات لحماس لإنهاء الحرب فور التوصل إلى الصفقة.
من جهتها، تواصل الدوحة لعب دور الوسيط الرئيسي في المفاوضات، حيث زار رئيس الموساد والشاباك الإسرائيلي قطر لإجراء محادثات مع المسؤولين القطريين.
مع قرب انتهاء المفاوضات، تتزايد الآمال بإمكانية إنهاء الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بالمنطقة، ورغم التحديات، يبدو أن الأطراف الفاعلة على استعداد لتحقيق انفراجة طال انتظارها.
الصفقة والهدايا الأمريكية
من جانبه قال الدكتور نزار نزال، المحلل السياسي الفلسطيني، إن الأجواء السياسية في إسرائيل باتت إيجابية فيما يخص صفقة الأسرى المرتقبة، خاصة بعد اجتماع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع شركائه في الحكومة، من أبرزهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وأضاف نزال، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن نتنياهو تمكن من إقناع الأطراف داخل الائتلاف الحكومي بالموافقة على الصفقة لعدة اعتبارات استراتيجية، أبرزها الحفاظ على استقرار حكومته وتجنب تصدعها، موضحًا أن نتنياهو يسعى جاهدًا لمنع حجب الثقة عن حكومته، خاصة مع الضغوط التي تمارسها أحزاب الصهيونية الدينية.
وأكمل أن التصعيد داخل الائتلاف قد يؤدي إلى انهيار الحكومة، وهو ما يهدد مستقبل نتنياهو السياسي مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستهدف أيضًا استعادة قوة حزب الليكود الذي تراجع شعبيته مؤخرًا، حيث تشير التقديرات إلى فقدانه مقعدين في حال إجراء انتخابات جديدة.
وفيما يتعلق بالصفقة، أكد نزال، أن نتنياهو يسعى لاسترضاء الولايات المتحدة والرئيس المنتخب دونالد ترامب تحديدًا، الذي يُتوقع أن يقدم لإسرائيل مكاسب سياسية كبيرة في الضفة الغربية، تشمل تسهيلات في الاستيطان وربما خطوات تجاه الضم، مشيرًا إلى أن نتنياهو يراهن على تأجيل الموافقة النهائية على الصفقة إلى التاسع عشر أو العشرين من الشهر الجاري، حيث يتوقع تقديم الصفقة كهدية سياسية للجمهوريين في أمريكا.
وفي سياق آخر، نوه الدكتور نزار نزال، إلى أن نتنياهو يريد من خلال هذه الصفقة امتصاص غضب الشارع الإسرائيلي الذي يتجه نحو الغليان إذا لم يتم التوصل إلى هدنة أو اتفاق قريب، مؤكدًا أن العيون تتجه نحو الضفة الغربية كعنوان المرحلة المقبلة، وأن تعاطي ترامب مع إسرائيل سيحدد طبيعة المكاسب التي سيحققها نتنياهو.
كما أكد المحلل السياسي الفلسطيني، أن الحكومة الإسرائيلية تعيش مرحلة دقيقة وحساسة، حيث يواجه نتنياهو تحديات داخلية وخارجية تتطلب تحقيق توازن دقيق بين إرضاء حلفائه السياسيين والحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة.
تفاصيل الهدنة
فيما كشف الدكتور عمرو حسين، المتخصص في العلاقات الدولية، عن مؤشرات قوية تشير إلى قرب التوصل إلى هدنة إنسانية ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، موضحًا أن زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعقبتها تطورات ملموسة في مسار المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة.
وأضاف حسين، في تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن الاتفاق المزمع إعلانه سيمر بعدة مراحل، حيث تشمل المرحلة الأولى تبادلًا للأسرى، بإطلاق سراح 34 إسرائيليًا مقابل ألف أسير فلسطيني، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار لمدة شهر ونصف، كما سيشمل الاتفاق انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة؛ في المرحلة الثانية، سيتم الإفراج عن أسماء أسرى أحياء من حركة حماس، يليها تنفيذ عملية تبادل أسرى جديدة.
واستكمل حديثه قائلًا: "٣أن الاتفاق يشمل انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من القطاع مع وقف نهائي للعمليات العسكرية، مشيرًا إلى دور مصر المحوري في مقترح تشكيل لجنة إسناد مجتمعية لإدارة قطاع غزة، فيما يعرف بمفهوم "اليوم التالي للحرب"، وستبدأ المرحلة الأولى بفتح المعابر، وعلى رأسها معبر رفح، لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة، لضمان وصولها إلى مستحقيها".
وشدد حسين، على أهمية هذه الخطوة في معالجة الوضع الصحي المتدهور، خاصة بعد توقف عمل المستشفيات بشكل كامل، بما في ذلك مستشفى كمال العدوان ومستشفى المعمدة.
وأوضح حسين، أن الحرب التي استمرت 16 شهرًا خلفت أكثر من 45 ألف شهيد و130 ألف مصاب، ما دفع المجتمع الدولي للتحرك لوقف المأساة الإنسانية مضيفًا أن المحكمة الجنائية الدولية زادت من الضغوط على قادة إسرائيل، حيث يواجه بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة.
وأشار المتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن الاتفاق المتوقع قد يرى النور قبل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما يمثل خطوة تاريخية لإنهاء المعاناة في غزة، بفضل الجهود المصرية والدولية الشاقة التي بُذلت لتحقيق هذه الهدنة الإنسانية.
هدنة جزئية في الأفق.. عودة التصعيد محتمل في غزة والضفة الغربية
في هذا السياق، أكد محمد جودة، المحلل السياسي الفلسطيني، أن إسرائيل بدأت تتلقى إشارات إيجابية من حركة حماس بخصوص مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، وهو ما يشير إلى فكفكة الألغام والعقد التي كانت تعيق التوصل إلى اتفاق.
وأضاف جودة، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن هذه التطورات تأتي في توقيت استراتيجي يتزامن مع اقتراب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تولي منصبه في البيت الأبيض، مما يضع إسرائيل تحت ضغط كبير.
وفسر جودة، أن الفترة المقبلة قد تشهد الإعلان عن هدنة جزئية ذات طابع إنساني، تشمل عودة النازحين وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، إلى جانب إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، إلا أن العقبة الأكبر أمام هذه المفاوضات تكمن في إصرار المقاومة على وقف إطلاق النار الكامل وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وهو مطلب ترفضه إسرائيل بشدة.
وأشار جودة، إلى أن الشارع الإسرائيلي يشهد حالة من الغليان، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي تهدد بالتصعيد إذا لم يتم التوصل إلى هدنة بحلول العشرين من الشهر الجاري، مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه تراجعًا كبيرًا في شعبيته، في ظل اتهامات بعدم قدرته على إدارة الأزمة.
وتابع جودة حديثه قائلًا: "إسرائيل تسعى إلى تنفيذ هدنة مؤقتة لتخفيف الضغط الداخلي، لكنها في الوقت ذاته تعمل على استغلال هذه الهدنة عسكريًا واستخباراتيًا لتقويض قوة المقاومة الفلسطينية، خاصة ملف الأسرى الذي يمثل ورقة ضغط قوية بيد حماس".
وحذر جودة، من أن فشل التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى عدوان عسكري جديد على غزة، وسط ضغوط داخلية قد تصل إلى تشكيل كتلة برلمانية جديدة بقيادة نفتالي بينيت، مما يهدد مستقبل نتنياهو السياسي.
كما أشار إلى أن الضفة الغربية لا تزال تشهد تصعيدًا إسرائيليًا متواصلًا، حيث تتعمد إسرائيل تنفيذ اقتحامات واعتداءات يومية، بهدف تهجير السكان الفلسطينيين وفرض السيطرة على الأراضي.
وأوضح جودة، أن الضفة الغربية تشكل بُعدًا أمنيًا واستراتيجيًا لإسرائيل، التي تعمل على تكثيف مشاريعها الاستيطانية هناك، مع سعيها لفرض سيادتها على المنطقة، خاصة مع اقتراب تولي ترامب منصبه، الذي يتوقع أن يدعم مخططات الضم الإسرائيلية بما يتعارض مع حل الدولتين.
وفي ختام حديثه، شدد المحلل السياسي الفلسطيني، على أن الوضع الفلسطيني يمر بأسوأ مراحله في ظل الانقسام الداخلي، والتفكك العربي، والانشغال الدولي بقضايا أخرى مثل الحرب الأوكرانية-الروسية، مشيرًا إلى الحاجة ماسة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة الوحدة والشراكة السياسية لمواجهة مشاريع التصفية الإسرائيلية، وإعادة تفعيل منظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني لتحقيق تطلعاته بالاستقلال.