أجراس الجوع تقرع في شمال غزة الصامدة.. الآلام تتواصل
أطفال بهياكل عظمية، وآخرون يقفون في طوابير للحصول على بعض الطعام ليخفف عنهم ألم الجوع أو جرعة ماء علها تطفئ بعض ظمئهم، ومشاهد أخرى لأطفال وهم يلتقطون ما بقي من حبات أرز في قِدْر.
وثمة مقاطع تظهر عجز الآباء عن توفير كميات قليلة من الأكل لينقذوا بها حياة من تبقى من أفراد أسرهم، وصرخات استغاثة من أمهات لإنقاذ حياة أطفالهن بسبب سوء التغذية والجوع القاتل.
ومع انتشار الكثير من الصور الصادمة القادمة من غزة على منصات التواصل الاجتماعي، أطلق جمهور منصات التواصل هاشتاغ "شمال غزة يموت جوعًا"، من أجل نقل معاناة الأهالي وتسليط الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس.
حكت الباحثة والناشطة النسوية الفلسطينية الدكتورة منال نجم، عندما نشبت الحرب في السابع من أكتوبر بين حماس وإسرائيل وما زالت متواصلة إلى يومنا هذا، ونتج عن الغارات الجوية دمار في البنية التحتية التي سببت قطع إمدادات المياه والأغذية والوقود، ما أفضى إلى انهيار جميع القطاعات المرتبطة بالأغذية، ومنها إنتاج الخضار وفي قطاعات الثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وانتشار الندرة الواسعة في المواد الأساسية من خضار وفواكه، وقد أدّت زيادة حدة الأعمال العدائية إلى تفشي المجاعة؛ مما ترك أكثر من نصف مليون شخص في غزة على شفا المجاعة كجزء من أزمة إنسانية أوسع نطاقًا في المحافظات الشمالية لقطاع غزة.
وأضافت نجم في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن شمال غزة يحتاج إلى إرسال المساعدات المتوقفة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي أثناء فترات الانتظار الطويلة عند نقطة التفتيش، تتعرض القوافل للنهب وكثيرًا ما يتم إعادتها، وإذا تمكنت الشاحنات من العبور، فهناك احتمالية حدوث المزيد من عمليات النهب على طول الطريق الصعب إلى الشمال مما زاد من تفاقم أزمة الجوع في ظل عدم توزيع تلك الحصص الغذائية بالشكل العادل على جميع السكان المقيمين في المحافظات الشمالية في قطاع غزة.
أشارت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، ويعد هذا الأسلوب من أسوأ حالات التجويع التي صنعها الإنسان في ما يقرب من قرن، ونتيجة للمجاعة، مات المدنيون الفلسطينيون من الأطفال في محافظات الشمالية لقطاع غزة، علاوة على ذلك لجأ الفلسطينيون إلى بدائل كثيرة لسد الجوع لديهم معبرين عن صمود أسطوري لمجابهة مخططات الاحتلال القذرة التي كشفتها تلك الحرب التي أبادت كل ما هو موجود في قطاع غزة من بشر وشجر وحجر وتراث وتاريخ في كافة مجالات الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والسياحة والاقتصاد.
ولفتت إلى أن أصابت المجاعة في شمال قطاع غزة أكثر من 750 ألف فلسطيني يعيشون مجاعة حقيقية، بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والحصار وإغلاق المعابر، مما أدى إلى فقدان المواد الغذائية من الأسواق وحتى إن وجدت فهي باهظة الثمن لا يستطيع المواطنين في ظل الفقر الذي نتج عن الحرب شراؤها.
وحسب ما جاء في تقرير جديد أصدرته المبادرة العالمية في شهر مايو 2024 في المحافظات الشمالية للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (التصنيف المتكامل) أنّ المناطق المتبقية من قطاع غزة معرضة أيضًا لخطر المجاعة في وقت لاحق في حال وقوع أسوأ سيناريو ما لم تتوقف الأعمال العدائية وما لم تصل المساعدات الإنسانية على نطاق واسع إلى من هم في أشد الحاجة إليها، وأشارت إلى أنه كانت نسبة تتراوح بين 60 و70 في المائة من الماشية المنتجة للحوم ومنتجـات الألبان في غزة إما قد قضت أو تعرّضت للذبح السابق لأوانه بغية تلبية الاحتياجات الغذائية الماسّة التي خلّفها الصراع، ويعتري المنظمة قلق شديد بشأن الخسائر الكبيرة في الثروة الحيوانية كونها أساسية لسبل العيش ولبقاء الأسر في غزة. وإنّ توفير أعلاف الحيوانات ليس مجرد وسيلة لاستدامة سبل العيش الريفية أو أصل اقتصادي للأسر المتضررة فحسب: إذ إنّ الحفاظ على حياة الحيوانات التي تملكها الأسر وعلى إنتاجيتها يعطيها مصدرًا للبروتينات والتغذية والحليب - وهي عناصر لا غنى عنها بالنسبة إلى الأطفال بصفة خاصة.
أكدت أن مظاهر المجاعة بدأت عندما قام الاحتلال باختفاء المعلبات التي اعتمد عليها أهالي القطاع في المحافظات الشمالية في غذائهم منذ بدء العدوان، وتبعها دقيق القمح والأرز الذي خلت منه الأسواق، ليتجه الفلسطينيون إلى طحن حبوب الذرة والشعير المخصصة لصناعة أعلاف الحيوانات، وكان سكان المحافظات الشمالية ينتظرون وصول المساعدات الإنسانية على ساحل البحر والتي كانت تأتي عبر الإنزالات الجوية أو عبر الشاحنات التي تأتي من دوار النابلسي على شارع الرشيد، أو التي تأتي من الشاحنات على خط صلاح الدين عند دوار الكويتي وكانت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تقتل الكثيرين كسياسة لتقليل تعزيز صمود الأسر الفلسطينية التي صمدت رغم القتال الضاري في المحافظات الشمالية مما أجبر الكثير من العائلات بسبب الجوع النزوح على المحافظات الجنوبية.
كشفت أن منظمة الصحة العالمية أعلنت في 2 مارس 2024 تسجيل 10 أطفال "ماتوا جوعا" في قطاع غزة، مشيرة إلى توقعات بأن يكون العدد الحقيقي للوفيات بسبب نقص الغذاء أعلى من ذلك. وفي 3 مارس 2024، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، وفاة 15 طفلا نتيجة سوء التغذية والجفاف، خلال الأيام الماضية، في مستشفى كمال عدوان. وفي 16 مارس 2024 حذرت وكالة الأونروا من أن المجاعة تلوح في الأفق في قطاع غزة مؤكدة أن طفلا من كل 3 أطفال دون السنتين في شمال القطاع يعاني من سوء التغذية الذي ينتشر بسرعة بين الأطفال ويصل إلى مستويات غير مسبوقة.
واختتمت الباحثة الفلسطينية، أن واقع الحياة التي نعيشها اليوم يعتمد أهالي شمال القطاع ومدينة غزة على الأعشاب البرية لإطعام أنفسهم وأطفالهم، وبعض المعلبات التي ادخروها في وقت سابق؛ مما يزيد الصعوبات التي يواجهونها في تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ويسبب نقص الطعام في قطاع غزة جفافا وانعداما لسبل عيش السكان، خاصة الأطفال، ما يؤدي إلى سوء التغذية وزيادة حالات الوفاة لدى الأطفال جراء نقص الطعام والحليب المخصص لهم، بالإضافة إلى نقص العلاجات الضرورية لأمراضهم، وقال حسام أبو صفية مدير مستشفى "كمال عدوان" شمال قطاع غزة، للأناضول، إنه تم تسجيل أكثر من 50 طفلا فلسطينيا يعانون سوء التغذية، خلال الفترة الماضية، ومعاناة أهالي شمال غزة مع الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي منذ بدء العدوان بحاجة إلى تضافر جهود العاملين في المؤسسات الدولية التي تهتم بشؤون الأطفال وتوفير المزيد والمزيد من المساعدات التي تسهم في تعزيز الأمن الغذائي.