التعاون المصري مع دول القرن الإفريقي.. بوابة لتوازن إقليمي جديد
تشهد منطقة القرن الإفريقي تحولات استراتيجية كبيرة في ظل التطورات السياسية والاقتصادية التي تتفاعل على الساحة الإقليمية. ومن بين هذه التحولات، تبرز التحركات المصرية لتعزيز وجودها في المنطقة من خلال توطيد العلاقات مع دول مثل إريتريا والصومال، سعيًا منها لمواجهة التحديات المشتركة التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
مصر والصومال: شراكة من أجل الأمن
شهدت العلاقات المصرية الصومالية تطورًا لافتًا خلال الفترة الأخيرة، حيث عززت مصر دعمها للصومال عبر التعاون العسكري والدبلوماسي. هذا التعاون جاء على خلفية التوترات التي أشعلتها اتفاقية إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال، التي منحتها حق استخدام السواحل الصومالية لأغراض تجارية وعسكرية. وقد أثارت هذه الاتفاقية حفيظة الحكومة الصومالية وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك مصر، التي رأت في ذلك تهديدًا لوحدة وسلامة الأراضي الصومالية.
ردًا على هذه التحديات، أبرمت مصر والصومال اتفاقًا دفاعيًا في أغسطس 2024، تضمن إرسال معدات عسكرية ومشاركة قوات مصرية في بعثات حفظ السلام في الصومال. كما تخطط مصر لتعزيز حضورها العسكري في مقديشو بإرسال آلاف الجنود لدعم الاستقرار في البلاد.
التقارب المصري الإريتري: موازنة النفوذ الإثيوبي
من جانب آخر، تسعى مصر إلى تقوية علاقتها مع إريتريا، البلد الذي يتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأحمر. هذا التقارب تجلى في زيارات متبادلة بين زعماء البلدين، وآخرها زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى القاهرة في فبراير 2024. تأتي هذه التحركات في إطار سعي مصر لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد في المنطقة، وخاصة في ظل السياسات التوسعية التي تنتهجها إثيوبيا، بما في ذلك توقيعها على اتفاقية مع إقليم أرض الصومال.
إريتريا، التي تستشعر خطر هذه السياسات على مصالحها الإقليمية، تقف جنبًا إلى جنب مع مصر في معارضة هذه التحركات، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات الدوائية.
أمن البحر الأحمر: مفتاح الاستقرار الإقليمي
من بين القضايا الرئيسية التي تشغل بال مصر ودول القرن الإفريقي مسألة أمن البحر الأحمر، وهو الممر المائي الحيوي للتجارة الدولية. مع تزايد التهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية مثل الحوثيين والقرصنة البحرية، تتعاون مصر مع دول المنطقة لضمان حماية هذه الممرات وضمان استقرارها. وقد أكدت القمة الثلاثية بين مصر، إريتريا، والصومال على ضرورة تبني سياسة موحدة للحفاظ على أمن البحر الأحمر، باعتباره مفتاحًا للتنمية والاستقرار في المنطقة.
نحو تحالف إقليمي مستدام
تشير هذه التحركات إلى أن مصر تسعى لبناء تحالف إقليمي قوي مع دول القرن الإفريقي، قائم على مبادئ التعاون المشترك واحترام السيادة الوطنية. هذا التحالف يأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات مع إثيوبيا، التي تُعتبر اللاعب الرئيسي في المنطقة، مما يجعل هذه الشراكات ضرورية لموازنة النفوذ الإثيوبي وضمان استقرار المنطقة.
من الواضح أن مصر تسعى من خلال هذه الاستراتيجيات إلى تعزيز وجودها في القرن الإفريقي وضمان حماية مصالحها القومية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن المائي والبحري. ومع استمرار هذه الجهود، يبدو أن مصر ستظل لاعبًا رئيسيًا في صياغة ملامح السياسة الإقليمية في القرن الإفريقي خلال السنوات القادمة.