حنان كشك تكتب: الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر
تعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية أحد أهم الظواهر التي تؤرق المجتمع الدولي، نتيجة الانتشار غير المسبوق لتلك الظاهرة مما استدعي أن يكون هناك حاجة ملحة لتفعيل القوانين الخاصة بتجريم الهجرة الغير شرعية والجرائم الملتحقة بها والتي تعد أهمها هي جريمة الاتجار بالبشر، على الرغم من التمييز الواضح بين الاتجار والتهريب أو الهجرة غير المشروعة إلا إنه يمكن أن تتحول حالة الهجرة غير المشروعة إلى حالة اتجار بالبشر إذ أن المهاجرين الذين يتم استغلالهم في أي مرحلة من العملية يمكن أن يصبحوا ضحايا اتجار بالبشر.
ويعد تحديد حجم الهجرة غير المشروعة من الأمور شديدة التعقيد نظرًا لطبيعتها، ولكون وضع المهاجر الغير شرعي يشتمل على أنواع مختلفة من المهاجرين مثل:الأفراد الذين يدخلون دولة الاستقبال بطريقة غير قانونية ولا يقوموا بتقنين وضعهم،الأفراد الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية،الأشخاص الذين يعملون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
وتتعارض وتتضارب أعداد المهاجرين بطريقة غير مشروعة، حيث قدرت مثلا منظمة العمل الدولية ظاهرة الهجرة الغير مشروعة ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم والذي وصل حسب تقرير البنك الدولي إلى 250 مليونا العام الماضي، وهو أعلى مستوى للهجرة على الإطلاق، حيث يبحث المهاجرون عن فرص اقتصادية أفضل. وقد أشار التقرير إلى أن البلدان النامية سريعة النمو أصبحت تشكل بصورة متزايدة مقصدا جاذبا للمهاجرين من أجزاء أخرى من بلدان العالم النامية.
وتتعدد الأسباب المؤدية إلى انتشار ظاهرة الهجرة الغير شرعية، ولعل أهم هذه الأسباب الدوافع الاقتصادية حيث يعتبر البحث عن توفير حياة رغدة أهم الدوافع التي تؤدي إلي هجرة العديد من المواطنين أوطانهم خاصة في الدول التي تعاني أزمات اقتصادية إلي دول مستقرة اقتصاديا، لكسب الرزق وخاصة فئة الشباب المتعطل عن العمل الذي يسعى إلى تكوين الحياة الأسرية، في ظل تنامي معدلات البطالة ما يدفع بالكثيرين إلى البحث عن فرص عمل أفضل في مكان أو دول أخرى. وخاصة في ظل تدنى متوسط الدخول في الدول النامية. كما يعتبر تدني مستوى الأجور، مع الارتفاع المستمر في الأسعار ومن ضمن الأسباب القوية لانتشار الهجرة غير المشروعة بجانب المشكلات الاقتصادية المتمثلة في الفقر والجوع والبطالة، الصورة الذهنية المترسخة عن النجاح الاجتماعي الذي يظهره المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث يتفانى في إبراز مظاهر الثراء. وذلك وسط حشد إعلامي واسع لتلك المظاهر سواء في الدراما التليفزيونية أو السينمائية، ما يؤدي إلي وقوع الكثيرة في براثن السعي خلف الهجرة غير المشروعة خاصة مع قيام بعض الأسر بالدفع بأبنائهم للهجرة عبر البحر دون مراعاة لما قد يحدث لهم من عواقب بهدف تحقيق حلم النجاح الاجتماعي للفرد والأسرة بأكملها. بالإضافة إلى وجود أقارب في البلد المستقبل للهجرة غير المشروعة. ولا يمكنا أن نغفل على الدوافع النفسية للهجرة والتي تتمثل في إحساس الفرد بالإحباط في محاولة الحياة بطريقة أفضل أو تحقيق ذاته من خلال العمل الذي يعمل به، أيضًا تمثل المعاناة التي يعيش فيها الشباب والتي تجعله يغامر بحياته في هجرة غير شرعية وهو مدرك الأخطار التي قد يتعرض لها أثناء الهجرة ناتجة عن الشعور بالاغتراب الداخلي وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع المحيط به، وهو الأمر الذي يؤدي إلي الشعور بالإحباط والعزلة الاجتماعية ووهم أحلام اليقظة والتفكير اللاعقلاني وحب المغامرة مع ضعف الانتماء الأسري والمجتمعي نتيجة قصور في برامج التنشئة الاجتماعية وضعف مؤسساتها وأهمها الأسرة والمؤسسات التعليمية.
ويشير تقرير الاتجار في البشر 2016“ إلى أن الكثير من الرجال والنساء وأعداد متزايدة من الأطفال من إفريقيا جنوب الصحراء، جنوب آسيا، الفلبين يدخلون إلى دول المغرب العربي طواعيةً ولكن عن طريق التهريب؛ عند دخولهم البلاد تجبر السيدات والفتيات الأكبر سنًا على ممارسة الدعارة، أو أيضًا وإن كان بشكل أقل انتشارا؛ العمل في المنازل ويستكمل التقرير قائلا “وعلى نفس الوتيرة كثيرًا ما يتم استغلال قنوات شرعية لإخفاء نشاط الاتجار بالبشر. وتعتبر البلدان العربية بلدان مقصد للنساء والأطفال للعمل في المنازل، ويتعرضون للاستغلال من خلال العقود الغير منصفة والمرتبات التي لا تقابل الحد الأدنى للأجور. ومما سبق يتضح أن هناك ربط ما بين الهجرة الغير شرعية والاتجار في البشر.
وقد تنامت في مصر ظاهرة الهجرة غير الشرعية مع مطلع الألفية الجديدة رغم إجراءات الأمن المكثفة، وتزايدت بعد 2011 مع الانفلات الأمني والانشغال الداخلي. ولم تكن حادثة مركب رشيد الأخيرة هي الأولى من نوعها في مصر، ولن تكون الأخيرة كذلك، لكن سبقها حوادث مفجعة مكررة منها في 2007 قرب مرسى مطروح، وفي 2008 حادثتين منها رحلة من مصر إلى تركيا ثم إلى اليونان وغرق 20 شخصًا، وحادثة أخرى لقارب على متنه 170 راكبًا، توفي منهم 48 شخصًا. الخطير هنا، أنه ووفقًا لتصريحات شبه رسمية، فإن السلطات المصرية تحبط نحو 50% فقط من رحلات الهجرة غير الشرعية. أي نحو 20 رحلة ناجحة شهريًا، والنسبة الأكبر منهم في الفئة العمرية من 18-25 عامًا. وهو مؤشر خطير، ومعظم المقبلين على تلك الرحلات غير الشرعية هم من محافظات البحيرة والفيوم وأسيوط، ويمكن القول بأن العامل الرئيسي في التفاوت في أعداد الهجرة بين المحافظات يتعلق بالحالات الناجحة في منطقة معينة، ووجود أقارب وأصدقاء قاموا بنفس التجربة الأمر الذي يشجع على الاقتضاء بهم، وهذا ما يفسر وجود قرى بأكملها تشهد تلك الحالات والتواجد في دول مثل إيطاليا، وفرنسا، والنمسا،والولايات المتحدة الأمريكية. وتؤكد نتائج الدراسات السابقة أن النسبة الأكبر ممن أقدموا على الهجرة غير الشرعية أكدوا أن سماسرة الهجرة وعدوهم بأشياء كثيرة ولكن لم يتحقق منها شيء عندما جد الجد وبدأت عملية الهجرة وهو الأمر الذي ينطوي على عملية اتجار في البشر من قبل سماسرة تهريب المهاجرين.حيث أن النسبة الأكبر من المهاجرين يعتمدون على سماسرة الهجرة لتسهيل وتمهيد الطريق أمام هجرتهم، في حين يعتمد البعض على أقاربهم وأصدقائهم في الدول التي هاجروا إليها وبخاصة إيطاليا لمساعدتهم في الهجرة غير الشرعية لأوروبا.
بقلم أ.د/ حنان عاطف كشك
أستاذ ورئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنيا