أحمد عبد الوهاب: في اليوم العالمي للسلام "السلام عليكم: كلمتان تبنيان الإنسان"
خلال مسيرتي في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، أطلقت دورات مجانية لزملائي الألمان لتعلم اللغة العربية. نبدأ بالتعريف بالنفس والتحيات العربية، وأبرزها تحية الإسلام "السلام عليكم". وكما نعلم، لا يمكن فصل اللغة عن ثقافتها، لذا أحرص على تقديم شرح لغوي وثقافي غني لمعاني هذه التحية. ومع الاستفاضة في شرح معنى "السلام عليكم"، أرى دهشة زملائي الألمان في كل مرة يكتشفون فيها العمق وراء معانيها، حتى أن إحدى زميلاتي قالت ذات مرة: "هذه ليست مجرد كلمات، إنها منهاج حياة، أفضل تحية سمعتها في حياتي."
وزميلتي محقة تمام؛ "فالسلام عليكم" تعني ببساطة: أرجو لك السلام والطمأنينة والأمان. فهي ليست مجرد تحية عابرة، بل فلسفة حياتية متكاملة، وإذا طُبّقت بشكل صحيح، يمكن أن تكون أساسًا لنشر قيم إنسانية وأخلاقية مثل السلام، والتعاون، والتراحم في جميع مجالات حياتنا.
السلام عليكم: دعوة للتراحم ووقاية من التنمر
عندما نستخدم "السلام عليكم" بصدق في تعاملاتنا، نفتح بابًا للتراحم والمودة بيننا، سواء في حياتنا اليومية أو في بيئات العمل. تحمل هذه التحية رسالة مفعمة بالسلام تمنع الإساءة أو التنمر، إذ إن من يرجو السلام للآخرين لا يمكن أن يكون سببًا في أذيتهم أو إحباطهم.
السلام عليكم: جسر للأمان وبناء الثقة
عندما يبدأ الإنسان بالتواصل مع الآخرين بهذه التحية الرائعة، فإنه يبني جسورًا للتواصل والأمان، حتى في أصعب المواقف. هذه العبارة البسيطة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي رسالة عميقة تلامس القلوب وتعزز الأمان والطمأنينة. لننظر إلى بعض الأمثلة من حياتنا اليومية التي توضح هذا المعنى:
1. في المواقف الصعبة مع الغرباء: إذا وجدت نفسك في موقف متوتر مع شخص غريب في مكان عام، وبدأتما الحديث بـ "السلام عليكم"، سيشعر كلاكما بالارتياح. تلك الكلمات تذيب الجليد وتخفف التوتر، مما يسهل التعامل بروح إيجابية.
2. دعم زميل جديد في العمل: عندما تساعد زميلًا جديدًا في التغلب على توتره في أولى أيامه في العمل، فإنك تقدم له دعمًا نفسيًا، وتزرع في قلبه الطمأنينة والسكينة.، والسلام الداخلي.وهذا هو المعنى الحقيقي لتحية "السلام عليكم"، حتى وإن لم تنطقها
3. توجيه خريج جديد: عندما تشارك خريجًا جديدًا بعضًا من خبراتك لتساعده في بداية مشواره المهني، فأنت تمنحه السلام الداخلي. كلنا كنا نبحث في بداياتنا عن من يأخذ بأيدينا، وهذه اليد الممدودة للمساعدة هي المعنى الحقيقي لتحية "السلام عليكم"، حتى وإن لم تنطقها
4. إشاعة السلام مع من لا يشاركك الثقافة أو الدين: عندما تلقي "السلام عليكم" على شخص لا يشاركك ثقافتك أو دينك، فإنك ترسل له رسالة واضحة بأنه في أمان منك، وأنه لن يتعرض لأي تهديد. في عالم مليء بالأحكام المسبقة، هذه التحية تعكس السلام الحقيقي. تخيلوا الأثر العميق الذي يمكن أن تحدثه تلك الكلمات في تقليل الخوف والقلق، وتقديم شعور بالأمان لمن حولك.
السلام عليكم: إن لم تنفعه فلا تضره
وإذا كانت نيتي أن أنشر السلام وأرعى الطمأنينة فيمن حولي، فسأقدم العون لمن يحتاجه، أو على الأقل، سأمتنع عن إيذائه.كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لم تنفعه فلا تضره"، وهي قاعدة ذهبية تجعل من تحية "السلام عليكم" أكثر بكثير من مجرد تحية عابرة، بل هي دعوة للسلام، للأمان، وللبناء. إنها جسر بين القلوب، وسلامة من المخاطر النفسية والاجتماعية، وهو ما نحتاجه في عالمنا اليوم.
السلام عليكم: تحية لكل مكان وزمان
تأملت لماذا لا تُحدد "السلام عليكم" بوقت معين مثل "صباح الخير" أو "مساء الخير"، ووجدت أن السلام لا يجب أن يكون محدودًا بوقت أو مناسبة. إنها دعوة دائمة للسلام والأمان في كل لحظة من اليوم، وفي أي مكان، وفي كل حالة من حالات الحياة، سواء في السرّاء أو الضرّاء. لهذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام بيننا، لأن ذلك يزيد من المحبة ويقلل من الخلافات: "أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
السلام عليكم: منهاج لبناء عالم يبحث عن السلام
في يوم السلام العالمي، الموافق 21 سبتمبر، لا أجد أفضل من تحية الإسلام "السلام عليكم" لتكون بمعانيها منهاجًا لبناء عالم أكثر استقرارًا وسلامًا وبناء إنسان سوي. لنأخذ هذه التحية كرمز للتواصل الإيجابي بين الجميع، ولتكن دليلًا لنا في بناء جسور الأمان والتفاهم وتربية أولادنا. دمتم سالمين آمنين مطمئنين!