عادل حمودة يكتب: وصف ترامب بـ«هتلر أمريكا» فاختاره نائبًا للرئيس

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

«جى دى» يؤمن بأن إسرائيل رسالة دينية وليست حليفًا استراتيجيًا  يرفض دعم أوكرانيا ويطالبها بالتفاوض مع روسيا حتى لو فقدت بعضًا من أرضها  أمه مدمنة وشقيقته بائعة أحذية وجدته أنقذته من السجن بعد أن سرق آلة حاسبة

 

تخيل لو أن صحفيا كشف عما خفى من سيرة شخصية سياسية شهيرة.

 

تخيل لو أنه أثبت أن الأم كانت مدمنة جنس ومخدرات وعاشرت رجلا كل شهر بعد أن تركها زوجها الذى كان لا يفيق من الخمر.

 

تخيل لو أن الصحفى أثبت أن هذه الشخصية ذاتها سرقت وحرقت واقتحمت بيتا وحطمت من فيه وأصبحت على بعد أمتار قليلة من السجن أو القتل.

 

قطعا ستقوم القيامة ضد الصحفى ولن تقعد وسيستنكر الناس ما كتب ويطلقون عليه كل مسموم من سهام الكلمات وقطعا سيقف أمام القضاء فى قفص المحكمة وسط لعنات عتاة الإجرام ليسمع حكما بالسجن إلى جانب تعويض مالى لم يسبق له مثيل سيجبره على بيع ما يملك حتى ملابسه الداخلية.

 

لن يشفع له أنه يقول الحقيقة التى يجب أن يعرفها الشعب عمن يتصدر لمسئولية عامة وإلا كان عليه الاختباء تحت السرير بعيدا عن العيون فى وظيفة متواضعة بعيدا عن الحياة العامة.

 

إن الديمقراطية الغربية تبدأ بمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن كل من يفتح صدره ويقرر أن يصبح نائبا أو وزيرا أو حاكما أو محافظا أو مأمورا ولا يحق له الكذب وإلا سقط من عيون الناس قبل أن يسقط فى الانتخابات.

 

ما أن تبدأ الشخصية العامة فى الظهور حتى تدور ماكينات المعلومات تفتش عما يخفيه منذ اليوم الأول لمولده.

 

هناك سنعرف اسم «الداية» التى سحبته من رحم أمه ومستوى معيشة عائلته ومحضر الغش الذى تحرر له وهو فى المدرسة الثانوية وسيجارة الماريجوانا التى دخنها فى الجامعة وعملية الإجهاض التى أجبر صديقته عليها والرشوة التى أخذها وهو فى وظيفة مدنية متدنية.

 

هناك لا أحد يتهم الصحافة التى تفتش تحت جلد المرشحين بالسب والقذف ولا يحاكمها أحد بتهمة التشهير وهتك العرض والتعرض للحياة الخاصة.

 

بل لو لم تفعل ذلك ستتهم بالتقصير.

 

لكن هناك أيضا من يعترف بنفسه قبل أن يجبر على ذلك.

 

«بنفسه قال» حسب المبدأ الرومانى القديم.

 

أو «اعترف بعيوبك قبل أن يعترف الآخرون بها» حسب المثل الإنجليزى.

 

بل ربما كان اعترافه المبكر قبل أن يرشح نفسه لوظيفة سياسية سببا فى صعوده كما حدث مع «جيمس دونالد بومان فانس» الذى اختاره «دونالد ترامب» نائبا له من بين ١٢ شخصية أخرى ليخوضا معا الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

عندما تجاوز «جى دى»- كما ينادونه- الثلاثين من عمره نشر سيرته الذاتية تحت عنوان «مرثية هيلبيلى» أو «مرثية ريفى» التى تصدرت قائمة أفضل مبيعات الكتب وألهمت المخرج والمنتج الأمريكى «رون هاوارد» بتحويلها إلى فيلم يجسد الحلم الأمريكى (أمريكان دريم) شاهدته مؤخرا على شبكة «نتفليكس».

 

ولد فى الثانى من أغسطس عام ١٩٨٤ وسط عائلة تمتد جذورها إلى أيرلندا تعيش تحت خط الفقر فى أحد الوديان الجبلية الفقيرة داخل حدود ولاية أوهايو.

 

كان بلا عائل سوى أم ممرضة «بيفرلى فانس» هرب زوجها الثانى بعد أن أنجبت منه طفلين هو وشقيقته «ليندسى» وفقدت وظيفتها بسبب الإدمان على الجنس والمخدرات وإثارة الفوضى فى المستشفى بحذاء على عجل جرت به فى الطرقات وكادت تنتحر ولم تتردد فى ضربه كلما ضغطت الحياة عليها بل شجعته على سرقة صور نجوم الكرة الذين يحبهم وهو صبى.

 

وعندما أصبح شابا اضطر للعمل فى ثلاث وظائف ليغطى مصاريف تعليمه فى كلية الحقوق جامعة «ييل» وعندما أصبح على وشك الالتحاق بمكتب المحامى الشهير «فيليب روزمان» ليكمل دراسته تسحق أحلامه مكالمة تليفونية من شقيقته الكبرى التى تعمل بائعة فى محل أحذية بوجود أمه فى مستشفى للعلاج من جرعة هيروين زائدة.

 

وفى كثير من محطات حياته خاصة فى سنوات المراهقة كاد يتعرض إلى الموت أحيانا أو إلى السجن غالبا إما بسبب سرقة آلة حاسبة تساعده فى علم الجبر الضعيف فيه أو بسبب اقتحام بيت هو وعصابة الحى من أقرانه.

 

بل إنه كاد يصبح مدمنا عندما تزوجت أمه من ممرض فى قسم الغسيل الكلوى من أصول آسيوية كان يدخن هو وابنه المخدرات.

 

لكن جدته العجوز التى يناديها «ماماو» والتى تعانى من متاعب فى المشى وتعيش على الوجبات المجانية لبنوك الطعام تنقذه وتصر على إعادته إلى طريق مستقيم بأن يعمل فى سوبر ماركت أو يغسل الصحون فى مطعم أو يجند فى مشاة البحرية ويحارب فى العراق.

 

فى الوقت نفسه يحب «أوشا» السمراء ذات الأصول الهندية التى تعرف عليها فى الجامعة وتحملت ظروفه الصعبة وتحملت عائلته المزرية وأصرت على أن تسانده فى كل ما يتعرض إليه من مواقف صعبة بداية من كيفية استخدام أدوات الطعام إلى لون رابطة العنق المناسبة للسترة الوحيدة التى يمتلكها.

 

إنها مرشدته الروحية على حد اعترافه.

 

إن هذه السيرة هى السيرة التقليدية لعتاة المجرمين ولكنه نجا من هذا المصير وأكمل دراسة الحقوق وأصبح محاميا شهيرا وانضم إلى الحزب الجمهورى حتى أصبح عضوا فى الكونجرس وفجأة أصبح حديث العالم بعد أن اختاره «ترامب» لخوض الانتخابات معه على منصب نائب الرئيس.

 

وعادة ما يكون اختيار نائب الرئيس بسبب إمكانية حصوله على أصوات بعيدة عن محيط الرئيس نفسه وفى هذه الحالة سنجد أن أصوات لمهمشين والمعدمين الذين وجدوا فى «جى دى» نموذج الصعود من القاع إلى القمة يمكن أن تذهب إلى «ترامب».

 

وما أن أعلن عن اختياره حتى صيغت كلماته فى نهاية مذكراته بحروف من نيون:

 

«إن جذورنا هى ما تحدد هويتنا.

 

«لكننا نختار مستقبلنا كل يوم.

 

«عائلتى ليست مثالية ولكنها شكلت شخصيتى ومنحونى فرصة لم تحظ بها قط.

 

«احتجت إلى الإنقاذ مرتين.

 

«أنقذتنى جدتى أول مرة.

 

«وأنقذنى ما علمتنى إياه ثانى مرة.

 

والحقيقة أن نائب الرئيس فى الولايات المتحدة ليس له دور يذكر بعد الانتخابات إلا إذا قتل الرئيس أو أقيل من منصبه.

 

لقد أقسم «ليندون جونسون» على الكتاب المقدس فى الطائرة التى حملت نعش «جون كيندى» من تكساس إلى واشنطن.

 

وأكمل «جيرالد فورد» مدة رئاسة «ريتشارد نيكسون» بعد استقالته بسبب تورطه فى فضيحة «وترجيت».

 

لكن المؤكد أن «ديك تشينى» كان نائب الرئيس الأكثر نفوذا بسبب ضعف الرئيس نفسه «جورج بوش» الابن؟

 

ويبدو واضحا أن «جيمس دونالد فانس» سيكون نائب رئيس مؤثرا بل إن اختياره سهل وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض حسب تقديرات أكاديميين وصحفيين ومحللين استراتيجيين نشرتها الشبكة الإخبارية «سى. إن. إن.» الأمريكية.

 

فهو النسخة السياسية العصامية المتعلمة من «ترامب».

 

وسيكون بمثابة عقله المفكر ومرشده إلى قرارات استراتيجية محكمة بعد فترة رئاسية سابقة بدا فيها عاجزا عن تقدير تبعات قراراته المتهورة وغير المحسوبة.

 

لن يختلف «جى دى» عن ترامب فى التعصب للجنس الأبيض رغم اختلاف الطبقات بينهما.

 

هو مثله فى مبدأ «أمريكا أولا» ولن يقبل بدعم حلف الناتو ما لم يموله الأوروبيون وانتقد حزب العمال فى بريطانيا ووصف حكومته بأنها «أول حكومة إسلامية تمتلك سلاحا نوويا» كما أنه لن يقبل باستمرار دعم أوكرانيا وسيعطل حزمة المساعدات المقرر لها ونصحها بالتفاوض مع روسيا مما يعنى أنها ستفقد بعضا من أرضها.

 

وهو مثله فى الابتعاد عن روسيا التى لم تعد مؤثرة والاهتمام بالصين التى ستكون ميدان الصراع مع الولايات المتحدة طوال أربعين سنة قادمة.

 

ولسنا فى حاجة للقول إنه مؤيد قوى للسياسة الإسرائيلية وتطبيع العلاقات بينها وبين الدول العربية.

 

والأخطر أنه يعتبر دعم إسرائيل رسالة دينية قبل أن تكون حليفا استراتيجيا فهو مسيحى متعصب بلا حدود.

 

ورغم أنه خدم فى العراق إلا أنه اعتبر الحرب الأمريكية الفاشلة هناك السبب المباشر فى دعم إيران وتوسعها فى المنطقة من طهران إلى باب المندب ومن بغداد إلى بيروت.

 

المثير للدهشة أنه لم يكن ليقبل «ترامب» عندما رشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٦ بل شبهه فى جلسات خاصة بالزعيم النازى الألمانى وأطلق عليه اسم «هتلر أمريكا» ووصفه بأنه أحمق يستحق الشجب.

 

وكتب على موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) إلى أحد أصدقائه فى عام ٢٠١٦:

 

«أتأرجح بين الاعتقاد بأن ترامب غبى خبيث مثل نيكسون الذى ربما لم يكن بهذا السوء وبين أنه هتلر أمريكا».

 

على أنه بانتهازية اشتهر بها انقلب رأسا على عقب فى موقفه من «ترامب» بعد أن فوجئ بالنجاحات التى حققها حين كان رئيسا.

 

وبذكاء سانده «ترامب» فى الترشح لعضوية مجلس الشيوخ فى التجديد النصفى عام ٢٠٢٢.

 

فى مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» اعترف بأن الانتقادات التى وجهها إلى «ترامب» سببها المظهر وليس الجوهر.

 

وعلى شاشة «فوكس نيوز» أبدى الندم علنا.

 

إن تغيير الجلد سمة من سماته المباشرة التى لا تثير فيه خجلا.

 

يمكن أن ينام سياسيا ويستيقظ فى اليوم التالى راقصة استعراضية.

 

يمكن أن ينام وهو سيناتور فى مجلس الشيوخ ويستيقظ فى اليوم التالى وهو رجل دين يبيع صكوك الغفران وتذاكر السفر إلى الجنة.

 

لكنه يرد على ذلك قائلا:

 

«إن تغيير الجلد يعنى أن لا تبقى مزروعا فى مكانك وأفكار سبعة آلاف سنة مثل آثار الفراعنة بل يعنى أن تظل فى حالة يقظة وتحفز للتغيير قبل أن تدخل مرحلة الغيبوبة».

 

ليفعل ما يشاء ولكن ليبعد عنا بشره.

 

 

دونالد ترامب

 

 سرق صور نجوم الكرة وسحقت أحلامه بمكالمة من شقيقته تخبره فيها أن أمه

 

فى المستشفى للعلاج من جرعة هيروين زائدة

 

 

 

ريتشارد نيكسون

 

 

كاميلا هاريس

 

جيه دى فانس