هدنة غزة و«سِلِّم» نتنياهو المكسور
الوصول إلى هدنة حقيقية في قطاع غزة أشبه بالصعود إلى مكتب لعقد التفاوض على سلم به عتبة مفقودة «سلمة مكسورة» في منتصفه، تعيق أي محاول للصعود من الأطراف الراغبة في التفاوض لفرض الهدنة.
كل يوم ونحن على أعتاب انتهاء سنة كاملة من الإبادة الجماعية في القطاع، نسمع عن اقتراب عقد هدنة ومن ثم تفشل فورا بعد انسحاب فريق التفاوض الصهيوني بإيعاز من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لأسباب ليست خفية على أحد، كل سبب منهم أشبه بعتبة ضمن «عتبات سِلِّم» يحتفظ بها لنفسه، هذا غير أن اليهود لا يعقدون اتفاقات فلا عهد لهم ولا ميثاق، فقد جادلوا الله في بقرة، ونقضوا كل عهودهم ومواثيقهم على مر العصور والأزمنة وفي كل الأمكنة، وكتب التاريخ شاهدة وقبلها القرآن والسنة.
وأول تلك الأسباب، أن نتنياهو وصهاينته، وجدوا ضالتهم في غزة، تلك البقعة المهمة الملاصقة لشاطئ مليء بمخزون من الغاز والبترول، الذهب الأسود الذي يسيل له لعاب الغرب وعلى رأسه أمريكا متى وأين وجد.
كما أن حلم نتنياهو تحقق بوضع قدمه على محورين مهمين: «نتساريم وفلاديلفيا»، وأهمهما فلاديلفيا الملاصق للحدود مع مصر، ولا يخفى على أحد أطماعه ومن خلفه الصهاينة، التي تظهر في خريطة إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات، فهو يٌمَّنّي النفس الآن، بإمكانية البقاء في ذلك المحور ليطل على مصر كمن يجلس في شرفته يشاهد البحر مباشرة، ولكن هيهات هيهات لما يرنو، فما زال أثر «قلم» نصر أكتوبر على «قفا» جيشه الهش، ورادع له إذا فكر أو حاول المساس بأرض مصر، فرجالها المرابطون في كل شبر منها ينتظرون وعلى أتم الجاهزية والاستعداد، يعون جيدا نواياه الخبيثة، وأهل للحرب إذا فرضت علينا.
أُضيف إلى ما سبق العنجهية الفارغة للصهاينة الذئن يتخذون أمريكا وأوروبا درعا واقيا أمام من يفكر في مجرد مس أظافرهم بعد السابع من أكتوبر، فما تفعله أمريكا حاليا مع إسرائيل أوضح الصورة الخفية من أن أمريكا مجرد صديق لإسرائيل، وها هي اليوم تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها من تحارب في غزة وليس إسرائيل، وطبيعي أنها مع قوتها وحجمها الدولي وتاريخها الدموي الكبير في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها، يصعب عليها أن ترى نفسها مهزومة في قطاع لا يتعدى حجم ولاية من ولايتها الخمسين، من ثلة من المقاتلين المدججين بالأسلحة البدائية.
كما أن غياب النية لعقد صفقة، الناجمة عن إرادة نتنياهو استمرار الحرب لبقائه في الحكم منعا لمحاكمته على تهم الفساد الداخلية، وكذلك على ما حدث في السابع من أكتوبر، وأيضا ليضمن الحصول على وعد بعدم محاكمته على جرائم الاحتلال في غزة، بعدما وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 40 ألف شهيد، وأكثر من 100 ألف مصاب فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء وشيوخ عزل.
إن محاولات الوصول إلى هدنة حقيقية في غزة، ستبوء جميعها بالفشل، ولن تفلح ما دام نتنياهو يملك الضوء الأخضر من أمريكا وخلفها الغرب الفاشي، لمواصلة جرائمه، وما دام لم ير العين الحمراء الرافضة للمجازر والإبادة الجماعية بالقطاع، فهو غير عابئ ببيانات الشجب والإدانة التي لا يتعدى حجمها عنده تكلفة الحبر الذي كتبت به.