من «سيدة الخبز» إلى واقعة محافظ سوهاج.. «شو» يخالف القانون
كغيري أرى الزيارات المفاجئة للمسؤولين وبينهم المحافظين، إلى المؤسسات والمصالح الحكومية، زيارات شو أكثر منها اطلاع على سير العمل، ولا تعدو كونها لقطة يأخذها المسؤول لإيصال صورة ذهنية في بداية توليه المسؤولية، بأنه سيكون مختلفا عن سابقه، وسيرعى جولات مكوكية لمعاقبة المقصرين «الأشرار» بين يوم وليلة.
تلك الزيارات المفاجئة أرى معظمها سلبية، أكثر من إيجابية، تربك دواليب العمل أكثر مما تفيدها، خصوصا أن القرارات الناتجة عن معظمها تكون مندفعة غير مصحوبة بدراسة الأمور بعين التعقل، ومن ثم تكون الأمور عشوائية وتسفر عن ضحايا وبعدها يكون هناك تراجع من المسؤول واعتذار، فضلا عما يشوب بعضها من مخالفة القانون.
أكد ذلك واقعة محافظ سوهاج الجديد، عبدالفتاح محمد سراج، الذي أصبح حديث السوشيال ميديا بين ليلة وضحاها، بسبب زيارته المفاجئة إلى مستشفى المراغة المركزي، وما صاحبها من توبيخ لموظفة تقوم بعملها المنوط بها.
المحافظ الذي قرر -مشكورا- النزول إلى الشارع لتفقد الأمور على الطبيعة، نهر الموظفة التي طلبت من الزائر حجز تذكرة دخول أولا قبل الكشف، وفق الإجراءات الطبيعية المتبعة، بقوله «قاعدة على مكتبك بتعملي إيه، علقي له محلول يالا» ما ينم عن تسرعه واندفاعه في معالجة الأمر، فلم يكلف نفسه عناء التفكير في سبب طلب الموظفة وهل هذا يتوافق مع النظام المتبع أم يعارضه.
وأسأل هنا: ماذا لو حدث العكس، بأن سمحت الموظفة للزائر بدخول المستشفى مجانا -وأنا هنا لا أتعرض لظروفه الاقتصادية تسمح أم لا- وفاجأها المحافظ واكتشف أنها تتساهل في إدخال الناس المستشفى من دون تذاكر؟ هنا أقولها بكل صراحة سيكون المحافظ في قمة الغضب -بالكاد- ويتهمها بأنها تهدر المال العام وسيعلق لها المشانق فورا.
ما كان من المحافظ إلا أن وضع نفسه في موضع لا يحسد عليه، فقد جاء الرد سريعا من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بالاعتذار إلى الطبيبة، في مؤتمر صحفي، قائلا: كمسؤولين تنفيذيين، نحرص على تحقيق رضا المواطن، ومن حق المحافظ أن يحقق أفضل خدمة المواطن، ولكن دون تجاوز في حق العاملين في الدولة، وبقول للطبيبة حقك عليا وبنعتذرلك إذا ثبت حدوث تجاوز».
تسرع المحافظ تجاه الطبيبة التي مارست عملها وفق المتبع، جعله مطالبا بالاعتذار -بعدما اعتذر لها رئيس الوزراء- وقد كان علل قراره بإحالة الطبيبة إلى التحقيق ونهرها بأنه «بعمل اللي يرضي ضميري، ووضعت نفسي موضع والد الطفل، الذي وقف أمام غرفة الكشف، في انتظار نظرة رأفة من الأطباء، ولم أجد نفسي إلا وأنا أحيل الطبيبة إلى التحقيق بتهمة التقاعس عن العمل».
ثوب التسرع الذي ارتداه المحافظ، جاء في خضم الجولات الميدانية التي صاحبت المحافظين الجدد، بداية من محافظي الدقهلية والبحيرة والإسكندرية وغيرهم -وكأنهم يرون أن حل المشاكل المستشرية سيكون بالزيارات المفاجئة، وهذا ليس صحيحا- وكلفه وضع نفسه في شبهة ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون، أولا: التصوير في منشأة صحية، وثانيا: إهانة موظف عمومي في أثناء عمله، وثالثا: شبهة حث الموظف على إهدار مال عام، عندما طلب منها إدخال المريض للكشف من دون حجز تذكرة.
كان الأولى بالمحافظين الجديد، بدلا من التسرع بالنزول إلى الشارع فور تسلمهم المهام، تشكيل فرق عمل، بصلاحيات كاملة، كل في مجال تخصصه -وما أكثر الموظفين في الديوان العام، الذين تعج المكاتب بهم- يكون شغلهم الشاغل التواصل مع المؤسسات المختلفة في كل محافظة يبدأون فيها بمراجعة خطة العمل، وتحديد المهام والمسؤوليات والتأكيد على ضرورة الالتزام وإشعار مسؤولي تلك الجهات بوجود مرحلة جديدة من العمل تتطلب الالتزام وتلافي الأخطاء، ووع أسس لمرحلة جديدة من العمل في إطار خطة العمل الكبرى في مؤسسات الدولة المختلفة، ومن ثم تأتي خطوة الزيارات المفاجئة تالية ويتحمل فيها كل مسؤول عواقب عمله.
وقبل تشكيل فرق العمل، ينبغى التأكد من أنها مؤهلة بالشكل اللازم للتعامل مع الموظفين، في احترام آدميتهم يعلوها المنطق والحجة لا الصوت العالي.
واقعة محافظة سوهاج، لم تختلف كثيرا عن واقعة «سيدة الخبز» الذي كان بطلها محافظ الدقهلية الجديد طارق مرزوق، الذي ضجت السوشيال ميديا بفيديو يظهر فيه وهو يصادر نحو 5 أكياس خبز مدعم، من منزل سيدة مسنة بداعي أنها حصلت عليها بغير وجه حق، وسط تصريحات متضاربة من المقربين بأنها تنوب عن أشخاص آخرين في الحصول على حصصهم من الخبز مقابل مبلغ تتحصل عليه منهم.