دكتور مصطفي ثابت يكتب: الفتاوى الجدلية وتضييع الأولويات.. تربية القطط وتحريمها نموذجًا
في وقت يعيش فيه العالم، خصوصًا إقليمنا العربي، أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة، يظهر بين الحين والآخر من يُصدر فتاوى تتعلق بمسائل هامشية وغير هامة، مما يثير جدلًا واسعًا ويُشغل الرأي العام بقضايا ثانوية لا تمس جوهر التحديات الكبرى التي تواجه الأمة. من بين هذه الفتاوى تلك التي تُحرم تربية القطط، وهي فتوى أثارت الكثير من التساؤلات والانتقادات.
يطرح هذا الموضوع تساؤلًا كبيرًا حول مفهوم "فقه الأولويات"، وهو المفهوم الذي يُعنى بترتيب الأولويات في الفقه الإسلامي بما يتناسب مع احتياجات الناس والمجتمع وظروف الزمان والمكان. في ظل الأوضاع الراهنة التي تتطلب توجيه الجهود نحو قضايا كبرى مثل مواجهة الفقر، والبطالة، والجهل، والإرهاب، يُصبح من الضروري أن يوجه العلماء والدعاة تركيزهم نحو القضايا التي تعالج هذه المشكلات الجوهرية وتُسهم في تقدم المجتمع واستقراره.
إن التحدث عن تحريم تربية القطط في هذا السياق يُعتبر إهدارًا للوقت والجهد، وتشتيتًا لانتباه الناس عن القضايا الأكثر أهمية وإلحاحًا. فقد أصبحت هذه الفتاوى تثير الشكوك حول دور بعض الفقهاء في قيادة المجتمعات نحو النهوض والتطور، بل وتحولت إلى مواضيع مثيرة للسخرية لدى البعض، الذين يرون فيها انفصالًا عن الواقع وابتعادًا عن جوهر الدين الإسلامي الذي يدعو إلى العدالة والإحسان والتعامل مع المخلوقات برفق.
إن "فقه الأولويات" يجب أن يكون المنهج الذي يتبعه العلماء في توجيه الناس، فالأولويات اليوم تتمثل في توحيد الصفوف، والتصدي للأزمات التي تعصف بالأمة، والعمل على تعزيز القيم الإسلامية التي تدفع بالمجتمع نحو التقدم والرقي. الفتاوى التي تثير الجدل حول مسائل تافهة يجب أن تكون آخر ما يشغل العلماء، لأن مثل هذه الفتاوى قد تسهم في إشاعة الفتنة والفوضى، وتُشغل الناس عن القضايا المصيرية.
في الختام، يتطلب الوضع الراهن من العلماء والدعاة أن يُركزوا على ما ينفع الأمة ويُسهم في علاج مشكلاتها الحقيقية، وألا يتورطوا في إصدار فتاوى حول مسائل جانبية لا طائل منها. ففقه الأولويات هو مفتاح النهوض بالمجتمعات، وعلى الجميع أن يدرك ذلك ويسير في هذا الطريق.