أول من سجل المصحف المرتل والمفسّر
الحصرى.. ٤٤ عامًا على رحيل شيخ المقرئين
أول من قرأ القرآن فى البيت الأبيض والكونجرس الأمريكى والأمم المتحدة وقاعة الملوك بلندن، وأول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند وباكستان، ورتل القرآن فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم.
يُعد القارئ الشيخ محمود خليل الحصرى ثالث أشهر قارئ للقرآن الكريم فى تاريخ مصر بعد معجزة التلاوة محمد رفعت وصاحب الصوت الذهبى الشيخ عبدالباسط عبد الصمد، ولد الشيخ الحصرى بقرية شبرا النملة بمركز طنطا بمحافظة الغربية، فى الأول من ذى الحجة لعام ١٣٣٥هـ، الموافق ١٧ سبتمبر لعام ١٩١٧م، واشتُهر بالحصرى؛ لما اشتهر به والده من كثرة التصدق بحصير المصليات والمساجد، والتحق الشيخ بكتاب القرية وهو فى الرابعة من عمره، وأتم حفظ القرآن الكريم مع بلوغه الثامنة، ثم التحق بالمعهد الدينى بطنطا فى عمر الثانية عشرة، وطلب علم القراءات على أكابر شيوخ وقراء الأزهر الشريف، حتى نال شهادة علوم القراءات العشر فى عام ١٩٥٨م.
١- بدايته مع القرآن:
كانت بدايته مع القرآن الكريم، عندما دعاه شيخ خفر قرية شبرا النملة لإحياء ليالى شهر رمضان فى بيته «بعدما ذاع صيته فى قريته»، ووعده بإعطائه ثلاثين قرشًا فى نهاية هذا الشهر، وكانت سعادته كبيرة، ثم قرأ القرآن ولأول مرة خارج قريته فى كفر الشيخ علىّ بكفر الريا طوال ثلاث ليال بمائة وعشرين قرشا، كان يقرأ القرآن فى مسجد قريته. فى عام ١٩٤٤ تقدم للإذاعة المصرية بطلب لتحديد ميعاد لامتحانه أمام لجنة اختبار القراء وبالفعل تم تحديد الميعاد واجتاز الاختبار وتم التعاقد معه فى نفس اليوم، فكانت أول قراءة له على الهواء مباشرة يوم ١٦ نوفمبر عام ١٩٤٤ وكان وقتها لا يزال مقيمًا بقرية شبرا النملة.
فى عام ١٩٤٨ عُين شيخًا لمقرأة سيدى عبدالمتعال فى طنطا، وبعدها صدر قرار تعيينه مؤذنا فى مسجد سيدى حمزة، إلا أن حبه لقراءة القرآن وتلاوته ولرغبته بأن يكون صيتًا مشهورًا فطلب أن يكون قارئا للسور بدلا من وظيفة مؤذن، فعدل القرار إلى قارئ فى المسجد مع احتفاظه بعمله فى مقرأة سيدى عبد المتعال. ليصدر بعد ذلك قرار وزارى لتكليفه بالإشراف الفنى على مقارئ محافظة الغربية، وفى ١٧ إبريل ١٩٤٩م تم انتدابه قارئا فى مسجد سيدى أحمد البدوى فى طنطا، ثم انتقل إلى المسجد الأحمدى.فى عام ١٩٥٥م ثم انتقل إلى مسجد الإمام الحسين فى القاهرة وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة سنة (١٣٦٤هـ – ١٩٤٤م) وعُيّن مفتشًا للمقارئ المصرية (١٣٧٧ هـ – ١٩٥٧م ) ثم وكيلًا لمشيخة المقارئ (١٣٧٨ هـ – ١٩٥٨م) وتولى مشيخة المقارئ سنة (١٣٨١هـ – ١٩٦١م)، كما عُيِّن خبيرًا بمجمع البحوث الإسلامية لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف، ثم رئيسًا لاتحاد قراء العالم عام ١٩٦٧م، ومراجعا ومصححًا للمصاحف بمشيخة الأزهر (١٣٧٩ هـ – ١٩٥٩م)، ظلت إذاعة القرآن بمصر تقتصر على صوته متفردًا حوالى عشر سنوات.
٢- تسجيل القرآن على أسطوانات وشرائط كاست:
كان الشيخ الحصرى بعيد النظر فى كثير من الأمور الخاصة بالعقيدة، فقد أحس بخطورة التبشير وحملات التنصير فى إفريقيا والتى بدأت تحرف فى القرآن، فأراد أن يكون القرآن مسجلا على شرائط كاسيت أو أسطوانات، فكانت رحلته مع الأستاذ لبيب السباعى وآخرين فتم تسجيل المصحف المرتل بصوت الشيخ الحصرى، وبعد أن رفض العديد من المشايخ والقراء للفكرة من بدايتها لاختلافهم حول العائد المادى منها، وبذلك أصبح الشيخ الحصرى أول صوت يجمع القرآن الكريم مرتلا على أسطوانات، كان ذلك براوية حفص، وقد تم تسجيل بعض السور التى عرضت على وزارة الأوقاف، التى وافقت على الاستمرار فى تسجيل المصحف مرتلًا كاملًا، وقد كتب لهذا التسجيل النجاح المنقطع النظير، ثم تم التسجيل برواية ورش عن نافع، ثم سجل الشيخ الحصرى القرآن مجودًا بصوته ثم مرتلًا برواية قالون والدورى، ثم سجل المصحف المعلم، وقد مكث مدة تقرب من العشر سنوات لتسجيل المصحف مرتلًا بالروايات المختلفة. ونجحت تلك الخطوات نجاحًا باهرًا، وقد منحه الرئيس عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٦٧، تكريمًا له لتسجيله المصحف المرتل، كما نال تقدير الملوك والرؤساء فى العالم العربى والإسلامى. لم يسجل المصحف المرتل لحساب أى شركة من شركات القطاع الخاص أو لحسابه، ولكن لحساب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على أن يتولى المجلس توزيعه على إذاعات العالم الإسلامى، ولم يكن الشيخ الحصرى يسعى للعائد المادى قدر سعيه لنيل رضا الله، لدرجة أن الشيخ الحصرى قال: «إن النجاح الذى تحقق لم أكن أتوقعه، وهذا فضل من ربى على كبير». نادى الشيخ بإنشاء أماكن لتحفيظ القرآن فى جميع قرى ومدن جمهورية مصر العربية، كما نادى بضرورة إنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم لرعاية شؤونهم ومصالحهم.
٣- مآثر الشيخ الحصرى فى عام ١٩٥٤
اختارته الحكومة السعودية لافتتاح الحفل الرسمى لإضاءة مكة المكرمة بالكهرباء، بدعوة رسمية، وفى عام ١٩٦٠ كان أول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند وباكستان، وقراءة القرآن الكريم فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند، رشحته وزارة الأوقاف لمرافقة الرئيس جمال عبدالناصر، فى زيارته لبعض الدول الإسلامية فى آسيا كالهند وباكستان. وفى عام ١٩٦٣م وفى أثناء زيارته لدولة الكويت عثر على مصاحف قامت اليهود بتحريفها، فتصدى – رحمه الله – لألاعيب الصهاينة، وفى عام ١٩٦٥م قام بزيارة فرنسا وأتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم، وفى عام ١٩٧٥م كان أول من رتّل القرآن الكريم فى العالم بطريقة المصحف المفسّر (مصحف الوعظ)، وفى عام ١٩٧٧م كانت له زيارته الشهيرة للولايات المتحدة بصحبة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود لزيارة المراكز الإسلامية وافتتاح بعضها. وصحبه الإمام عبدالحليم محمود للقاء الرئيس الأمريكى جيمى كارتر الذى طلب من الشيخ الحصرى تسجيل المصحف المرتل، قبل أن يتشرف الكونجرس الأمريكى لأول مرة فى تاريخه، بتلاوة القرآن الكريم بداخله عبر صوت الشيخ محمود خليل الحصرى. كان أول من رتّل القرآن الكريم فى الأمم المتحدة أثناء زيارته لها بناءً على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية، وفى عام ١٩٧٨م كان أول من رتّل القرآن فى قاعة الملوك بلندن، وسافر إلى جميع الدول العربية والإسلامية وكذلك روسيا والصين وسويسرا وكندا وأغلب عواصم العالم، وقد استقبله أغلب زعماء العالم. وفى عام ١٩٨٠ عاد من رحلته من السعودية مرضيا، وقد ذاد عناء السفر وإجهاده من مرضه الذى كان يعانى منه وهو القلب، واشتد المرض عليه ونصح الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب وقد تحسنت حالته فعاد إلى منزله، إلا أنه توفى يوم الإثنين ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٨٠ فور انتهائه من صلاة العشاء. شيّد الشيخ فى أواخر حياته مسجدًا، ومعهدًا دينيًّا، ومدرسةً لتحفيظ القرآن بمسقط رأسه، وأوصى فى خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظِه، وإنفاقه فى وجوه الخير.