شارع شبرا الطائف.. جار الملوك وملتقى الثقافات والرأي
يقطع الراكب في مدينة الطائف مسيرته بين شوارع وطرق وأحياء المدينة؛ التي اندمجت وسط العمق الأوسع لعاصمة الصيف والمصيف وعروسها، لتحفظ هذه الذكرى للأجيال الحديثة؛ أسماء الشوارع والأحياء عراقتها ومسمياتها التي تعود إلى مئات السنين، أو ربما لأكثر من قرون، كما أن البعض الآخر منها يعود إلى عصر صدر الإسلام وما قبله.
تلك الشوارع تحمل تاريخًا وعراقة عند المؤرخين والكتاب والمثقفين المعنيين بتاريخ المدينة، حيث يستقبلك شارع "شبرا" الذي تجلت فيه ملامح التخطيط العُمراني والزراعي ليكون أنموذجًا لأكثر الشوارع حيوية وزخمًا منذ عصر الملوك والأمراء والقادة الأوفياء.
وكان أمس شارع شبرا مدينة متكاملة بحد ذاتها في الفن والبناء والتشكيل والروح المفعمة؛ التي بُعثت من منازل قادة الدولة، التي تجاور منازل المواطنين بأسوارها الحاضنة لبساتين فاكهة الطائف الغناء، حيث لا يمكن لأي مسافر عبر الزمن أن يدفع أو يرفع الدهشة العميقة التي ستنتابه؛ حينما يجول في تاريخ عمران الشارع وبساتينه الخصبة؛ المنتصبة بالقصور الجامعة لملوك هذه الأرض الطاهرة، وانبساط البستان وخروج الرأي الحكيم قولًا وفعلًا، ليكون منارةً تشرف على أرجاء المدينة والدولة في كل عام.
وعرف الزائر والسائح شارع شبرا بمفهوم "المدينة"، التي تستذكر مواضع الرؤى للبنة الأساسية في أعمدة التطور الحكومي، حتى أصبح شبرا جامعًا بين تعزيز وشائج القربى وتذويب الخلافات، والرمزَ التاريخي والاجتماعي، الذي امتلك العديد من المقومات، لتسطع فيه بيوت رجال تلتقي شخوصهم وجموعهم في رحابه، وتتوحد صفوفهم وقلوبهم، حتى تحاورت فيه وتعايشت الثقافات كافة، وانتظمت مصفوفات لا تنتهي من المرافق العامة ودوائر حكومية ومؤسسات علمية ومنشآت صحية ومراكز خدمية؛ حتى أصبح شبرا مركزًا أساسيًا انطلقت مفرداته العملية في رحاب الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الذي كان يدير أمر الدولة من قصره في شبرا العامر حتى أصبح بمثابة تاريخ ورمز يوظَّف فيه الإنسان والعمران والإتقان توظيفًا جماليًا تبادليًا، يحقق بعضه بعضًا، واستمر كذلك مقرًا للحكومة في عهد الملك سعود آل سعود -رحمه الله-، ثم جعله الملك فيصل آل سعود -رحمه الله- مقرًا لرئاسة مجلس الوزراء عندما تنتقل الحكومة إلى الطائف في فصل الصيف، ليتحول بعد ذلك إلى مقر لوزارة الدفاع والطيران، وفي سنة 1408هـ/ 1986م تم تحويل القصر إلى متحف.
وأوضح المؤرخ عيسى القصير في تصريح لوكالة الأنباء السعودية "واس" أن شوارع وأحياء الطائف وخصوصًا شبرا وأسواقه، شاهد عيان لقصص وحكاوي قاطنيه الذين انتشروا بأسواقه وبأزقته، ليبدعوا في قصصهم عن الشارع الأشهر، لا سيما الأشخاص الذين وفدوا إلى الطائف للبحث عن مصدر رزق أو وظيفة يلتحق بها، حتى أصبح الشارع بمثابة ميدان لمدينة بجميع مقوماتها، وفضاء تحيط به أشجار الفاكهة والزينة، وملحقًا ثقافيًا يجمع فن المجرور والمجالسي، والحدري، وفن المحاورة، و"الحيوما" التي تدل مفردتها على التحية والترحيب بالضيف، وجميعها تعتمد على اللعب الجماعي في تشكيل صفوف متعددة، وتمتاز بإيقاعات مختلفة، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالشارع وبأهله، حتى أصبحت ذات مدلول عريق في محافظة الطائف، ولا تكاد تخلو المناسبات الوطنية والأفراح إلا وكانت هذه الفنون الأصلية حاضرةً ومتصدرة في شبرا، لتحيي ليالي الأهالي منذ القدم، وأضحى الشارع إلى هذه اللحظة عنوانًا رئيسيًا في صفائح وكتب المثقفين والمستشرقين وعلامة فارقة في رهائن التاريخ، الذي ستحفظ فيه الأجيال القادمة أسماء ومسميات وأحداث من عاش في حضنه قبل زمن مضى