مؤمن الجندي يكتب: الرحلة الأخيرة

الفجر الرياضي

بوابة الفجر

في حياةٍ تموج بالتقلبات، هناك لحظة تسبق كل شيء، لحظة نادرة، لكنها أصدق ما يمكن أن يعيشه الإنسان.. هي لحظة الترقب، تلك المسافة الغامضة بين الفكرة وتجسدها، بين الحلم وواقعه، بين ما نريده وما قد يكتبه القدر.

في تلك اللحظة، تتوقف الأنفاس، يتباطأ الزمن، ويصبح القلب كطبولٍ تقرع في فراغ ممتد، كل شيءٍ يدور، الأفكار، الذكريات، الاحتمالات، حتى الأحلام التي كنا قد نسيناها تعود لتزورنا فجأة، متسللة بين الظلال! هناك في عمق الترقب، كل شيء يبدو ممكنًا، وكل شيء يبدو مستحيلًا.

في لحظات الترقب التي تسبق كل رحلة، تكون الأحلام حاضرة بقوة، والأماني معقودة على الوصول بسلام لتحقيق الانتصارات.. لكن هذه اللحظات نفسها تحمل في طياتها احتمالات أخرى، إذ تتحول أحيانًا إلى ذكريات حزينة ومريرة كما شهدنا في تاريخ حوادث الطائرات التي أنهت مسيرة فرق رياضية كاملة، من كارثة فريق تورينو الإيطالي عام 1949، إلى مأساة مانشستر يونايتد في ميونيخ عام 1958، وحادثة تشابيكوينسي البرازيلية عام 2016، كانت لحظات الترقب في تلك الرحلات مشحونة بالأمل قبل أن تنقلب إلى فاجعة تغير وجه الرياضة والعالم.

اليوم، عادت هذه المشاعر إلى السطح مع حادثة طائرة نادي بيراميدز، التي عاشت بعثته ساعاتٍ عصيبة أثناء عودتها من أنجولا، في لحظاتٍ خطف فيها الخطر الأنفاس، تعرضت الطائرة لمطبات جوية عنيفة وانخفض الضغط الجوي بشكل مفاجئ.. كان الجميع في حالة ترقب مرعب، بين دعاء بالنجاة وخوف من المجهول، قبل أن تتمكن الطائرة من الهبوط الاضطراري بسلام.

تلك اللحظات جسدت هشاشة الحياة، وأعادت إلى الأذهان الكوارث السابقة التي دفعت العالم الرياضي إلى الحزن، والتأمل في نعمة النجاة.

ففي لحظة خفت ضجيج العالم من شدة صوت الداخل.. نسمع أنفسنا كما لم نسمعها من قبل: نبضاتنا، تساؤلاتنا، مخاوفنا، وأحلامنا التي تراوغنا أحيانًا وتعود لتطاردنا أحيانًا أخرى.

أرى الترقب مثل الفجر الذي يسبق الشروق.. هو لحظة الوعد الذي يوشك أن يتحقق، حيث يلتقي الحلم بالضوء. وربما تكون أعظم حكمة في الحياة هي أن ندرك أن الرحلة الأخيرة، بكل قلقها ورعبها، آتية لا محالة، وأن ما بعدها ليس إلا فصلًا آخر في قصة سيكون فيها الحساب عسيرًا.. لذا علينا الاتعاظ.

في النهاية، تظل الحياة مليئة باللحظات التي تجمع بين الأمل والخوف، بين الترقب والصدمة.. لحظات الترقب، التي نشعر فيها بالانتظار، تحمل في طياتها قوة غير مرئية تغير مجرى حياتنا في ثانية أو تنهيها، وبالرغم من هشاشة الحياة وتقلُّبها، يبقى الإيمان بالله وقدره هو ما يجعلنا نستمر.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا