قس ينتزع إعجاب الناخبين في طوابير "الاستفتاء"

قس ينتزع إعجاب الناخبين
قس ينتزع إعجاب الناخبين في طوابير "الاستفتاء"


لم يكد ينضم لصفوف الناخبين بزيه الأسود وعمامته السوداء، وعلامة الصليب، حتى ارتفعت أصوات الناخبين في طابور الاقتراع مرددة «مسلم ومسيحي يد واحدة».. لكن الشعار الذي دشنه المصريون إبان ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي، واستعادوه بقوة خلال مظاهرات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، كان له أمس وقع آخر، فبدا وكأنه رسالة اعتذار غير مباشرة عن أعمال تخريب وحرق، طالت العديد من الكنائس وخلفت عشرات القتلى والمصابين، بهدف تأجيج نار الفتنة الطائفية في المجتمع.

استقبل القس ميخائيل ورفاقه الهتاف بابتسامة حانية، وصافح عددا كبيرا من الناخبين الواقفين في الطابور، رافضا إلحاح البعض في أن يتقدم الصف وأصر على أن يأخذ دوره الطبيعي، وقال مداعبا الجميع «أنا صحتي زي الفل، طول ما الروح الحلوة موجودة وتظللني من إخوتي المسلمين.. ربنا يحرسكم ويحرس مصر».

المشهد الأخوي الذي شهدته «الشرق الأوسط»، صباح أمس في لجنة مدرسة عباس العقاد بضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة) ولاحظته تقارير محلية في لجان الاقتراع بالأقاليم، أغرى الكثير من الشباب المسلمين بالتقاط صور تذكارية مع أصدقائهم المسيحيين، رافعين علامة النصر، وهم يهتفون «مسلم ومسيحي يد واحدة» و«لا.. للإرهاب» و«الجيش والشرطة والشعب يد واحدة».

جوزيف عاطف، وهو طالب بكلية الطب، من أمام إحدى اللجان بمدرسة نبوية موسي بالمنطقة يقول: «نزول جميع طوائف الشعب المصري اليوم هو تحد واضح للإرهاب ولمن سرقوا بلادنا، وأعتقد أن مبدأ قياس الوطنية بالديانة انتهى مع ثورة 30 يونيو (حزيران) التي انطلقت العام الماضي، وأنهت حكم الإخوان الإرهابيين، ووثق الدستور كل هذا بواقعية شديدة».

ويضيف جوزيف وهو يتأمل صديقه أحمد الواقف خلفه في الصف: «أصبح المبدأ الأساسي الآن هو أننا جميعا مصريون يجمعنا وطن واحد وهدف واحد، هو بناء مصرنا الحبيبة وعودة الهدوء والاستقرار إليها، وإقرار الدستور في رأيي هو أولى خطوات الاستقرار وبناء الوطن».

وكان لافتا حرص رجال الدين المسيحي على الوجود مع ساعات الصباح الأولى لحث المواطنين على التصويت بـ«نعم»، مشددين على أهمية التلاحم الوطني في هذا الظرف الصعب، والتوحد لإعلاء مصلحة الوطن فوق كل شيء، وهو ما أدى إلى استجابة سريعة ظهرت مع مؤشرات التصويت الأولى الخاصة بالناخبين، الذين خرجوا من اللجان رافعين علامة النصر في إشارة واضحة للتصويت الإيجابي.

تعبر عن ذلك نسرين جمال (31 سنة)، وهي مهندسة، بقولها: «أنا سعيدة بالاستفتاء على الدستور، والذي تحول إلى عرس وطني حقيقي، لكن سعادتي لا توصف بنسبة التصويت الكاسحة بـ(نعم) التي رصدتها خلال أحاديثي مع الكثير من المواطنين من كل الطوائف، المسلمين والمسيحيين».

وتضيف نسرين بروح متفائلة «إقرار وثيقة الدستور ليس فقط ضربة قاضية للإخوان وأتباعهم، وإنما لكل أعداء مصر في الداخل والخارج».

وفي إحدى اللجان لفت أنظار الناخبين مشهد أحد رجال الدين المسيحيين وهو يساعد امرأة محجبة مسنة على العبور لداخل اللجنة في حماية قوات الجيش. وليد حنا (46 سنة)، موظف بأحد البنوك، يعلق على هذا المشهد قائلا: «هذا المشهد الإنساني النبيل وغيره كثير، في ثاني وآخر أيام الاستفتاء على الدستور هو خير دليل على وحدة نسيج الشعب المصري الذي لم ولن يستطيع أحد أن يفرق بين أبنائه».

ويضيف حنا: «أيضا تؤكد طوابير الناخبين الطويلة العريضة أن الشعب المصري بجميع فئاته وطبقاته وانتماءاته لم ترهبه محاولات نشر الفزع والتخويف من الذهاب للجان الانتخابية لإفشال أول استحقاق سياسي بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) العام الماضي». ويرفع يده بالدعاء، قائلا: «اللهم احفظ الله مصر وجمع أبناءها على حب الوطن الواحد.. آمين».