دكتور مصطفي ثابت يكتب.. الاختلافات الفقهية حول الاحتفال بالمولد النبوي
يُعدُّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من القضايا التي تثير نقاشًا فقهيًا مستمرًا بين علماء المسلمين، حيث انقسمت الآراء بين مؤيدين للاحتفال ومعارضين له. يتمحور هذا النقاش حول الأسس الفقهية والأدلة الشرعية التي تستند إليها كل جهة في تفسيرها لهذه القضية.
الرأي المؤيد للاحتفال بالمولد النبوي:
يرى العديد من العلماء والمؤيدين أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة أو محرمًا، بل هو تعبير عن محبة النبي محمد ﷺ وتقدير لرسالته العظيمة. ومن هؤلاء العلماء، الإمام السيوطي والإمام ابن حجر العسقلاني وغيرهم من الفقهاء الذين أشاروا إلى أن إحياء ذكرى المولد النبوي يدخل في إطار “البدعة الحسنة” التي ترسخ حب النبي وتزيد من ارتباط المسلمين بسيرته العطرة.
يستدل هؤلاء بآية: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” (يونس: 58)، حيث يُرون أن ولادة النبي ﷺ هي من أعظم نعم الله على البشرية، وبالتالي فإن الفرح بها من باب شكر النعمة. كما يستشهدون بأن النبي نفسه كان يصوم يوم الاثنين لأنه يوم وُلد فيه، ما يُعزز من فكرة أن إحياء ذكرى ميلاده يمكن أن يكون مشروعًا.
الرأي المعارض للاحتفال بالمولد النبوي:
على الجهة الأخرى، يرى عدد من العلماء أن الاحتفال بالمولد النبوي يُعد من البدع التي لم تكن موجودة في عصر النبي ﷺ ولا الخلفاء الراشدين. يستند هؤلاء إلى الحديث النبوي الشريف: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (رواه البخاري ومسلم)، أي أن أي إضافة إلى الدين لم تكن موجودة في عهد النبي ﷺ تُعتبر بدعة غير مقبولة.
من أبرز العلماء الذين اعترضوا على الاحتفال بالمولد النبوي ابن تيمية والإمام ابن باز، حيث يعتبرون أن أي عمل غير مسنون يجب أن يُرفض، حتى وإن كانت نية صاحبه حسنة. ويؤكدون أن الاحتفالات الدينية يجب أن تكون وفق السنة النبوية وألا تُبتكر عبادات جديدة.
التوازن الفقهي:
بناءً على هذا التباين، تتجه بعض الأصوات الوسطية إلى التأكيد على أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بذاته عبادة مقررة في الدين، ولكنه عمل اجتماعي وثقافي يرتبط بالتذكير بالسيرة النبوية والمبادئ الإسلامية، شريطة أن يخلو من المخالفات الشرعية مثل التفاخر أو الإسراف.
يرى هؤلاء أن ما يقع في دائرة العادات يجب أن يُنظر إليه بما يُحقق مصلحة المجتمع ويُعزز من القيم الإسلامية، دون الابتعاد عن الثوابت الدينية. في هذا السياق، يمكن إدراج الاحتفالات ضمن ما يُعرف بـ”المصالح المرسلة”، وهي أعمال لم ينص عليها الشرع ولكنها تُقرُّ إذا كانت في مصلحة المسلمين ولا تخالف تعاليم الدين.
يبقى الجدل الفقهي حول الاحتفال بالمولد النبوي قائمًا، بين من يراه تعبيرًا عن حب النبي ﷺ ومن يعتبره من البدع غير المشروعة. وفي ظل هذا التباين، من المهم أن يظل الحوار الفقهي قائمًا على أسس علمية ومنطقية، مع احترام وجهات النظر المختلفة، حيث يُعد التنوع الفقهي سمة من سمات الشريعة الإسلامية التي تعطي فسحة للتعددية بما يتفق مع مقاصد الشريعة وحاجات المجتمع المسلم.