بعد مرور عام على طوفان الأقصى
«أجسادنا الممزقة بمصر وقلوبنا بالقطاع».. هل أُجبر أهل غزة على التهجير القسري؟ إحصائيات في مواجهة شهادات حيّة ضد المخطط (فيديو ومستندات)
إحصائية خاصة بإجمالي الخارجين/ات من غزة بعد طوفان الأقصى.. وسفير فلسطين: لا يتخطّون 5% من أهالي القطاع
«عملية بتر» بسكين مطبخ، أُجريت لقدم فتاة فلسطينية دون تخدير، تشبه في تفاصيلها مخطط الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدف إلى بتر أهل غزة من قطاعهم/ن وتهجيرهم/ن قسرًا.
«عهد بسيسو»، تلك الفتاة التي تُمثّل مشهدًا مؤلمًا من فيلم رعب طويل، لا يزال يعيشه الفلسطينيون/ات منذ صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حتى اليوم بعد عام كامل من الحرب، فكان حظّها من هذا الألم، حينما قذفتها شظيّة وهي تشاهد من نافذة بيتها عواصف النار المتلاحقة برًا وجوًا، ولم تنجح في الوصول إلى مستشفى الشفاء، رغم أنها تبعد فقط أمتارًا قليلة، فأُجري لها عمها عملية بتر بسكين!
غادرت «بسيسو» قطاع غزة، وتركت وراءها وطنًا أصبح لا يتسع سوى للقتل والتعذيب؛ وذلك لتستكمل علاجها مثل عشرات آلاف الفلسطينيين/ات الذين عبروا خلال معبر رفح، ما بين مرضى، ومصابين/ات، ونازحين/ات، وأجانب، فهل يعودون؟ أم أنهم رضخوا وأُجبروا على مخطط التهجير الصهيوني، إما طوعًا أو كرهًا؟
لماذا هي حرب غير مسبوقة؟
ما يجعل هذه الحرب المُلقّبة بـ«طوفان الأقصى» مختلفة عن سابقتها، هي أنها أكثر تعقيدًا، يتألّف جوهرها من عدد الشهداءٍ غير المسبوق؛ فقد تخطّت الأرقام مجمل الحروب التي عاشها القطاع منذ 24 عامًا، حينما انطلقت الانتفاضة الثانية، بفارقٍ كبير، ما يجعل الأمر أصعب من أن يصدّقه عقل، وتتوالى الفظائع التي تُرتكب في حق أهل قطاع غزة، بعد أن سقطت العباءة عن الغول الصهيوني، وارتدّت إسرائيل إلى طَورها الأول.
كشفت الأرقام التي حصلنا عليها من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلّة، أن عدد الشهداء الذين قضوا في القطاع منذ عام 2000 حتى 2024، بلغ 53 ألفًا و450 شهيد.
وقمنا بمقارنة أعداد الشهداء في الحروب السابقة، بعدد الذين سقطوا خلال الحرب الجارية، أي خلال عام واحد فقط، وأوضحت الأرقام أن إجمالي عدد شهداء القطاع منذ عام 2000 حتى 2022، بلغ 11 ألفًا و541 شهيد، بينما بلغ عدد شهداء الحرب الحالية خلال عامي 2023 و2024 نحو 41 ألفًا و909، حتى يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد أن وصلت الحرب يومها الـ365، ما يعني عامًا بالتمام والكمال للعدوان على القطاع؛ ما يعني أن شهداء «طوفان الأقصى» بلغت نِسبتهم 78.4% من إجمالي عدد شهداء فلسطين خلال 24 عامًا.
ملحوظة: جمع مُعدا التحقيق في الرسم بين عامي 2023 و2024؛ وذلك لأن الموضوع قائم على رصد ما حدث خلال عام من الطوفان، من يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
«عهد بسيسو» طفلة بُترت قدمها على طاولة بسكين المطبخ وتتمنّى العودة
بالعودة إلى قصة الطفلة «عهد بسيسو»، المُلقّبة بـ«أيقونة الصبر»، ففي صباح يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، كانت الشابة «بسيسو» جالسةً في منزلها القاطن بالقطاع، بالقرب من مستشفى الشفاء، رفقة أسرتها، تبحث عن مكان تلتقط فيه شبكة لهاتفها المحمول، لتبعث برسالة لوالدها بإحدى الدول الأخرى، تطمئنه عن أحوالها، وأنها مازالت على قيد الحياة، واستقرّت في الطابق السادس، بجوار إحدى الشُرفات بالمطبخ، لمعت عيناها حينما نجحت في التقاط شبكة بسيطة لهاتفها، تسمع من خلالها صوت والدها، الذي لم تحادثه منذ أيامٍ طويلة، نتيجة انقطاع الاتصالات بشكل كامل داخل غزة، وطلبت من شقيقتها المكوث في الصالة خوفًا من مُباغتة الدبابات التي كانت تحيط بالمنزل، وأغلقت النافذة، وفي لحظة صمت الجميع، ولم تسمع الطفلة ذات الـ18 عامًا أي شيءٍ سوى طلقات مدافع الدبابات، التي قررت أن تقضي على أحلامها في لحظات.
استهدفت إحدى الدبابات شُرفة المنزل التي أغلقتها «بسيسو»، عندما لاحظ ضباط العدو الصهيوني شيئًا يتحرّك داخل المنزل، وأصيبت الفتاة بشظيّة في قدمها وكان معها في المنزل حينها عمها الطبيب هاني بسيسو، الذي ألقاها على طاولة الطعام، وبدأ في إجراء عملية جراحية لها بسكين الطعام لإنقاذ حياتها، دون استخدام أي مخدّر، وكانت أدوات العملية الجراحية هي اليود للتعقيم، وأقمشة المطبخ فقط، وقد سجّل هذه اللحظات الأليمة في فيديو حصلنا عليها.
تواصلنا مع نواف بسيسو أحد أقارب «عهد»، والذي أكد أنهت سافرت في 17 فبراير/ شباط 2024 عن طريق مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتركيب طرف صناعي، والاعتناء بقدمها الأخرى، التي عانت من تهتكات وكسور وجروح عميقة، وأيضًا الاعتناء بصحتها النفسية، بعد ما مرّت به من لحظات مرعبة، كما شدد على تعلّق قلبها بوطنها غزة، وانتظارها بفارغ الصبر أن تنتهي الحرب، لتعود إلى منزلها، حتى لو تم قصفه، وتأكيدها طوال الوقت أنها ستعيش على ركامه، حتى وإن تم تدميره بشكل كامل.
رحلة البحث عن القادمين/ات خلال معبر رفح
حالة عهد واحدة من بين أكثر من 96910 مصابًا، بعد عام كامل على بدء الحرب التي يشنّها العدو الصهيوني وفقًا لما أعلنته وزارة الإعلام الفلسطينية، بخلاف 10 آلاف مريض/ة سرطان يواجهون خطر الموت، و350 ألف مريض/ة مزمن مُعرّضون/ات للخطر بسبب عدم إدخال الأدوية.
توجّهنا أكثر من مرّة إلى معبر رفح، أقرب نقطة لقطاع غزة يمكن الذهاب إليها، نبحث في كل مكانٍ عن فلسطينيين/ات قادمين/ات من القطاع، سواءً مصابين/ات، أو مرضى، أو مرافقين/ات؛ لنبحث في أحوالهم/ن، ونعرف كيف كانت رحلة النجاة من الجحيم، فقد أجبر الاحتلال الصهيوني مئات المُصابين/ات والأهالي للخروج من القطاع، هربًا من لهيب نيران القصف الذي أكل الزعتر والزيتون، وترك غزة بلا رحمة.
وبعد محاولاتٍ كثيرة، نجحنا في الوصول إلى عددٍ من المُصابين/ات ومرافقيهم/ن، الذين توجّهوا لتلقّي العلاج في مستشفى العريش العام بشمال سيناء، والذين احتضنتهم/ن مصر، ووفّرت لهم/ن كل سُبل الحماية والرعاية.
شظيّة قذيفة صهيونية تعبر خلال رأس الطفل «أيوب غزة» المُصاب بالسرطان
خلال رحلتنا قابلنا الطفل أيوب يحيى أحمد النجار، الذي يبلغ من العُمر نحو 5 سنوات فقط، ابن مدينة خانيونس في قطاع غزة، كان له نصيبٌ من اسمه، وحمل من صفات سيدنا أيوب الصبر، وتحمّل ما لا يقدر عليه الكِبار، وظلّ متمسكًا بالحياة، فقد ظلّ «أيوب» على مدار سنواتٍ، يسافر إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية مرةً كل شهر، ويسير مسافات طويلة على الأقدام، يتحمّل فيها كل أنواع الضغط والإهانات من الاحتلال الصهيوني، ويجاهد ووالده أملًا في الحصول على جرعة علاج كيماوي.
لم يكن «أيوب» أكثر حظًا من جيرانه الذين قصفهم/ن الاحتلال، وأصيب بشظيّة قذيفة في رأسه جرّاء ذلك الاستهداف، ما عرّض حياته للخطر، خاصةً وأن إصابته كانت بالمخ، في المكان الذي أُجرى به عملية استئصال ورمٍ من قبل، ويعاني بسببها من مضاعفات منذ سنوات، وعاش والده لحظات من الرعب والقلق بشأن حياة نجله، حتى وصل إلى مصر.
«الكثير من منازل العائلة تم قصفها خلال الحرب، ومنزلي به نحو 120 من أقاربي»، هكذا قال والد الطفل «أيوب»، الذي أكد اشتياقه إلى وطنه غزة، وأنه لم يخرج سوى ليضمن لنجله الحياة، وليس هربًا من الحرب، وبعد التأكّد من تمام شفائه، وحصوله على آخر جرعة كيماوي، يتمنّى أن يفتح معبر رفح جناحيه له، ويعود إلى وطنه، حتى لو استمرّت الحرب ولم تتوقف.
الطفلة «إيمان أبوالريش» الناجية الوحيدة وشقيقها من أسرة كاملة
أما الطفلة إيمان أبو الريش التي قتل الاحتلال الصهيوني أحلامها وربما حياتها؛ والقابعة بمستشفى العريش العام بشمال سيناء، فهي الناجية الوحيدة وشقيقها من الأسرة كلها، بعد قصف منزلهما بقطاع غزة، فلم يعرفا أن جميع أفراد عائلتهما استشهدوا، إلا بعد أشهر من تلقّي العلاج الجسدي والنفسي.
لحظات قاسية عاشتها فاطمة خالد رشيد، وهي خالة ومرافقة الطفلة «إيمان»، التي لم تتوقع رد فعلها بعد أن عادت لها ذاكرتها التي فُقدت مؤقتًا نتيجة الصدمة، وأدركت أنها أصبحت وحيدة في الدنيا، وخسرت جميع أشقائها ووالديها في لمح البصر، والتي لا تتذكّر حتى أي تفاصيلٍ من الحرب؛ حيث انهارت الطفلة بشكل تدمع له القلوب، والتي أصبحت في احتياج شديد لتلقي الدعم النفسي.
قابلنا خلال رحلتنا فاطمة رشيد مرافقة الطفلة المُصابة، والتي كشفت لنا تفاصيل إصابتها؛ حيث عانت«إيمان» من تهتّك في الأمعاء، بالإضافة إلى نزيف في الكبد، ومياه على الرئة، وأيضًا كسور متفرقة بالجسد، بعد دخولها غيبوبة تخطت 20 يومًا، جرّاء قصف الاحتلال لمنزل أسرتها، الذي كان يسكنه فقط النساء والأطفال.
«الساعة كانت 12 منتصف الليل، والكهرباء مقطوعة، للحظة شعرنا وكأننا في منتصف النهار، ثانية واحدة أنارت السماء، وسقط صاروخ في منتصف المنزل، أودى بحياة الجميع، لم يتبقَ منهم سوى هذه الطفلة»، هكذا قالت فاطمة رشيد في حديثها لنا، والتي أكدت أن الطفلة «إيمان» مازالت تعاني من آثار صدمة، ظهرت على عينيها عندما أفاقت في العناية المُكثّفة، ولم تنطق كلمة واحدة وقتها، لا تعلم كيف كانت أمس في منزلها، واليوم داخل إحدى المستشفيات، وسط عشرات المصابين/ات والجرحى، في دولة أخرى.
الأمر شديد الصعوبة على «إيمان»، التي لم تعلم وقتها كيف تصارح الطفلة بحقيقة الوضع، فاضطرت إلى إخبارها أن أهلها جميعهم/ن مصابون/ات، حتى استعادت عافيتها وذاكرتها، وأصبحت قادرة قليلًا على استقبال خبر استشهادهم/ن جميعًا.
بعيون تملؤها الدموع، وبأيدي أتعبها الارتجاف، تمنّت «إيمان» العودة إلى قطاع غزة، والتي تحلّم أن تطمئن على أسرتها التي تقطّعت بهم السُبل داخل القطاع لأشهر طويلة، تبحث كل يومٍ في كشوف الشهداء، خوفًا من أن ترى أسمائهم/ن بينها، قائلة: «بِدنا نرجع نعيش في بيوتنا بأمان وسلام، بدناش نعيش في أي مكان تاني غير غزة».
«سليمان بربر» الذي فقد نحو ألفيّ شخص من أسرته
أما الغزيّ سليمان بربر لم يكن أكثر حظًا من الآخرين؛ حيث فقد نحو ألفين من أسرته الكبيرة خلال غارات جوية مختلفة على القطاع، وهو جد ومرافق الطفل وديع هاني أبونمر، بمستشفى العريش العام، الطفل الذي تعرّض لقصف وحشي في مدينة خان يونس بقطاع غزة، خلال توجهه لشراء الطعام لأسرته، وما لبث أن وضع قدميه على أعتاب المنزل، وقصف الاحتلال الصهيوني منزلًا مجاورًا له، ما تسبب في كسور متفرقة له بالقدم اليسرى، وحروق في الرأس والجسد.
كان وَقع الإصابة على الطفل «وديع» قاسيًا، وأصبح وضعه النفسي غير مستقرٍ، خاصةً بعد استشهاد نحو 50 شخصًا من جيرانه، في المنزل الذي قُصف بجواره، منهم/ن أصدقائه وصديقاته؛ فهو في الحقيقة طفل، ولكن لم يعشْ يومًا كأي طفلٍ في العالم، فقط شاهد الدمار واشتم الدماء.
بوجه يملؤه الحزن، وملامح كاد يرهقها الألم، كشف «بربر» عن الوضع في غزة قائلًا: «كنا بنمشي نلم لحم في كل مكان، شوفت ناس متعبيين في أكياس نايلون، وأغلبهم/ن أطفال، القصف يجعل المكان ضبابًا لأكثر من 500 مترًا، ويدمر ما لا يقل عن 10 بيوت في المرة الواحدة».
تمنّى «بربر» أن تنتهي الحرب حتى يعود إلى منزله، وإن كان مدمرًا، قائلًا: «بدّي أرجع داري، وقت ما يفتح معبر رفح بنرجع على غزة، واللي يصير يصير، حتى لو ما بلشّت الحرب تخلص، نقدرش نعيش بعيد عن وطننا».
هنا انتهت رحلتنا من أمام معبر رفح، ومن داخل مستشفى العريش العام، ربما ذهبنا وفي داخلنا بعض الأسئلة، ولكن عُدنا وقلوبنا مليئة بالحُزن أكثر من الإجابات، وفي النهاية، كان حديثنا مع المصابين/ات ومرافقيهم/ن بشمال سيناء يتذيّله رفضهم التام لفكرة البقاء خارج القطاع، ونيّتهم/ن العودة حتى وإن لم تنتهِ الحرب، حتى حاذت خيامهم/ن الحدود الفلسطينية المصرية، وافترشوا السور القاطع بين الجانبين، على بُعد أمتارٍ قليلة جدًا من الجانب المصري.
حتى هذه اللحظة، وبعد عام كامل على الحرب، لم يُسدل الستار عن آخر حلقات مسلسل نزوح أهالي قطاع غزة، وسط مخاوفٍ مصرية دائمة من نهاية درامية غير مُتوّقعة، خاصةً وأن خيام النازحين/ات حاذت الحدود طوال أشهر بشكل غير مسبوق، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو المصوّرة لأطفالٍ نجحوا في اختراق الحاجز، والعبور نحو الأراضي المصرية، والعودة مرة أخرى، وهو ما يثير القلق من خروج الأمور عن السيطرة في أي لحظة.
صور الأقمار الصناعية تكشف تغيير خيام النازحين/ات لشكل جغرافيا الحدود مع مصر
كشفت صور أقمار صناعية استعرضتها وكالة أنباء « أسوشيتد برس»، الفرق بين الشريط الغزيّ المصري، في بداية عام 2024، وخلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من ذات العام، فقط 10 أشهر كانت كفيلة لتغيّر ملامح المنطقة بشكل كامل؛ بسبب انتشار عشرات الآلاف من خيام النازحين/ات.
دفعت قوات الاحتلال، الفلسطينيين/ات للنزوح مرات عديدة داخل جنوب قطاع غزة، وسيّطرت بشكل كامل على الشريط الحدودي مع مصر؛ حيث أظهرت الصور التي نشرها موقع «بلانيت لابس بي بي سي Planet Labs PBC»، والتي التُقطت في الفترة بين 3 و11 مايو/ أيار 2024، تمهيد قوات الاحتلال طريقي إمداد لوجستي، الأول يصل موقع كرم أبو سالم العسكري بمعبر رفح البري، ويبعد مسافة 300 متر من محور فيلادلفيا، ويصل طوله إلى 3.5 كيلومترات، ويظهر اكتماله في الصور المُلتقطة بتاريخ 11 مايو/ أيار 2024.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية تجريف مناطق وشق طرق إمداد لوجستي من قِبل الجيش الإسرائيلي، على امتداد محور فيلادلفيا شرق معبر رفح، جنوبيّ قطاع غزة.
كما تُظهر الصور شق طريق ثانٍ يصل «قاعدة أميتاي» العسكرية إلى شمال رفح، وتوقفت أعمال التمهيد فيه منذ الثالث من مايو/ أيار 2024، بالإضافة إلى تجريف وتدمير الاحتلال الأراضي والمباني على مسافة 600 متر من محور فيلادلفيا.
وفي هذا الصدد أكد استطلاع رأي أعلن عنه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» -مستقل مقره رام الله- في 21 مارس/ آذار 2024، أن 70% من أفراد عيّنة استطلاعية بلغت 750 شخصًا في قطاع غزة، أكدت أنها لن تندفع هربًا باتجاه مصر، حتى بعد هجوم جيش الاحتلال على منطقة رفح، التي احتضنت نحو مليون ونصف المليون نازح/ة، قبل أن يفرّ نحو 450 ألفًا في شهر مايو، هربًا من تحذيرات الجيش الإسرائيلي.
كل يوم تولَد لدى مصر مخاوفٌ من شبح أصبح يطاردها في كل وقت، وهو «التهجير»، الذي أحاطه تضاربٌ في التصريحات من كل أطراف القضية، وكشفه أرقامٌ حصلنا عليها خلال عملية بحثٍ قمنا بها حول الأمر.
«نزوح داخلي» وفلسطينيون/ات يعيشون حالة العودة
يتقاسمون الصبر على البلاء، هكذا يعيش الفلسطينيون/ات في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقد وثّقت عدد من الفيديوهات الخاصة التي حصلنا عليها من أقصى جنوب مدينة رفح، كيف يعيشون في المخيّمات، رغم حالة النزوح الداخلي، ووسط كل هذه المعاناة، تقول سيدة فلسطينية من أمام موقد طعامها: «إحنا مع المقاومة»، بينما تهتف فتاة فلسطينية بابتسامة: «عايزين نرجع مدينة غزة».
أما عن تفاصيل الحياة اليومية للنازحين/ات داخل القطاع، فقد كشف تفاصيلها لنا في شهادة خاصة الدكتور محمد أبو مطر، وهو رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة الأزهر في قطاع غزة، والذي جاء إلى مصر هربًا من أهوال الحرب، ونجحنا في الوصول إليه.
الدكتور محمد أبو مطر في الأساس من سُكّان مدينة الزهراء، الذي فقد نحو 80 من أسرته بالحرب، وبعد استهداف مدينته نزح وعائلته مبكّرًا إلى مدينة رفح الفلسطينية، ونزل في مكان مساحته 120 مترًا، وكانوا يعيشون نحو 7 أفراد في كل غرفة، لا يوجد بها كهرباء، يستقبلون أعدادًا أخرى من النازحين/ات، سواءً من أفراد العائلة أو عائلات أخرى لا يعرفونها، وهو ما تسبب في إصابتهم/ن بالعديد من الأمراض المُعدية، سواءً جلدية، أو باطنية، أو معوية، وغير ذلك.
هل ينطبق لفظ «التهجير» على أهل غزة؟
يقول الدكتور محمد أبو مطر في حديثه لنا: «نحن يوميًا نعيش حالة العودة، كل يوم نتمنّى أن ينتهي هذا العدوان، وأن نعود إلى فلسطين، وأن نُعيد بناء ما دمره الاحتلال، حتى إن كان على خيمة على أنقاض منازلنا، وأولادي معي في مصر، لكنهم مرتبطون فكريًا ووجدانيًا بالوطن، فنحن لا نريد بناء مستقبلنا خارج فلسطين».
وتحدّث عن مخطط التهجير قائلًا: «التهجير يتطلّب وجود رغبة في أن يُهجّر الشخص، وهذه الرغبة ليست موجودة، حتى من خرج مُضطرًا للعلاج أو بسبب عوامل النزوح، فهو مُجبر، ما يعني أن هذا الإجبار ينتهي بانتهاء سببه، وبالتالي العودة حتمية لارتباط الفلسطينيين/ات بالأرض والوطن، ولأسباب تتعلّق بأننا كفلسطينيين/ات لا نرى أمامنا إلا الوطن، هذا ما تعوّدنا وتربيّنا عليه من آبائنا وأجدادنا».
وكشف «مطر» أن قطاع غزة لازال إقليمًا محتلًا؛ حيث يتحكّم الاحتلال في حركة الأفراد من وإلى خارج قطاع غزة، ويسيطر على الإقليم الجوي والبحري وكافة تفاصيل جوانب الحياة المتعلّقة بالجانب الاجتماعي والمدني في القطاع، حتى أن شهادات الميلاد وبطاقات التعريف الشخصية لا تزال دولة الاحتلال تتحكّم فيها.
وتابع: «الجنسية تُعرّف كونها رابطة ولاء سياسي وقانوني تجاه الدولة، نحن تخطيّنا هذا الولاء بالدماء، وبالتالي أجد أن هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة فالواقع في فلسطين هو الإجابة الحقيقية، أنه رغم وجود بقعة جغرافية مثل مدينة رفح بها نحو مليون أو مليون ونصف نازح، وهي لا تتسع لأكثر من 250 أو 300 ألفًا، ويوجد بها أضعاف الأضعاف ولا زالت الناس متمّسكة بالبقاء في الأرض، ما يعني أن أهل غزة لن يغادروا رغبتهم/ن في البقاء، ودائمًا سيظل لديهم/ن حُلم العودة إلى فلسطين».
إعلامية تركت غزة إلى القاهرة: «لن يتكرر سيناريو 48»
تركت غزة رغم تعلّقها بتراب الوطن، الإعلامية منى عوكل مراسل قناة القاهرة الإخبارية التي سافرت عبر معبر رفح إلى القاهرة، هربًا من جحيم النيران، تؤكد تمسّكها بأرضها، رغم أن القطاع عاد نحو 50 عامًا إلى الوراء.
قالت في حديثها لنا: «رغم أنني تركت وطني مؤقتًا إلا أنني لديّ رفض تام لمخطط التهجير، نحن شعب مرتبط بوطنه، قضيتنا عمرها سنوات طويلة، هناك مستوى وعي بالقضية كبير».
ودلّلت على كلامها بأن قبل عملية طوفان الأقصى الأخيرة، وما تبعها من أحداث وتطوّرات، فإن قطاع غزة على مدار 18 سنة الأخيرة كان يمر كل عامين أو ثلاثة أعوام بجولة تصعيد أو حرب، ورغم ذلك يصمد الغزيّون؛ لأن لديهم قناعة تامّة أن هذه أرضهم/ن وبلدهم/ن، ولن يستطيعوا الشعور بالانتماء لأي مكان آخر، وبالتالي هُجّروا عام 1948، مشددةً على أن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى.
وشرحت «عوكل» جانبًا من أسباب رفض التهجير القسري، وهو الوعي الكبير لدى الشعب الفلسطيني بالمخطط، وهو ما يجعل الجميع يتمسّك بوجوده، وواصلت: «نحن نتحدّث عن مجتمع مترابط، وعائلات ممتدة، وبالتالي لديهم/ن أسلوبهم/ن في الحياة، وانتمائهم/ن الخاص، سواءً للوطن أو البيئة، كم سنة تعاني غزة من انقطاع التيار الكهربائي؟ ولكن شهدنا تعايشًا مع هذا الأمر، لدينا قدرة تعايش لن يتخيّلها أحد، كما أن أعداد كبيرة من سُكّان غزة من الذين عادوا بعد اتفاقية أوسلو، جرّبوا الوجود خارج الوطن والتشتت بالخارج، وبالتالي فإن العودة للوطن هو حُلم حتى لا أشعر أنني مُستضاف في أي بلد آخر».
إحصاءات خاصة بعدد النازحين
وعلى الرغم من تأكيد أهل قطاع غزة بشكل عام والشهادات الحيّة التي حصلنا عليها بشكل خاص، على رفضهم/ن لمخطط التهجير خارج القطاع، إلا أن الأرقام والإحصاءات الخاصة بالخروج من معبر رفح، قد تؤكد هذا الإصرار، أو ربما يكون لها رأي آخر، وهو ما يحاول هذا التحقيق البحث عنه، وإجراء قراءة في أرقام رسمية حصلنا عليها من مصادر متعددة -تم التأكّد منها من خلال أكثر من جهة- مقابل شهادات حيّة وموثّقة تحدّثت معنا، سواءً جرحى، أو نازحين/ات، أو مسؤولين/ات.
تواصلنا خلال رحلتنا مع لؤي شحادة وكيل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لشؤون التخطيط والتطوير والعلاقات الدولية، والذي بدوره نفى وجود أي إحصاءات رسمية دقيقة لدى الدولة، بعدد النازحين/ات الذين خرجوا/ن من فلسطين منذ بدء طوفان الأقصى؛ وذلك لأنها تُعتبر بيانات سجلات إدارية، يتم الحصول عليها من الجهات المختصّة، سواءً الفلسطينية أو المصرية، مثل هيئة المعابر والحدود، ويصعب معرفتها.
وقال في تصريح خاص، إن كل من خرج من قطاع غزة أو عن طريق معبر رفح ليس بالضرورة مهاجر أو نازح؛ فهناك من يخرج لأغراض العلاج ويعود مرة أخرى، أو لزيارة الأهل، أو التعليم، مضيفًا: «الفلسطيني الصامد في أرضه لا يترك وطنه أبدًا، إذا خرج من أرضه يموت، وكل الفلسطينيين/ات رغبتهم/ن الحقيقية في البقاء بأرضهم/ن، والموت فيها».
بحثنا في 3 جهات مختلفة، وحصلنا بشكل خاص على إجمالي عدد الذين خرجوا/ن من قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى 5 مايو 2024، وتبيّن من هذا الإحصائيات ما يلي:
- إجمالي عدد الخارجين/ات من غزة نحو 73 ألفًا، وهو ما يمثّل نسبة 3.5% من عدد أهالي القطاع الذي يناهز المليونين.
- تقارب عدد الذين خرجوا في كل شهر من الشهور السبعة، ما بين 10 إلى 12 ألفًا.
- نِسبة النازحين/ات مُقارنة بباقي الفئات هي الأكثر، وتناهز 62%، يليه حاملي/ات الجنسيات، ثم المصابين/ات، فالمرافقين/ات.
- شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الذي حدثت فيه الهدنة هو الأقل نزوحًا على الإطلاق، مقابل الأجانب الأكثر خروجًا؛ حيث تجاوز عددهم 9500 أجنبيًا، وما يفسّر ذلك، أن أغلبهم/ن كانوا يعملون في مؤسسات دولية في قطاع غزة، وتم إجلاؤهم/ن خلال هذه الفترة.
جديرًا بالذكر أن الخروج من غزة مرتبط بمعايير، أهمها دفع مصروفات أو رسوم العبور من معبر رفح، فضلًا عن التنسيقات الأمنية التي لها شروط، منها ما يتعلّق بالسن المسموح لهم/ن بالخروج من القطاع عبر المنفذ المصري الوحيد لهم/ن.
اللافت بالنسبة لنا خلال رحلة البحث في تلك الأرقام، هو خروج عائلات كاملة من قطاع غزة، وذلك عن طريق تنسيق إحدى الشركات الخاصة؛ فرصدنا خروج أكثر من 100 شخص لعائلة «المصري» وحدها، وأكثر من 80 فرد لعائلة «الأغا» فقط، بالإضافة إلى عائلات أخرى سارت بنفس الشكل، إما خرجت في شكل جماعي مرة واحدة، أو خرجت في مجموعات مُقسّمة على أكثر من مرحلة ودُفعة، وكشف لنا ذلك الأسماء التي تضمّنتها كشوف تنسيقات المعبر اليومية، التي حصلنا عليها.
السفير الفلسطيني يحلل الإحصائيات
طرحنا هذه الإحصائيات في مقابلة مع السفير دياب اللوح، سفير دولة فلسطين لدى مصر، والذي أكد الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي، برفض مخطط التهجير، سواءً القسري أو الطوعي، وإفراغ الأرض من سُكّانها في الضفة، وغزة، والقدس، خاصةً في ظل الحرب على أهل غزة، كما كان مُخططًا له في السابق.
واستنكر السفير دفع الناس باتجاه النزوح والهجرة والسفر، وترك قطاع غزة، مُعتبرًا أن هذا يتناقض مع الاتفاقيات الدولية، خاصةً اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على المحتل نقل السُكّان من منطقة إلى أخرى داخل الأراضي المحتلّة، متسائلًا: «ما بالك أن إسرائيل تريد دفع الناس إلى الهجرة ومغادرة قطاع غزة وفلسطين؟».
وكشف «اللوح» عودة نحو 2000 فلسطيني/ة إلى قطاع غزة من مصر عبر معبر رفح في الهدنة الأولى، التي حصلت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 لمدة 7 أيام، بعد ذلك أعداد بسيطة ربما واحد أو إثنين أو عشرين حسب حاجة المواطنين/ات، واصفًا هذا بأنه مؤشّر إيجابي، ودليل حيّ على أن المواطن الفلسطيني متمسّك بالبقاء على أرضه، ويعود إلى وطنه حال سمحت الفرصة بذلك.
وأكد «اللوح» أن من غادر قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، نحو 50 إلى 60 ألفًا، وذلك مجرّد تقديرات، في ظل عدم وجود إحصائية دقيقة، ونِسبة الذين خرجوا قياسًا لعدد سُكّان قطاع غزة، يمثّلون 5% على أقصى تقدير، لافتًا إلى أنه رقم ليس كبيرًا؛ ففي الوضع الطبيعي كان يغادر قطاع غزة يوميًا نحو 1000 مواطن/ة فلسطيني/ة، فهناك احتياجات طبيعية للشعب للسفر، ومصر هي النافذة الوحيدة لقطاع غزة على العالم.
وتابع: «لدينا إحصائية قبل الحرب، تقول إنه على مدار عام 2023 وقبل الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عدد الذين عادوا إلى غزة 50 ألفًا، وهم أكثر من الذين خرجوا في تلك الفترة، بمعنى أنه ليس كل من يخرج لا يعود، هناك مواطنين/ات أصحاب مصالح، وأعمال، وطلبة، بحاجة للبقاء خارج قطاع غزة، ومن يُنهي أعماله يعود إلى القطاع مرة أخرى، الخروج من غزة كان أقل من العودة».
وعلّق السفير الفلسطيني على نِسبة النازحين/ات الذين يمثّلون نحو 80% من إجمالي الذين خرجوا من القطاع، منذ بدء طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث قال: «هذا أمر طبيعي ولا يُعتبر نزوح؛ لأن عدد كبير من أهالي قطاع غزة لهم ارتباطات عائلية ولهم/ن مصالح في مصر، وغالبيتهم/ن موجودين/ات في مصر، وأعداد قليلة جدًا التي غادرت مصر فهم فقط حَمَلة الجنسيات الأجنبية أو مزدوجي الجنسية، وليس لهذه النسبة علاقة بأن المواطن الفلسطيني موافق على الخروج بشكل دائم، فأنا أتلقّى عشرات الاتصالات اليومية من الذين خرجوا، ينتظرون بشغف هُندة جديدة أو إنهاء الحرب، للعودة إلى قطاع غزة مرة أخرى، وأعداد كبيرة من الموجودين/ات في مصر سوف يعودون إلى غزة، ومن يريد أن يسافر إلى دول أخرى فهم عشرات، بحُكم ارتباطات ومصالح خاصة بهم/ن».
وكشف السفير الفلسطيني عن نزوح نحو مليون ونصف فلسطيني/ة قسرًا من مدينة غزة والشمال إلى رفح، ثم نزح نحو 450 ألفًا من رفح إلى خانيونس والوسط، وإذا ما حدثت هدنة أو توقفت الحرب، وسُمح لهم/ن بالعودة، سيعودون إلى منازلهم/ن المُدمرة، متابعًا: «هم يريدون العودة إلى منازلهم/ن رغم أنهم في رفح وخانيونس التابعان لقطاع غزة، هل تعتقدون أنهم لن يعودوا إذا خرجوا من القطاع بشكل كامل؟ هناك إرادة وعزيمة وإصرار بعدم تكرار ما حدث عام 1948، والبقاء على الأرض حتى لو كلّفهم الثمن حياتهم/ن، من اكتوى بنار النكبة، واللجوء، والتشرّد، والتشتيت في دول عديدة، لن يكرر الأمر تارةً أخرى».
إغلاق معبر رفح
انتظروا طويلًا يحلُمون أن يفتح معبر رفح ذراعيه لهم/ن، آملين أن يكون للحياة بقيّة، ولكن كان للاحتلال الصهيوني رأي آخر؛ ففي آخر إحصائية عن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، يوم 17 يوليو/تموز 2024، حُرم أكثر من 3500 مريض/ة وجريح/ة من السفر لتلقّي العلاج في مستشفيات خارج قطاع غزة، بالإضافة إلى وجود 25 ألف طلب تحويلة مُسجّلة لدى وزارة الصحة -حتى ذلك التاريخ- تحت بند السفر لتلقي العلاج في الخارج، غير أن إغلاق معبر رفح يحرم هؤلاء من السفر للعلاج، ما يهدد بقاءهم على قيد الحياة.
وفي ذلك التاريخ، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي أن 292 فلسطينيًا/ةً استشهدوا متأثرين بجراحهم/ن، نتيجة عدم سفرهم/ن لتلقّي العلاج في الخارج، بسبب إغلاق الاحتلال معبر رفح البري، وتدميره بشكل كامل، وتعطيل كل إجراءات السفر للعلاج.
هل أُجبر أهل غزة على التهجير القسري؟
أظلمت الدنيا في سبت الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، ولم تشرق شمس صباح الأحد حتى اليوم، مشاهد وكأنها من أهوال يوم القيامة، يعيشها أهل غزة في كل دقيقة، تدنو فيها الشمس كل لحظة، وتقترب رؤوسهم من أن تُحرق بلهيبها، ولكن هذا لهيب صواريخ ونيران الكيان الصهيوني.
بدلًا من أن ينثر الصباح نسماته، بات ينثر شظايا الصواريخ التي ظلّ يُطلقها الاحتلال على منازل الآمنين/ات، والتي خلّفت وراءها عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين/ات، ومئات آلاف النازحين/ات، وسط صرخات تنطلق من القطاع، تطير نحو معبر رفح، الذي كان في بعض الأحيان كابوسًا، وفي حين آخر شريان الحياة المتخثّر للفلسطينيين/ات.
توقّف الزمان منذ هذا الوقت، ولم تعد عقارب الساعة إلى مكانها أبدًا، كل شيء سقط في غزة، البشر، والشجر، والحجر، ولا أصوات هنا سوى حشرجات الموت التي تُسمع كل دقيقة، ولا تشم أنفك سوى رائحة الدماء، هنا فقط يمكن أن ترى كل أشكال التعذيب والقتل.
وأخيرًا.. هل تعود عهد بسيسو التي تتلقّى علاجها في أمريكا حتى الآن إلى غزة؟ أم يبترها الاحتلال من أرضها، والذي نجح في بتر قدّمها بشكل كامل، وذلك تنفيذًا لمخطط يُسمى «التهجير»؟