عادل حمودة يكتب: الأكابر والكبائر.. لو سأل التاريخ علينا فلنقل له إنه لم يعد مرغوبًا فيه
أحمد بهاء الدين
أم كلثوم
زكى نجيب محمود
عماد حمدى
محمد متولى الشعراوى
عبدالرحمن بدرى
صالح سليم
المطرب والمعجب والراقصة والشيخ والطبيب والنقيب في جملة غير مفيدة!
المطرب والمعجب والراقصة والشيخ والطبيب والنقيب فى جملة غير مفيدة
مئات من المشاهير صنعوا حضارتنا وكانوا خير خلف لخير سلف فما الذى جرى لمشاهير هذه الأيام؟
تجبر الشهرة كل من يتمتع بها على توقيع اتفاقية «جنتلمان» مع المثل العليا.
ولو شاء أن يفسخها فعليه العودة إلى العتمة.
الشهرة قيد من حرير يفرض على نجوم المجتمع فى كل مجالات الحياة المتنوعة.
لا يجوز أن ينطق لفظا خارجا جارحا قبيحا سخيفا ولا يصح أن يرتكب فعلا فاضحا إثما متجاوزا ولا يجب أن يصاحب شخصا فاجرا مشبوها متهورا.
هكذا.
التزم بقيد الحرير «نجيب محفوظ» كما التزمت به «فاتن حمامة» وتمسك به الشيخ «متولى الشعراوى» كما تمسك به «صالح سليم» وحرص عليه «محمد حسنين هيكل» كما حرصت عليه «سهير زكى» ولم ينقضه الشيخ «محمد رفعت» والفيلسوف «عبد الرحمن بدوى» و«أم كلثوم» مثلا.
جيل وراء جيل فرضت الشهرة على النجوم التوحد بين عمله وسلوكه.
أصبح على كل منهم السير على حبل رفيع معلق فى السماء وتحته حقول من النار.
ووحدت الشهرة بينه وبين نفسه فلا يمكن أن يكون جميلا معها وقبيحا مع غيرها.
لم يكن الواحد منهم قديسا مع نفسه وشيطانا مع الناس.
لم نقرأ عن تورط «عماد حمدى» فى مشاجرة بينه وبين طبيب فى مستشفى.
ولم نسمع أن «فريد الأطرش» ضرب معجبا اقترب منه وهو يغنى على المسرح.
ولم يستيقظ الرأى العام ذات صباح على شتائم متبادلة بين الشيخ «محمد الغزالى» و«نجوى فؤاد» وعندما حل المساء تحولت الشتائم إلى تهديدات.
ولم يخرج «لويس عوض» أو «زكى نجيب محمود» أو «أحمد بهاء الدين» علينا وهو سعيد بمصادرة فيلم يختلف مع كاتبه ومخرجه ولا يعجبه موضوعه.
ولم نقرأ فى صفحة الحوادث أن «عمر الشريف» انتفخ فى مواجهة ضابط شرطة أو طبيب فى مستشفى أو جرسون فى مطعم وخرج عن المألوف قائلا: «أنت مش عارف أنا مين؟».
كانت هذه صورة مشاهير لم نزل نحترمهم.
كنا نمشى خلفهم لنكون لنتعلم منهم ونقتضى بهم خير خلف لخير سلف.
كنا نعتبرهم رصيدا حضاريا نتباهى به ونقلده ونمشى على خطاه ونحفظ أقواله.
كانوا مثل «جواهر» العائلة التى نتوارثها جيلًا بعد جيل.
ما الذى جرى لنا فى هذه الأيام؟
هل نفد الرصيد؟
هل رهنا «الجواهر»؟
هل أثبت تحليل «دى إن إيه» أننا لسنا من صلبهم؟
لم فقدنا الشرط الخلقى فى الشهرة؟
لم نقض بعض نجومنا اليوم اتفاقية المثل العليا وتصرف كأنه مشبوه أو بلطجى أو صاحب سوابق؟
لم تصرف وكأنه فوق القانون أو كأنه القانون؟ لم تصور أنه لن يحاسب على ما فعل مهما فعل؟
إن الشهرة ليست سلطة لكنها شعبية ولو فقدت القيمة أصبحت فضيحة.
إن نقض هذه الاتفاقية يفرض على المجتمع عقابهم معنويا لو لم نحاسبهم قانونا بأن نقاطع أعمالهم ولا نسمع أخبارهم ولا نتداول صورهم.
سيموتون من الغيظ إن لم يموتوا من التجاهل.
لو كان مطربا وضرب أو سب معجبا لا نسمع أغانيه.
لو كان شيخا وتصيد كلمة عابرة من راقصة معتزلة ووبخها بقسوة بلا رحمة علينا أن نشكك فى فتواه فلو كان على حق لم انتظر سنوات طوالًا بعد اعتزالها ليحاسبها دون أن يسعى إلى هدايتها لو وجد أنها بعيدة عن تصوراته.
ثم هل هو متأكد أنه ليس فى حاجة إلى من يهديه هو الآخر؟
ولو كان كاتبا أو إعلاميا وحول «شرف المهنة» إلى «مايوه» من قطعتين طبع صورة الجنيه على قطعة وصورة الدولار على القطعة الأخرى فإننا لا نقرأ ما يكتب ولا نسمع ما يقول ولا نشاهد عرض الاستربتيز السياسى الذى يقدمه ليلا على الهواء مباشرة.
ولو أفتى مقدم برامج تليفزيونية بغير علم وتحمس إلى إلغاء العلوم الإنسانية لعدم جدواها فى زمن «السبرانية» فكل ما علينا الضغط على زر «الريموت كنترول» وتسويد الشاشة فى وجهه دون التورط فى مناقشة ما قيل فالبديهيات لا تناقش.
ولو كان مخرجا وتحمس لفيلم يهز المستقر من قيم البشر فليس أسهل وأوفر من عدم مشاهده أفلامه دون الحاجة إلى سبه أو اتهامه.
يجب أن يشعر كل من يتصور أنه وصى علينا بعقاب صارم من المجتمع الذى منحه الشهرة والثروة لكنه رد الجميل لنا بجرأة فى غير محلها وغطرسة بلا مبرر ولكمة إذا لم تصب الوجه أصابت القلب.
يجب أن يعيد المجتمع هذا الطراز من البشر إلى حالته الأولى حين كانوا يحلمون برغيف خبز جاف حاف وثوب نصف عمر مرقع بألف قطعة وقطعة وخبر ينشر عنهم فى ذيل صحيفة لا يقرأها أحد.
لم يولد أغلبهم وفى فمه ملعقة من الذهب وإنما كان يأكل بأصابعهم العارية الملوثة لعدم وجود ماء وصابون ولم ينم معظمهم فى فراش وثير وإنما نام فى فراش مؤلم خشن يشبه «البرش» فى السجون ولم يلبس من بيوت أزياء معروفة وإنما كان زبونا دائما فى «سوق الكانتو» وصديق شخصيا لتجار «الروبابكيا».
نحن الذين حولناهم إلى أثرياء يمتلكون القصور الشاسعة والسيارات الفارهة ويضعون ممتلكاتهم فى شركات «أوف شور» للتهرب من الضرائب.
نحن الذين جعلناهم يدعون أنهم «أولاد أكابر» من حقهم ارتكاب الكبائر.
ونحن الذين يجب مقاطعتهم.
نقاطعهم كما نقاطع صيدليًا باع للناس سما.
نقاطعهم كما نقاطع طبيبًا سحبت منه شهادته بعد أن مارس عمليات الإجهاض.
نقاطعهم كما نقاطع رجل دين ضبط فى بيت دعارة.
نقاطعهم كما نقاطع صاحب مطعم قدم لحم حمير.
نقاطعهم كما نقاطع أحد «المستريحين» الذين دمروا «شقى العمر» بدعوى استثماره.
لكننا للأسف لا نقاطعهم.
بل نتسامح معهم ونغفر لهم ونعود إليهم مشتاقين مهووسين كما يعود الطفل المشتاق إلى حضن أمه وكأننا لم نكبر ولم ننضج ولم نتعلم ولم نتألم ولم نستفد مما عانينا منه بسببهم.
هل نحن مرضى إلى هذا الحد نستعذب الألم ونحن إليه؟
هل نحن ما زلنا صغارا رغم ما نلنا من شهادات وما جمعنا من خبرات وما عشنا من تجارب علمتنا الثبات؟
هل يكفى أن نقول «عفا الله عما سلف» حتى نمحو الإهانة وكأنها لم تكن.
بل هناك ما هو أكثر من ذلك.
إن المطرب الذى أهان معجبا اقترب منه تقاضى ملايين الجنيهات فى تصوير إعلانات تجارية لشركة أمريكية سبق أن اتهم منافستها بأنها تدعم إسرائيل رغم أنها هى الأخرى تدعم إسرائيل.
وفى معركة المطرب والطبيب وجدنا مشاجرة بالرجل واللسان ونسى الطرفان المريض الراقد بين الحياة والموت.
وهو حادث يقع عشرات المرات يوميا فى المستشفيات وكأن من الصعب أن نجد حلا للحد من هذه الظاهرة الاجتماعية المؤسفة.
لقد تحولت دور العلاج إلى حلقات مصارعة أو حلبات ملاكمة ودارت كاميرات الموبايلات تسجل الوقائع من أطرافها المختلفة فلم نعرف المخطئ من الضحية وراحت منصات وصفحات السوشيال ميديا تحكم على كل طرف حسب هواها دون أن نصل إلى نتيجة سوى مزيد من صب الوقود على النار المشتعلة ومزيد من الانقسامات والخلافات الاجتماعية وكأننا ناقصين تمزقات.
لكن هذه المرة تورطت نقابتا «الأطباء» والموسيقيين» فى الأزمة وخرج بيان من هنا وبيان من هناك وأصبحت الحرب مقدسة.
والمقصود أن مؤسسات المجتمع وقعت فى بعضها البعض أيضا.
وما زلنا نتابع الشيخ الجليل الذى تجبر على راقصة معتزلة بررت ما فعلت حسب اعتقادها ليثبت لنا ولنفسه أنه لا يزال شيخا حرا مستقلا لا يفرط فيما يمس الدين رغم أن تفسيراته وفتاويه لا تلقى إعجابا من بشر يصعب حصرهم ولا نضيف.
وردت الراقصة مهددة بسيديهات ادعت أنها تمسه وتحت يديها.
ولم يخفت حماسنا للاعبى كرة القدم رغم تعاطى الكثير منهم المخدرات وارتكاب جريمة القتل الخطأ تحت تأثيرها.
إذن نحن السبب.
نحن الذين نجعلهم يتمادون فى تجاوزاتهم.
نحن الذين قبلنا منهم سلوكيات الضرب والسب والاذراء وكأنها مثل الشهد على قلوبنا.
إذن نحن المرضى وليس هم.
نحن فى حاجة إلى علاج جمعى يكتبه طبيب نفسانى للتخلص من تقبل إهانة المشاهير دون أن نفقد إعجابنا بهم فى الوقت نفسه.
والمثير للدهشة أن كل فعل من الأفعال السيئة التى وقعت بين نجم ومواطن كبرت وسخنت ووصلت إلى الشرطة وسجلت الدفاتر محاضر متبادلة واتهامات وفيديوهات حاسمة ولكن بعد أن يموت الاهتمام بالحدث وننصرف عنه إلى حدث آخر مشابه حتى تجمد المحاضر فى أماكنها وتتحول الاتهامات إلى سلامات وقبلات وربما تعويضات.
من جانبى أعتقد أن المشاهير الذين يرتكبون جريمة القذف العلنى يعانون أزمة ثقة بالنفس.
المطرب أو الشيخ أو الطبيب أو الكاتب أو اللاعب أو الممثل الواثق من نفسه ليس لديه الوقت الكافى للتفكير بغير عمله.
النجم الكبير حقا هو المتفرغ للإبداع وحده لا المتسكع ليل نهار على أرصفة الشتيمة.
تأملوا من ارتكبوا أفعالا أثارت السوشيال ميديا مؤخرا.
سنجد من اعتزل ومن تجاوز سن التقاعد ومن تراجع مستواه فى الملاعب ومن يريد العودة إلى الضوء ومن اتهم فى دينه ومن تشكك فى تفسيراته الدينية.
لكن هل السوشيال ميديا على حق؟
لا تتفق السوشيال ميديا على رأى ولكنها سرعان ما تمل من متابعة حادث ما لتنتعش بمتابعة حادث آخر يغنيها عن كتب لم نعد نقرأها وأفلام لم نعد نشاهدها وبرامج لم نعد نتابعها.
هكذا أصبحنا نتسلى.
صحيح أنها تسلية رخيصة لكنها فى الحقيقة تسلية مدمرة.
تسلية محرضة على تكرار ما نرفضه.
تسلية مثل حلة بخار مهددة بالانفجار بين لحظة وأخرى.
تراجيديا مؤلمة غير قابلة للتأجيل؟
لا يجوز أن نختبئ تحت لحاف اللامبالاة ونشرب فنجان يانسون ونقول لأقرب الناس إلينا:
«إذا سأل شخص عنا اسمه التاريخ فقل له إنه لم يعد مرحبًا به».