قصة أهل الكهف.. رحلة الإيمان والغموض عبر الزمن
تعتبر قصة أهل الكهف أكثر قصص القرآن التي حازت على اهتمام الكثيرين على مر العصور، وهي قصة تمثل نموذجًا للإيمان الراسخ بالله والثبات على الحق في مواجهة الفتن والطغيان، وتحمل القصة في طياتها العديد من الدروس والعبر التي تفيد المؤمنين في مختلف الأزمنة.
قصة أهل الكهف
ذكر القرآن الكريم قصة أهل الفتية في سورة الكهف، عند قوله تعالى: “أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا”.
قصة أصحاب الكهف في القرآن الكريم
بدأت القصة بمجموعة من الفتية كانوا يعيشون في مدينة يحكمها ملك ظالم يجبر الناس على عبادة الأصنام واتباع ديانات باطلة، ويفرض عليهم تقديم القرابين والذبائح لهذه الأصنام، وكان يعاقب أي شخص يعبد الله عز وجل، حيث كان يقوم بإخضاع المؤمنين لأشد أنواع التعذيب، ويضعهم في السجن مع أسد جائع.
وفي أحد الأيام، خرج أهل المدينة للاحتفال بعيد من أعيادهم، وشاركهم الفتية السبعة الذين لم تعجبهم هذه الاحتفالات، وبينما كانوا يشاهدون قومهم وهم يعبدون الأصنام، ألقى الله في قلوبهم نور الإيمان، ورغم كونهم من سادة القوم إلا أنهم قرروا الابتعاد عن هذه الاحتفالات، فجلسوا بعيدًا تحت شجرة وبدأوا يكشفون عن إيمانهم وعما يشعرون به تجاه عبادة الأصنام.
اجتمع الفتية السبعة وتشاركوا مخاوفهم وأفكارهم، قال أحدهم: "لقد أخرجنا من قومنا إلى هنا لسبب، لنصارح بعضنا بعضًا"، ووافق الجميع على هذا الرأي وأعلنوا إيمانهم بالله وحده ورفضهم لعبادة الأصنام، معتبرين أن عبادة أي شيء سواه باطل، واختاروا مكانًا بعيدًا عن أعين قومهم ليعبدوا الله فيه في سلام.
لكن أخبار إيمانهم وصلت إلى الملك الظالم، فأرسل أحد جنوده للقبض عليهم، فخاف الفتية أن يلقوا مصير الذين سبقوهم ولكنهم تمسكوا بإيمانهم وواجهوا الملك بشجاعة ودعوه لعبادة الله، قال تعالى: "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططا".
الهروب إلى الكهف
غضب الملك من ردهم وأمر بنزع ملابسهم الزينة لكنه أعطاهم فرصة ليعيدوا التفكير، فاستغل الفتية هذه الفرصة وقرروا الهرب من مدينتهم واتجهوا إلى الجبل ليختبئوا في كهف، وطلبوا من الله رحمته، فاستجاب الله لهم وأمر الشمس أن لا تؤذيهم فكانت تميل عنهم عند الظهيرة.
ونام الفتية في الكهف نومة طويلة، حيث يظن الناظر إليهم أنهم مستيقظون بينما كانوا في غفوة عميقة، وظل الله يحفظهم إذ كانوا يتبدلون من جهة إلى أخرى لتجنب أذى الأرض ومعهم كلبهم الذي جلس على باب الكهف يحرسهم، واستمر نومهم ثلاثمائة وتسع سنوات.
وبعد هذه المدة الطويلة، بعثهم الله من نومهم واستيقظوا يشعرون بالتعب وتساءلوا عن مدة مكوثهم في الكهف، فسأل أحدهم: "كم لبثتم؟" فردوا: "لبثنا يومًا أو بعض يوم" معتقدين أنهم ناموا لبضعة أيام فقط.
أراد الفتية أن يعرفوا عن الطعام، فأشار أحدهم بإرسال شخص لشراء الطعام قال تعالى: "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة"، ودعوه أن يكون حذرًا عند دخوله المدينة حتى لا يشعر به أحد، خوفًا من أن يظهر عليهم الملك ويعيدهم إلى دينهم.
ذهب أحد الفتية إلى المدينة، لكنه تفاجأ بالتغييرات الكبيرة التي حدثت، وكان الجميع يتحدث عن الملك الجديد وأخبره أحد الباعة أن الملك دقيانوس توفى منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، فتعجب الشاب من هذا الخبر وتجمهر الناس حوله وأخذوه إلى الملك الجديد ليخبره بما حدث.
وعندما سمع الملك الجديد قصتهم، اعتز بهم وفخر بإيمانهم وتركهم ليعودوا إلى كهفهم حيث ماتوا فيه، وقرر الملك بناء مسجد على أنقاض كهفهم، لتكون قصتهم منارة للإيمان عبر الأزمان تذكّر الجميع بوجوب التمسك بدين الله وحده.