بيان البنك الدولي

قبل رحيل الأسد بيومين.. الاقتصاد السوري بين الانهيار والصمود الوهمي

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

مرَّ الاقتصاد السوري خلال السنوات العشر الأخيرة بواحدة من أصعب مراحل التدهور، حيث لم تقتصر الأضرار على الخسائر البشرية والعسكرية، بل امتدت لتضرب العمود الفقري للاقتصاد السوري. مع دخول عام 2024، تزداد المؤشرات السلبية وضوحًا، خاصةً مع انكماش الناتج المحلي وتدهور مستويات المعيشة بشكل كارثي. وفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن نسبة الفقر في سوريا بلغت 69% من السكان بحلول 2022، مع 27% يعيشون تحت خط الفقر المدقع، مما يجعل الأوضاع أكثر قتامة من أي وقت مضى.

في بيان صحفي للبنك الدولي قبل يومين من اختفاء ورحيل الرئيس السوري المتنازل عن السلطة بشار الأسد، بتاريخ 5 ديسمبر 2024، سعت جنباته نحو توضيح وضع اقتصادي معيَّن في الداخل السوري، تحت عنوان "سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية".  

ساسية: رؤية البنك الدولي للأزمة


الناتج المحلي وسيناريو الانكماش


توقّع تقرير "المرصد الاقتصادي لسوريا" استمرار انكماش الاقتصاد في 2024 بنسبة 1.5%، بعد أن سجل تراجعًا بنسبة 1.2% في 2023. يعود ذلك إلى عدة عوامل منها ضعف النشاط التجاري، استمرار النزاعات الحدودية، وتأثيرات الزلازل الأخيرة. كما تسببت الصدمات الخارجية، مثل الأزمة المالية اللبنانية والحرب في أوكرانيا، في مضاعفة تداعيات الأزمة الداخلية.

الانهيار


أظهر التقرير تدهورًا مريعًا في رفاه الأسر السورية، مع تسجيل تضخم بنسبة 93% في 2023، مما أدى إلى فقدان القوة الشرائية بشكل شبه كامل. وتعتمد العديد من الأسر السورية بشكل كبير على التحويلات الخارجية، والتي ساهمت في تقليل معدلات الفقر المدقع بنسبة تصل إلى 12 نقطة مئوية. ومع ذلك، تعيش أكثر من نصف الفئات الأشد فقرًا في ثلاث محافظات فقط، هي حلب وحماة ودير الزور.

قطاع الزراعة والتحديات


رغم تحسّن نسبي في الإنتاج الزراعي نتيجة الأحوال الجوية الجيدة، إلا أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية، وشبكات الري، وتهجير المزارعين أدت إلى تدني الإنتاج. هذا، إلى جانب اعتماد سوريا المتزايد على الواردات الغذائية، عمّق الأزمة الاقتصادية.


في نظر البيان.. ما أسباب تفاقم الوضع الاقتصادي السوري؟

١- الانكماش الاقتصادي وتداعيات الصراع:
يذكر التقرير أن الاقتصاد السوري لا يزال في حالة انكماش مستمر بسبب استمرار الصراع، الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية وزيادة الفقر. إن تدهور الوضع الاقتصادي تزامن مع العديد من الأزمات الخارجية مثل الأزمة المالية في لبنان، جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، التي ضاعفت من صعوبة الوضع المحلي. كما شهد قطاع النفط تراجعًا كبيرًا، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 5.5% في 2023 بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية من جراء الزلازل والصراعات.

٢- فقر متزايد وتدهور رفاه الأسر:


وفقًا لتقرير "رفاه الأسر السورية بعد عقد من الصراع"، يعاني أكثر من 14.5 مليون سوري من الفقر، مع تسجيل بعض المناطق مثل حلب وحماة ودير الزور أعلى معدلات الفقر. كما أن الأسر التي تعيلها النساء والأسر النازحة داخليًا تعتبر الأكثر تعرضًا لمخاطر الفقر. رغم هذا، فإن التحويلات المالية من الخارج كانت تمثل شريان حياة لكثير من الأسر السورية، إذ أسهمت في تقليص معدلات الفقر المدقع بنحو 12 نقطة مئوية.

٣- التضخم وارتفاع الأسعار:
مع تراجع قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي في 2023، ارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق بنسبة 93%. أدى ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للأسر السورية، مما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية أمرًا شبه مستحيل في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات. كما قامت الحكومة بخفض الدعم على السلع الأساسية بشكل مستمر، مما زاد من معاناة المواطنين.

٤- التحديات في القطاع الزراعي والصناعي:
رغم تحسن أحوال الطقس في 2023، إلا أن القطاع الزراعي السوري لا يزال يعاني من تدهور كبير بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ونزوح المزارعين. هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج الصناعي بسبب الأضرار التي لحقت بالمنشآت الصناعية المحلية، مما جعل سوريا تعتمد بشكل أكبر على الواردات لتلبية احتياجاتها.

التوقعات المستقبلية: هل من أمل في التعافي؟

يتوقع الخبراء استمرار تراجع الاقتصاد السوري في ظل الظروف الراهنة. من المحتمل أن يستمر استنزاف القدرة الشرائية للأسر بسبب التضخم المستمر، فضلًا عن استمرار غياب الاستقرار الأمني والسياسي الذي يمنع جذب الاستثمارات الخاصة. في الوقت نفسه، هناك تخوفات من مزيد من تراجع قيمة العملة السورية، مما سيزيد من الضغوط على المواطنين.

ختامًا، مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، فإن سوريا قد تشهد المزيد من التحديات خلال السنوات المقبلة. تبقى الأسئلة حول قدرة النظام السوري على التكيف مع هذه الأزمات، خاصة في ظل الانهيار المتسارع للاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر. وبناءً على تقارير البنك الدولي والتحليلات الاقتصادية، قد تتطلب المرحلة المقبلة تغييرات هيكلية ضخمة في السياسات المحلية والدولية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.