عادل حمودة يكتب: اللعب مع السنوار
نتانياهو يضلل بايدن وموسكو ترد الجميل إلى طهران والموساد يبكى على إسماعيل هنية
لم يفكر «يحيى السنوار» فى العناية بوجهه عندما وقف أمام الكاميرا لتصويره بل ترك الشيب يحكم شعر رأسه ويتحكم فى لحيته مكتفيا بسواد الشارب والحاجبين مما ضاعف من حدة نظراته وإن فشل فى أن تكون قاسية.
نحيف يكاد لا يصلب طوله ولكن ما إن يتحدث إلى جماهير تحتشد أمامه حتى يرتفع صوته وتدب فيه حيوية ممثلى المسرح بعد رفع الستار وكأنه أصبح شخصا آخر.
يبدو للوهلة الأولى خجولا يكاد لا يرفع عينيه إلى عينى محدثه.
ويسهل اكتشاف تواضعه من ملابسه البسيطة غير المتجانسة التى لم تسمع عن رابطة العنق.
عندما التقيته فى ١٨ مايو عام ٢٠١٧ كان يجلس للمرة الأولى على مقعد رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» فى غزة بينما صعد «إسماعيل هنية» إلى منصب رئيس المكتب السياسى للحركة.
لكن الأهم أنه فى ذلك اليوم بصم بأصابعه العشرة أن الحركة انفصلت عن جماعة «الإخوان» وأنها ستقطع يد كل من يمس الأمن القومى المصرى بسوء ونشرت على لسانه ما يؤيد أقواله من وقائع تأكدت من صحتها ونشرتها فى «أخبار اليوم».
نموذج يصعب اكتشافه من المرة الأولى.
بدا لى وكأنه مدرس فى مدرسة ابتدائية أو موظف فى إدارة محلية ولم أتوقع يومها أنه سيكسر أجنحة الطاووس فى المؤسسات الأمنية والعسكرية يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فيما أطلق عليه «طوفان الأقصى» ليفرض نفسه لاعبا مؤثرا فى الشرق الأوسط.
بدا وكأنه لاعب «بوكر» يصعب قراءة وجهه قبل أن يكشف أوراقه الصاعقة.
وأثبت أنه لم يقسم حياته إلى نصفين.
لم يتحدث بنصف لسان ولم يقاتل بنصف سلاح.
عرف أن السياسة حرب باردة لا تجدى مع إسرائيل بينما الحرب سياسة ساخنة لا تفهم إسرائيل سواها.
هكذا استوعب نقاط قوة وثغرات ضعف عدوه وهو سجين تحت حراسة مشددة يحمل رقم «٧٣٣٣٣٣٥» لمدة تزيد على ٤٠٠ سنة بتهمة قتل أربعة خونة فلسطينيين وإن أفرج عنه فى صفقة الجندى «جلعاد شليط».
درس اللغة العبرية حتى أجادها وتعلم فن تخدير العدو حتى تخفت قوته ليحدد الوقت المناسب لينقض عليه.
فيما بعد تحدث عنه «يوفال بيتون» طبيب الأسنان فى سجنه الذى أنقذ حياته بنقله إلى مستشفى متخصص فى إزالة ورم تمدد فى المخ وأصابه بصداع أفقده الوعي.
ما إن نجا من الموت حتى قال له:
«نحن مستعدون لهدنة لأنكم دولة قوية ولكن مجتمعكم يتفكك من الداخل وفى اليوم الذى سنشعر فيه أنكم ضعفاء سوف نفتك بكم.
لكن غطرسة إسرائيل سخرت من خطته «الساذجة» حتى نفذها فيما بعد وأجبرها على الاستمرار فى أطول حرب تورطت فيها منذ نشأتها.
تحدث «يوفال بيتون» إلى الميديا الإسرائيلية بعد اغتيال «إسماعيل هنية» وتولى «يحيى السنوار» منصبه فى صدمة غير متوقعة أصابت إسرائيل بحالة من الفوضى لم تعرفها من قبل.
بدا واضحا أن إسرائيل لم تحاول قتل «إسماعيل هنية» فى قطر أو تركيا لما بينها وبينهما من علاقات ما وفضلت أن تقضى عليه فى إيران لتوجيه إهانة جديدة إليها بعد التخلص منه.
عقب الاغتيال شعرت حكومة «بنيامين نتنياهو» وأجهزته الأمنية بنشوة لم تعرفها منذ اشتعلت الحرب واستردت بعضا من كرامتها المبعثرة ولكنها سرعان ما أدركت أنها كمن يخرج من بركة ليقع فى بئر.
كانت التوقعات الإسرائيلية التى صدقها الجميع أن «زاهر جبارين» عضو المكتب السياسى ونائب رئيس الحركة والمسئول عنها فى الضفة الغربية سيتولى منصب «إسماعيل هنية».
لكن المفاجأة الصدمة كانت اختيار «يحيى السنوار» للمنصب.
كان السؤال اللغز: كيف سيجمع الرجل بين القرار السياسى والقرار العسكري؟
هل يدخر مرونة ما يظهرها عند الضرورة؟
ولم ينتبه أحد إلى أنه كان صاحب القرار الأول والأخير.
اتخذ قرار عملية «طوفان الأقصى» دون استشارة «إسماعيل هنية».
وكان الكل ينتظرون قراره فى المفاوضات التى تجرى وفوض نائبه «خليل الحية» لتوليها.
لا شيء تغير بعد أن أصبح المسئول الأكبر سوى تحمل المسئولية مباشرة عن معاناة الشعب الفلسطينى الذى يحلم بإيقاف الحرب ليحاسبه وربما ليحاكمه.
فى الوقت نفسه فقدت إسرائيل قدرتها على إثارة الفتن بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية باتهام «إسماعيل هنية» و«خالد مشعل» و«موسى أبو مرزوق» بأنهم يعيشون حياة مترفة فى الخارج بينما المعاناة فى الداخل تجاوزت حدود الجحيم.
وخوفا من ردود فعل اغتيال «إسماعيل هنية» بات الإسرائيليون يتوقعون الموت من جميع الجهات وبدأت عملية هروب جماعى إلى الخارج وفى يوم واحد خرج أكثر من سبعين ألف شخص من مطار «بن جوريون» وتكدست طرقات المطار بأعداد مضاعفة رغم إيقاف شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى إسرائيل دون أن تحدد موعد عودتها.
كان المنتظرون لا يهدفون السفر إلى مكان ما وإنما بدوا مستعدون لركوب أول طائرة من طائرات «العال» تقبل بهم دون أن يسألوا عن اتجاهها.
بالقطع لم يسع إلى الهروب سوى الأثرياء الذين يملكون فرصة حياة أخرى فى دولة أخرى ليبقى الفقراء تحت سماء الرعب التى تمطر دما.
وسببت هذه الحالة النفسية المخيفة فى التراجع عن حالة الزهو التى عاشتها إسرائيل عقب اغتيال «إسماعيل هنية» بل بدأت أصوات رسمية تنكر أنهم قتلوه.
وخرج «عاموس بالدين» الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية «أمان»:
«إن السنوار نجح فى أن يجرنا إلى حرب استنزاف لم تنته وربما تتدهور لتصبح حربا شاملة».
ولكن «بسذاجة سياسية وعسكرية وصلت إلى حد البلاهة ساعده نتنياهو فى تحقيق خطته بإطالة أمد الحرب بسلسلة الاغتيالات المتتالية التى نفذتها الأجهزة الإسرائيلية فى لبنان وإيران».
أمام عشرة أشخاص ارتفع صوت «بايدن» فى وجه «نتنياهو» قائلا:
«اذهب وأوقف الحرب فى غزة».
كان ذلك فى عودة نتنياهو من رحلته الأخيرة إلى واشنطن.
و«بقدرته على الكذب بإتقان حتى يبدو صدقا هز نتنياهو رأسه فى إشارة إلى أنه سيقبل بصفقة جديدة لإنقاذ المحتجزين فور عودته إلى القدس بل أكد أن ذلك سيحدث خلال أسبوع أو أسبوعين لم ينفذ ما وعد به فحسب بل مارس أكروباته التى تعود عليها وأعطى إشارة البدء فى تنفيذ عمليات الاغتيالات مما أدى إلى صعود السنوار إلى قيادة الحركة وتحكمه فى القرار دون أن يرجع إلى أحد».
وفى اليوم التالى لنسف «إسماعيل هنية» تحدث بايدن إلى نتنياهو تليفونيا فى غضب تعود عليه نتنياهو وإن اتهمه بايدن هذه المرة بالتضليل.
كان بايدن رغم انسحابه من الانتخابات الرئاسية يريد أن ينهى حياته السياسية بصفقة توقف التدهور المؤدى إلى حرب شاملة تجر الولايات المتحدة إليها وتقضى على فرص حزبه الجمهورى فى الفوز وتمنح «ترامب» مساحات من السخرية لم يكن ليحلم بها.
لكن مدير الشباك «رونين بار» أعلن أن نتانياهو: «غير معنى بالصفقة ولو كان ذلك صحيحا يجب أن يخبرهم به بوضوح».
ودعم الجنرال «نيتسان الون» ممثل الجيش فى المفاوضات فوجه رسالة إلى نتانياهو قبل التهديد باستقالته قائلا:
«إن شروطه لا تتيح التوصل إلى اتفاق».
ولم يجد نتنياهو ما يرد به سوى اتهام طاقم المفاوضات بأنهم «ضعفاء لا يعرفون كيف يديرونها».
الحقيقة أن نتانياهو لا يريد صفقة ولا يهتم بحياة المحتجزين ويسعى إلى مد أجل الحرب ليحصل على ما يتصور أن ترامب يحمله إليه من هدايا الكريسماس.
وبينما بدأت واشنطن شحن مزيد من الأسلحة إلى المنطقة فإن موسكو بدأت فى إرسال منظومات الدفاع الجوى «إس ٤٠٠» و٢٠ طائرة سوخوى ٣٥ إلى طهران حسب ما تسرب عن «سيرجى شويجوا» أمين منظمة الأمن القومى وزير الدفاع الأسبق ردا على جميلها بإرسال مسيرات تنتجها إيران استخدمتها روسيا فى أوكرانيا.
أين السنوار من كل هذه التغيرات؟
مؤكد أنه متشدد ولكن مؤكد أيضا أنه براجماتى يأخذ قرارًا عمليًا إذا ما لزم الأمر.
بل ربما يصبح أكثر مرونة بعد أن وضعت كل السلطات فى يده ليحاسب على النتائج وحده.
إن جميع الأطراف تمشى على أسلاك رفيعة معلقة فى الهواء ويكفى خطأ طرف واحد فى الحسابات ليأخذ المنطقة بأسرها معه وهو يسقط على الأرض.
وأحدث تقرير من تل أبيب: كيف سيُدار ملف المختطفين الإسرائيليين؟
تسبب تعيين يحيى السنوار، رئيسًا للمكتب السياسى لحركة حماس، فى حالة من الجدل حول إمكانية وكيفية نجاحه فى إدارة ملف المختطفين الإسرائيليين الذين بحوزة الحركة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضى، بعض القيادات داخل الحركة أكدوا أن «السنوار» شخصية برجماتية عملية، وأنه بموجب منصبه الجديد كرئيس للحركة، سيتحلى ببعض المرونة على مواقفه المتشددة تجاه إسرائيل لكى يتمكن من التوصل لصفقة بشأن المختطفين ووقف إطلاق النار.
بينما رأى مجموعة من الخبراء الأمنيين بوزارة الدفاع الإسرائيلية عكس ذلك، إذ انتاب معظمهم حالة من التشاؤم، وزعموا أن «السنوار» غير مهتم من الأساس فى الوقت الحالى للتوصل لصفقة مع إسرائيل، وفى التقرير الذى صاغه محلل الشئون العربية، يونى بن مناحيم، بموقع نيوز وان، أوضح أنه: «على الرغم من موقف قيادات الحركة الإيجابى نحو السنوار، إلا أن الشارع الغزاوى -الذى يدعم الغالبية العظمى منه حركة حماس- غير راض عن تعيين السنوار فى منصب رئيس المكتب السياسى للحركة».
وأضاف «بن مناحيم» أن: «الكثيرين فى غزة يرون أن السنوار هو المتسبب فى الدمار الذى حل على قطاع غزة، وكانوا يفضلون تعيين مسئول آخر من الحركة حتى ولو كان غير مقيم بالقطاع، ولكن يُبدى اهتمامًا أكثر بمعاناتهم، ويصبح له القدرة على وقف الحرب فورًا، والبدء فى إعادة إعمار القطاع بعد الدمار الذى حل به خلال الحرب».
وأشار محلل الشئون العربية، إلى أن: «المهم حاليًا بالنسبة لسكان القطاع هو وقف الحرب المستمرة منذ عشرة أشهر، والسؤال الذى يتم تداوله هناك فى الوقت الحالى، هل ينوى «السنوار» توجيه القطاع نحو هذا الهدف؟ وهل سينجح فى تقريب الفلسطينيين منه أم سيبعدهم عنه؟».
ويضيف التقرير أن: «يحيى السنوار، الذى وُلد فى مخيم اللاجئين بخان يونس يعلم هذا الأمر جيدًا، إلا أنه حتى هذه اللحظة تجاهل تمامًا معاناة سكان القطاع، زاعمًا أن «السنوار» يفكر فقط فى نجاته الشخصية بعد أن تمكنت إسرائيل فى تصفية معظم القيادات العسكرية لحماس، إلا أن بعض قيادات الحركة زعموا -كما أُشير فى التقرير- أنه سيُظهر بعض المرونة على موقفه لوقف الحرب، مضيفين أن شخصيته القوية تتيح له تحقيق هذا الهدف».
وأوضح التقرير أن: «بعض المسئولين فى قطر المقربين من كواليس المفاوضات يقولون إن إدارة الرئيس الأمريكى «بايدن» قد توصلت إلى نتيجة وهى أن الحركة فى القطاع تحتاج بشدة لوقف إطلاق النار، لذلك توجد فرصة كبيرة بشأن إمكانية توصلها لاتفاق مع إسرائيل لتنفيذ المرحلة الأولى من صفقة المختطفين، وبعض المصادر المصرية أكدت أن التقدم فى المفاوضات يتوقف بشكل كبير على العلاقة بين الوسطاء -مصر وقطر-، وبين يحيى السنوار، ففى الأيام المقبلة سيعملون مباشرة معه، وليس عن طريق المكتب السياسى للحركة».
وأشار التقرير إلى أن: «بعض مسئولى الحركة أكدوا أن السنوار قرر أن يقوم نائبه خليل الحية، بمواصلة إدارة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل باسمه عن طريق مصر وقطر، فى الوقت الذى سيقوم فيه هو بمواصلة إدارة المعركة العسكرية ضد الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة».
وتمر المفاوضات حول صفقة المختطفين فى الوقت الحالى بمرحلة حاسمة، ويجب على «السنوار» اتخاذ قرار استراتيجى بالاستمرار فى الصفقة أو تأجيلها لموعد آخر، ويؤكد بعض مسئولى الحركة أن «السنوار» مستعد الآن لإنهاء الصفقة، بينما يضع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين ننياهو، العراقيل لتأجيل الصفقة حتى شهر نوفمبر المقبل لتتضح فيه نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.
ويرى «بن مناحيم» أن اختيار يحيى السنوار، لمنصب رئيس المكتب السياسى للحركة، يدل على أنه ليس فى نية حماس إدخال أى مرونة على مواقفها بشأن الصفقة، وأنها ترغب فى استغلال حالة التصعيد الحالية بين إسرائيل وكل من حزب الله وإيران لابتزاز إسرائيل، والحصول منها على تنازلات إضافية.
ومن المتوقع تجدد المفاوضات حول الصفقة خلال الأسبوع الجارى، على أمل أن تهدأ حالة التصعيد الحالية بين إسرائيل، وحزب الله وإيران، ووقتها سيتوصل الطرفان للحظة الحسم، وتنوى إدارة «بايدن» وضع كل طاقتها بهذا الأمر لدفعه للأمام، ولكن فى هذا التوقيت لا يوجد أى تغيير جوهرى فى مواقف «السنوار»، حتى بعد توليه مهام منصبه الجديد، ومنذ بدء الحرب وحتى وقتنا هذا، يحيى السنوار فقط هو من يقول داخل قيادة حماس الكلمة الأخيرة بشأن صفقة المختطفين، كما أن موقفه الآن أصبح أقوى.
ويؤكد بعض المسئولين الأمنيين الإسرائيليين، أن يحيى السنوار، غير مهتم فى هذه المرحلة بالصفقة، وأن أى مفاوضات من جانبه ما هى إلا محاولة لابتزاز المزيد من التنازلات من إسرائيل، مضيفين أن المختطفين يمثلون بالنسبة له درعًا بشريًا، وورقة مساومة بشأن مستقبله بعد انتهاء الحرب، مشيرين إلى أن اغتيال «السنوار» من شأنه دفع المفاوضات بشأن تحرير المختطفين إلى الأمام.