تجارب مأساوية مع مضاد حيوى واسع الانتشار
حقن الموت السريع.. ١١ دواء من الصيدلية إلى القبر
فى مساء أحد الأيام دخلت أمّ خالد إلى عيادة أحد أطباء الأطفال المشهورين بالدراسة وهى تحمل طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات.
كان الطفل يعانى من ارتفاع شديد فى درجة الحرارة وألم فى الأذن، وبعد إجراء الفحوصات، قرر الطبيب أنه يعانى من التهاب حاد فى الأذن الوسطى، وكتب له وصفة طبية تحتوى على حقن السفترياكسون، لكن ما حدث بعد ذلك كان كارثة ستغير حياة الأسرة إلى الأبد.
فى اليوم التالى، وبعد أن تلقى الصغير الجرعة الأولى من السفترياكسون، بدأ يظهر عليه أعراض مثل صعوبة فى التنفس وتورم فى الوجه. وكانت حالته تزداد سوءًا بسرعة، حتى أنه لم يتمكن من التنفس.
هرعت الأم إلى أقرب مستشفى، لكن الطفل توفى فى غضون ساعات من وصولها. كانت صدمة كبيرة، وتساءلت الأم عن السبب وراء الوفاة، وكشف الطبيب فى وقت لاحق أنه كان يعانى من رد فعل تحسسى شديد تجاه السفترياكسون، مما تسبب فى مضاعفات مفاجئة أدت إلى وفاته.
ما حدث مع «خالد» لم يكن الحالة الوحيدة، إذ وثقت «الفجر» عدة حالات مشابهة فى أماكن مختلفة، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدى أمان استخدام السفترياكسون كعلاج فى الحالات التى تتطلب تدخلًا عاجلًا.
على مدار الخمس سنوات الماضية تحدث العديد من المواطنين عن تجاربهم المأساوية مع حقن المضاد الحيوى، وتشير التقارير الطبية والصيدلانية إلى وجود سبعة أنواع من الحقن تشكل خطورة على حياة المرضى فى الوقت الحالى، نتيجة وجود تشغيلات مغشوشة، ورغم أن جميع تلك الحقن قد تؤدى إلى مضاعفات صحية خطيرة، إلا أن حقنة السفترياكسون تُعد الأخطر.
تم توثيق العديد من حالات الوفاة التى تزامنت مع استخدامها، وحتى فى ظل إجراء اختبار الحساسية الذى يُفترض أنه يكشف عن أى تفاعل سلبى مع الدواء.
«الفجر» تواصلت مع مستشفيات وصيدليات وأطباء لتوثيق الحالات التى شهدت مضاعفات بعد حقنها بـ«السفترياكسون».
على باب الصيدلية، انتظرت أسرة الطفلة «مريم» وسيلة نقلها إلى مستشفى «أم المصريين» بالجيزة. تروى الأم بمرارة تلك اللحظات التى كانت من أصعب لحظات حياتها؛ سقط منها الكيس البلاستيكى الذى كان يحتوى على الدواء، وأمام الارتباك الذى أصابها خلعت حذاءها فى الشارع وركضت بكل قوتها، بينما كان الأب يحمل الطفلة بين يديه.
بعد وصولهم إلى غرفة استقبال المستشفى، تم وضع «مريم» على جهاز التنفس الصناعى، كما أوضح والدها فى حديثه. لكن بعد حوالى نصف ساعة، جاء الطبيب ليعلن لهم وفاة الطفلة. عند سماع الخبر، سقطت الأم مغشيًا عليها، بينما تعذر على الأب النطق بأى كلمة من شدة الصدمة.
وقال طبيب الطفلة، الذى طلب عدم ذكر اسمه، إنه لم يعرف السبب الدقيق لوفاة «مريم»، مشيرًا إلى أنه طيلة ٣٢ عامًا من عمله فى المجال الطبى لم يشهد موت مريض جراء الحقن بأى دواء سوى إذا كان يعانى من «حساسية تجاه الدواء» إلا فى السنوات الأخيرة بسبب السفترياكسون.
وأضاف أن مثل هذه الحالات تستغرق عادة بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، وأن استخدام «أدرينالين تحت الجلد» كان كفيلًا بإنقاذ حياة المريض فى مثل هذه الظروف.
لم تختلف حالة الطفل «آدم» ففى مستشفى «المطرية» بمحافظة القاهرة، والذى لقى حتفه بعد تلقيه حقنة السفترياكسون فى صيدلية محلية.
كان «آدم»، البالغ من العمر ٦ سنوات، قد وصل إلى المستشفى وهو يعانى من حساسية شديدة، كان جسده يعانى من صعوبة فى التنفس وقلق حاد فى الدورة الدموية. استقبله نائب مدير مستشفى الأطفال، فى قسم الطوارئ.
ورغم محاولات إنعاشه لمدة ٢٠ دقيقة، حيث تم وضعه على جهاز التنفس الصناعى، إلا أن حالته استمرت فى التدهور، وتوقف قلبه، ليتم التأكد من وفاته بعد تلك المحاولات.
وجاء فى تقرير الطبيب أنه كان قد استقبل حالة مماثلة قبلها بيومين، ليؤكد بمرارة: «هذه كارثة! هناك أطفال يموتون بسبب حقن السفترياكسون، وأيًا ما كان السبب، يجب التحذير من صرف هذا المنتج للمرضى».
وقررت المستشفى بسبب هذه الحوادث المتكررة منع إعطاء حقن السفترياكسون فى قسم الطوارئ بمستشفى الأطفال.
ومثلهم عمر محمد، الطفل الذى لم يتجاوز السبع سنوات، والذى ظل ينتظر دوره فى صيدلية الحى، حيث كان «عمر» يعانى من التهاب حاد استدعى ضرورة الحصول على حقنة السفترياكسون. وكان قد خضع لاختبار الحساسية فى وقت سابق، والذى أظهر عدم وجود أى ردود فعل تحسسية تجاه الدواء. بناءً على ذلك، قرر الصيدلى إعطاءه الحقنة بعد أن تم التأكد من سلامته.
لكن حدث ما لم يكن فى الحسبان، وهو أن جسم «عمر» لم يتحمل الدواء. بعد دقائق معدودة من تلقيه الحقنة، بدأ يواجه صعوبة فى التنفس، وبدأت ملامح وجهه تتورم. على الرغم من محاولات إنقاذه السريعة من قبل الصيدلى، إلا أن حالته تدهورت بشكل سريع للغاية. تم نقله إلى أقرب مستشفى، لكن كل الجهود المبذولة لم تفلح فى إنقاذ حياته.
ومن ناحية أخرى أصدرت النقابة العامة لصيادلة مصر قرارًا فى ٢٠٢٢ يمنع أعضاءها من تقديم خدمة إعطاء الحقن بجميع أنواعها داخل الصيدليات، وذلك لتفادى الشبهات وتجنب فتح المجال للمسائل القانونية، بالإضافة إلى حماية الصيادلة من أى تبعات قانونية تتعلق بتقديم خدمة طبية غير مرخصة.
وبالرغم من ذلك يقول صيدلى رفض ذكر اسمه، إن الأهالى يترددون على الصيدليات بشكل مستمر للحصول على حقن بمختلف أنواعها حتى السفترياكسون. ويضيف: بعضهم يطلب إجراء اختبار حساسية للأدوية قبل إعطاء الحقن. موضحًا أن الكثير من المرضى يلجأون إلى الصيدليات باعتبارها الحل البديل والأرخص، رغم أنه فى بعض الحالات قد تكون هذه الممارسات غير قانونية وتعرض الصيدلى للمساءلة».