ماذا قال عادل حمودة عن يحيى السنوار ؟ ..

أحمد فشير يكتب: الأسطى.. والأسطورة

مقالات الرأي

أحمد فشير
أحمد فشير

"حارب السنوار كل هذه الحشود ببندقية آلية ومسدس كاتم للصوت وقطع صغيرة من الحلوى وُجدت في جيبه، وبدا أنه يعيش عليها مما أفقده الكثير من وزنه".

لم أكتفِ بقراءتها مرة واحدة، بل قرأتها مرارًا ورددتها في نفسي أكثر، حتى تجدد إيماني بجندية القلم وواجبه في المعركة إلى جانب البندقية ومدى سطوته في التشجيع على الاقتتال والاستبسال، وقديمًا كانوا يأخذون نساءهم وأطفالهم يجلسون في مدرجات المعركة، يهتفون وينشدون الشعر لحثّ المقاتلين على النصر، وحتى يكونوا "تذكرة" للذب عنهم من السبي والأسر، وهذا ما جدده فينا "أسطى الصحافة" في عصره الأستاذ عادل حمودة.

طلقة حبر من عادل حمودة رثاءً ليحيى السنوار

وبطلقات من حبره "النزيه" الذي لم يتنازل يومًا عن مبادئ وكبرياء العظماء، وبمهنيته التي شبّ وشاب فيها حبًا وعملًا وجهدًا وتحريرًا للعقول من ظلمات الجهل وبراثن التخلف، أطلق كلماته الحرة بعنوان "عرفت السنوار"، لينتشل القارئ من الوقوع في هوة المعلومات الكاذبة ووحل الموضة المستحدثة "التريند"، التي تسخّف وتبخس الناس أشياءها.

كشف الرجل الذي علمنا السحر أن مشهد نهاية السنوار، الذي كتبه سلفًا في روايته "الشوك والقرنفل"، بدا وكأنه مأخوذ من إلياذة "هوميروس" أو ملحمة "جلجامش" أو "الشاهنامة" الهندية، حيث البطل لا يموت إلا بعد أن يتذوق جسده طعنات جميع الأسلحة، وهذا ما حدث بعد أن شاركت كل وحدات الجيش الإسرائيلي في اغتياله، ولم يختفِ في نفق تحت الأرض، ولم يتخذ من الأسرى درعًا بشريًا.

السنوار كان وراء توطيد العلاقات بين مصر وحماس

وعندما تقرأ لـ "الأسطى"، تجد بجانب البديعيات والحبكة والإيجاز الذي عهدناه في حواراته ومقالاته على مدار خمسين عامًا في الصحافة والسياسة، لا يزال يكشف لنا حكايات جديدة، حتى وإن كان الحديث غير جديد، وبالأدلة والبراهين، أكد عادل حمودة حُسن العلاقة بين حماس ومصر منذ 2017، والتي كان وراءها يحيى السنوار، وقد قال السنوار في رواية "حمودة": "لن تكون حماس منطلقًا للشر".

أما الثانية، فقد روى أيضًا أن السنوار أقسم له بأنه كان وراء انفصال حماس عن تنظيم الإخوان عام 2017، حتى تعود القضية إلى مصر، ويسترسل الكاتب الصحفي عادل حمودة: كان السنوار معترضًا على سياسة "التجرؤ" على مصر التي تبنتها قيادات سابقة، وجدت من يحرضها ويستغلها ويدفع لها.

عادل حمودة والسنوار

كيف عرف عادل حمودة "السنوار"؟

"أعترف بأنني لم أعطه حقه".. هكذا كان انطباعه الأول عندما التقى السنوار، إذ رآه موظفًا في ديوان حكومي لم يكمل دوامه، أو معلّمًا في مدرسة ابتدائية يعاني من صخب التلاميذ، أو عاطلًا عن العمل يبحث عن وظيفة، ولو بأجر ضعيف، وكان يسهل اكتشاف تواضعه من ملابسه البسيطة غير المتجانسة التي تخاصم ربطة العنق، وإنه نموذج يصعب اكتشافه من الوهلة الأولى، ويتابع الأستاذ: "أخطأت في تقديري كثيرًا".

حارب بقطعة صغيرة من "الحلوى"

وجسّد عادل حمودة "السنوار" بطلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واشتدت دهشتي من كلماته عنه، لأنه لم يكن يومًا من كُتاب المديح والرثاء والأهازيج، ولم يتصنع حبًا ولم يكتب حرفًا غير راضٍ عنه، ولا يعرف طريق المحاباة/ زربما تحوّل من شخصية الصحفي المهني إلى شخصية الإنسان عندما كتب عن السنوار؟ ربما يسبق قلبه قلمه حينما يكتب عن القضية والأبطال، وقال: "حارب السنوار كل هذه الحشود ببندقية آلية ومسدس كاتم للصوت وقطع صغيرة من الحلوى وجدت في جيبه، وبدا أنه يعيش عليها مما أفقده الكثير من وزنه".

أثناء توقيع الجزء الأول من مذكراته

وارتقيت درجات على سُلّم المجد دون تملق أو رياء أو دافع خارجي، بل ارتقيت عندما كتبت عن "أبانا الذي علمنا السحر"، وفي ذلك الوقت، كان قلبي يرتجف وترتعش يدي حينما فكرت وحينما قررت أن أبدي تعليق محبّ قبل أن أكون تلميذًا، تعليق قارئ قبل أن أكون كاتبًا، عن الأستاذ عادل حمودة.