محمد رحيم.. رحيل درامى لـ«مبدع الألفية» الذى عانى التهميش

العدد الأسبوعي

الفنان الراحل محمد
الفنان الراحل محمد رحيم

مشوار فنى عظيم، نجاحات متتالية، شخصية هادئة ورحيل مفاجئ وصادم، هو ملخص حياة الملحن والمطرب محمد رحيم، الذى فجع الوسط الفنى برحيله الدرامى دون أى مقدمات، الحزن والصدمة كانا العنوان للأيام القليلة الماضية بعد وفاة «رحيم».

رحيم بدأ مشواره الفنى «كبيرا» فى النجاح، ففى نهاية التسعينيات وتحديدا فى صيف عام ١٩٩٨، أطلق أول أغنية من ألحانه لعمرو دياب وهى أغنية «وغلاوتك» والتى بالصدفة تصدرت «التريند» بعد ٢٦ عامًا من إطلاقها وقبل أيام قليلة من وفاته، وكان لأغنية «غلاوتك» قصة، حيث إنه تعرف هو وصديقه محمد رفاعى على الفنان حميد الشاعرى فى كلية التربية الموسيقية حيث كان يدرس، وذهب «رحيم» مع «الشاعرى» للاستوديو وكان عمرو دياب هناك واختار «وغلاوتك» ضمن أعمال اسمعها «رحيم» للشاعرى وقتها، وكان يبلغ من العمر ١٨ فقط، ومن بعدها فى بداية الألفينيات فى ٢٠٠٠ و٢٠٠١ قدم «رحيم» عددًا كبيرًا من الأغنيات الناجحة، وكانت بداية نجاحاته مع النجوم العرب، حيث لحن «الليالى»، و«نجوم السما» لنوال الزغبى، واخبارك إيه» لمايا نصرى، «يانى من غرامه» باسكال مشعلانى، وغيرها من الأغنيات التى كانت دليلًا على تعاون ونجاح «رحيم» مع نجوم العرب وليس المصريين فقط.

وفى عام ٢٠٠٢ كانت النقلة فى مشوار «رحيم» التلحينى بعد أغنية «أجمل إحساس» للمطربة اللبنانية اليسا، ومنذ هذا الوقت وحتى وفاته كان من أكثر الملحنين نجاحا فى الوسط الغنائى إن لم يكن أنجحهم على الإطلاق، خاصة أنه لم يشتهر بلون واحد فقط فى التلحين كعدد كبير من أبناء جيله من الملحنين، بل كان يقدم جميع الألوان الغنائية سواء طربًا شرقيًا، رومانسيًا، حزينًا، مقسومًا، شعبيًا، دينيًا وغيرها من أنواع الألحان، بل نجح أيضا فى تقديم الأغنيات «التجارية» بشكل جديد، وأبرز هذه الأغنيات كانت «ليه بيدارى كده» لروبى، و«إلعب» لبنانية ماريا وكانت سببًا فى نجاح وشهرة كل منهما، وفى اللون الشعبى قدم «رحيم» أنجح أغنيات «حكيم» وأشهرهم «إيه ده بقى»، «أه من حلاوته» و«تيجو تيجو».

«رحيم» اتجه للغناء ونجح فيه بشكل كبير وقدم عددًا من الأغنيات كمطرب وأبرزها «عارفة»، «ارجع يلا»، «حبيبة حبيبك»، «وأنا مالى»، «أجمل ما شافت عين»، والأغنية الدينية «يا ليتنى براقا»، محمد رحيم هو المحلن الوحيد وسط أبناء جيله الذى كان سببًا فى انطلاقة وشهرة عدد كبير من نجوم العرب بأغنياته التى قدمها لهم كملحن، وعلى الرغم من كل هذه النجاحات التى استمرت لأكثر من ربع قرن، الا أن محمد رحيم فجأة فى أوائل عام ٢٠٢٤ وتحديدا فى شهر فبراير الماضى، أعلن اعتزاله بهذه الكلمات: «تعليق كل نشاطاتى الفنية لأجل غير مسمى حتى إشعار آخر مع احتمالية اعتزال المهنة والسفر خارج البلاد» وهو ما شكل صدمة لجمهوره وزملائه، وكان ذلك القرار بسبب إحساس «رحيم» بعدم التقدير نظرا لعدم دعوته لحضور حفل «ليالى سعودية مصرية» الذى أقيم فى دار الأوبرا المصرية، وأعلن استنكاره بعد دعوة عدد كبير جدا من صناع الموسيقى، كما أن عددًا كبيرًا من الأغنيات التى تم غناؤها على المسرح من ألحانه، وهو ما سبب له حالة نفسية سيئة.

ولكن سرعان ما تراجع «رحيم» عن قراره بالاعتزال، فبعد أسبوعين، قرر الرجوع مرة أخرى بسبب مطالبات ورسائل الجمهور له، والتى وصفها «رحيم» باكيا فى إحدى الندوات بأنها السبب فى رجوعه عن هذا القرار، وتأثر «رحيم» كثيرا بسبب كلام جمهوره والذى كان أبرزه أن صوته وأغنياته بمثابة العلاج النفسى لهم.

«رحيم» على المستوى الشخصى كان شخصًا «متواضعًا» على الرغم من نجاحاته الكبيرة عكس غيره من صناع الموسيقى، لم يدخل فى صراعات أو مشكلات مع أحد من زملائه، ولم نشهده إلا طيب السيرة طوال سنوات عمله الفنى، حتى فى خلافه الوحيد لم يعرف إلا بعد رحيله، حيث أعلن المطرب «فارس»، أنهما تخاصما لمدة عشر سنوات، وطوال العشر سنوات أكد «فارس» أن «رحيم» لم يذكره بأى سوء على الرغم من خلافهما. وعلى الرغم من هدوء «رحيم» فى مشواره الفنى والشخصى، إلا أن رحيله لم يكن بهذا الهدوء، حيث إن وفاته فجأة عن عمر، ٤٥ عاما، أثارت حالة من الجدل والشكوك حول سبب الوفاة، بعد إعلان شقيقه طاهر رحيم، تأجيل الجنازة لحين إشعار آخر، لوجود خدوش فى جثته.

وأمرت النيابة بإجراء الكشف الطبى الظاهرى على الجثمان. ولكن الوفاة كانت طبيعية وبحسب تقرير الصحة فإن الوفاة مر عليها أكثر من ٢٤ ساعة وهو ما تسبب فى وجود انتفاخ فى البطن، بالإضافة للاشتباه فى وجود خدوش وجروح بمنطقة الساقين والقدمين، مما دفع النيابة لفتح تحقيق فى الوفاة وتأجيل تصريح الدفن، واستدعاء السائق وحارس العقار لأخذ أقوالهما بشكل رسمى.

وبعد التحقيقات أصدرت النيابة المصرية بيانا قالت فيه إن وفاة محمد رحيم «كانت طبيعية»، وأن الفحوصات الأولية التى أجراها مفتش الصحة، أكدت أن الإصابات التى ظهرت على الفم واليد والساق سطحية وظاهرية ولا تدل على وجود شبهة جنائية. وأثناء دفن جثمانه، كان هناك خلاف كبير بين زوجته «أنوسة كوتة» مدربة الأسود، وبين شقيق وعائلة «رحيم»، وأصابها حالة من الانهيار التام، وكانت تردد كلمة واحدة لشقيقه «أنت اللى موته»، مما آثار جدلا كبيرًا.

وعلى الرغم من كل هذه الاحداث، لا نستطيع إلا أن نقول إن «رحيم» حفر لنفسه اسمه فى التاريخ، وسيظل واحدًا من أعظم الملحنين الذين كانوا سببًا فى خروج جيل كامل من المطربين الجدد الذين أصبحوا من أهم نجوم الغناء حاليا.