عادل حمودة يكتب: بدائل الحبس الاحتياطي تدعم حقوق الإنسان في مصر
سوار إلكتروني يراقب المتهم عن بُعد
زيادة الغرامات المالية في جرائم المنصات الاجتماعية
وضع المتهم على قوائم الممنوعين من السفر حتى لا يهرب إلى الخارج
الكاتب بالضرورة ضد الظلم
يرفض كل ما يجعل العالم مرعبا ومظلما وقبيحا.
يقف دائما مع الحرية ضد الفاشية ومع النور ضد العتمة ومع اللحم البشري ضد طعنات الخنجر.
لن أتفلسف عليكم ولن أعقد الأمور ولن ألف وأدور.
ببساطة أتحدث عن الحبس الاحتياطى.
جاءت السيرة عندما شاهدت الفيلم الأمريكى «دستيبرب»
ولن تصدقوا أن ما جاء بالسيرة على خاطرى فيلم أمريكى اسمه «دستيبرب» أو «اضطراب» الذى يروى قصة شاب اسمه «شيا لابوف» يشعر بالذنب لوفاة والده فى حادث نجا هو منه وفى لحظة غضب يلكم معلم اللغة الإسبانية ويتفهم القاضى ظروفه النفسية فيحكم عليه بالبقاء فى بيته لا يغادره ثلاثة أشهر ووضع حول ساقه سوارا إلكترونيا يحرمه من التحرك أبعد من عدة أمتار محدودة عن بيته ولو خالف ذلك ينفذ العقوبة فى السجن وأكثر من ذلك يدفع ٦٠ دولارا يوميا للشرطة تكاليف مراقبة احتجازه.
تبدو العقوبة مريحة لكنها فى الحقيقة تسبب له اضطرابا نفسيا وعصبيا بسبب عزلته عن العالم الخارجى فلا يجد أمامه سوى مشاهدة التليفزيون أو ألعاب الفيديو ولا يتوافر له سوى طعام «البيتزا».
إن السجن سجن ولو في الجنة.
وسبق أن راقبت الشرطة الدولية «الإنتربول» تاجر السلاح «عدنان خاشقجى» بوضع سوار إلكترونى حول معصمه يسمح بتحديد مكانه على خريطة العالم ويسجل أحاديثه ولو كانت شديدة الخصوصية مما جعله يتلعثم عندما يتكلم.
إن المراقبة القضائية الإلكترونية تعبير بليغ عن براعة ثورة التكنولوجيا الرقمية فى دعم حقوق الإنسان بعيدا عن زنازين السجون الموحشة والتى تحول المجرم الصغير أحيانا إلى زعيم عصابة.
إنها وسيلة حديثة عصرية يمكن استخدامها مع المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا لم ينته التحقيق فيها ولم تنظرها المحاكم أو لم تصدر فيها حكما.
هناك مبررات شائعة للحبس الاحتياطى منها الخوف من هروب المتهم والخوف من الإخلال الجسيم بالنظام العام الذى يترتب على جسامة الجريمة أو عدم وجود محل إقامة ثابت للمتهم.
يضاف إلى ذلك الخوف من تأثير المتهم مباشرة على المجنى عليه أو الشهود أو إفساد أدلة اتهامه أو تغيير معالم الجريمة أو طمسها.
والحقيقة أن المتهمين من أصحاب الثروات قادرون على تغيير وتحسين مواقفهم فى القضايا المتهمين فيها بواسطة محامين يدافعون عنهم أو مساعدين ينفذون تعليماتهم وهم يملكون المال الوفير ليحققوا ما يريدون وهم وراء القضبان.
هكذا فإن مبررات الحبس الاحتياطى ليست محصنة دائما وغالبا لا يستسلم لها سوى الفقراء والبسطاء.
كما أن كثيرًا من القضايا لا تزيد عن محاضر ضبط ومحاضر تحريات كتبها ضباط شرطة لا علاقة لهم بالمتهمين ولن يفسدوا مستندات الدعوى.
بالقطع يسبب الحبس الاحتياطى تقييدا للحرية بجميع أشكالها ولكن الأخطر أنه يشوه سمعة المتهم ويعرضه للفضيحة العلنية رغم أنه لا يزال بريئا ولم يحكم عليه حكما باتا نهائيا.
وكثير من الذين نفذوا حبسا احتياطيا وأفرج عنهم دون إحالتهم إلى محاكمة فقدوا وظائفهم واضطربت أسرهم وظل مجرما فى عيون من حوله.
وكل ما يميز المحبوس احتياطيا عن غيره فى السجن هو ارتداء ملابس بيضاء كما أنه يسمح له بتناول الطعام من الخارج.
والخطر أن يستخدم الحبس الاحتياطى كعقوبة رغم عدم الإدانة.
والحد الأقصى للحبس الاحتياطى سنتان حتى لو كانت عقوبة الجريمة المتهم بها شخص ما أقل من هذه المدة.
وأغلب الظن أن التعديلات المقترحة على قانون «الإجراءات الجنائية» يمكن أن يخفض الحد الأعلى ويخفضه إلى أربعة أشهر فى الجنح وثمانية أشهر فى الجنايات مثلما يحدث فى فرنسا التى نتأثر بها تشريعيا.
وتزداد الحاجة لتقييد الحبس الاحتياطى فى فترات الأوبئة مثل جائحة كورونا لأن الإجراءات الاحترازية تكلف مليارات إضافية فى العزل والتباعد وتوفير مناطق علاجية خاصة.
والمؤكد أن تخفيض أعداد المحبوسين احتياطيا سيوفر المليارات التى تنفقها الحكومة على معيشتهم فى السجون ورعايتهم طبيا وحراستهم عسكريا ومراقبتهم أمنيا وربما يؤدى ذلك إلى تقلص عدد السجون والاستفادة من أرضها ومبانيها استثماريا تنفيذا لقاعدة «افتح مصنعا تغلق سجنا».
وحسب ما هو معلن فإن مجلس النواب يعدل قانون «الإجراءات الجنائية» ويضع الحبس الاحتياطى فى مقدمة اهتماماته ويقترح بدائل أخرى له تخفف الكثير من آثاره السيئة فى اتجاه نحو المزيد من حقوق الإنسان.
إن السوار الإلكترونى سيكون بديلا حاسما.
سوار يلف حول المعصم أو الساق ويحدد أقصى مسافة يتحرك فيها المحبوس احتياطيا فإذا تجاوزها أضىء النور الأحمر بدلا من النور الأخضر جاءت الشرطة لتنذره مرة واثنتين وثلاثًا وفى المرة الرابعة تحمله إلى السجن ليقضى فيه حبسه الاحتياطى.
ويمكن أن يتحمل المتهم تكاليف احتجازه حسب ما يحدث فى غالبية دول العالم التى تفضل هذا الأسلوب.
ومثل هذا الأسلوب يمكن تطبيقه على من يتحمل تكلفة الاحتجاز أو أصحاب الأمراض المزمنة والخطرة الذين يناسبهم الرعاية الطبية المنزلية لكن لا مفر من انتقالهم إلى السجون إذا ما صدرت أحكام ضدهم لا بد من تنفيذها.
وحسب ما عرفت من مسئول يعرف ما يقول فإن هناك أعدادا كبيرة من المحبوسين احتياطيا كتبوا ونشروا «تويتات» على المنصات الاجتماعية تهدد السلم العام وتحرض على الفوضى وهذه الأعداد الكبيرة تشكل ضغطا على جهات القبض وجهات التحقيق وعنابر السجون والمحاكم الابتدائية والاستئنافية.
هنا لا بد من التفرقة بين حرية التعبير وارتكاب جريمة التحريض.
وفى حالة اعتبار ما حدث جريمة يمكن أن يقر المشرع غرامة عاجلة عقابا على السابقة الأولى فإذا تكررت الجريمة تضاعفت الغرامة وفى المرة الثالثة يكون السجن.
إن مثل هذا الإجراء سيخفف من نفور الشباب مما حولهم ويعيد ارتباطهم بالوطن وهو ما تسعى إليه الدولة ويصب فى مجرى الانتماء العام.
حدث أن وجد النائب العام الأسبق المستشار «عبد المجيد محمود» أن أعداد الشباب الذين يتعاطون مخدرا عابرا يرفع عدد القضايا المعروضة على الحاكم بمعدل يصل أحيانا إلى ٢٠ ألف قضية شهريا ولاحظ أن كل قضية تحتاج إلى أمناء شرطة يحرسونهم ووكلاء نيابة يحققون معهم وأماكن وقاعات محاكم وعنابر سجون.
قرر أن يصرفهم من سرايا النيابة حفاظا على مستقبلهم مع التنبيه عليهم بعدم تكرار ما فعلوا وإلا كان العقاب الجنائى فى انتظارهم.
يمكن الاستفادة من هذه التجربة فى الاتهامات التى لا حصر لها التى توجه إلى شباب المنصات الاجتماعية.
ليس لأن الرحمة فوق العدل أحيانا ولكن لان التكلفة المعنوية التى يدفعها المجتمع لا تقل عن التكلفة المادية التى يتحملها.
وغالبا ما تكون الغرامة رادعا.
فلو دفع شاب عشرة آلاف جنيه مقابل عشرة سطور كتبها ونشرها فلن يكرر ما فعل.
إنها طريقة غير عقابية وإن كانت جنائية تخفف من ازدحام السجون وتبعد المتهم عن مخالطة رفاق السوء داخل الزنازين حتى لا يخرج إلى الحرية مرة أخرى وهو أكثر نقمة وأكثر غضبا وأكثر تمردا وكأن العقوبة لم تصلحه بل أفسدته.
ولا شك أن تخفيض مدة الحبس الاحتياطى والالتزام بها سيوفر على الدولة دفع تعويضات لمن ثبت أن التعامل معه كان متعسفا وأن وجوده وراء القضبان كان متجاوزا.
ولا تتوقف بدائل الحبس الاحتياطى التى حددها القانون الحالى ومنها:
إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
إلزام المتهم بتقديم نفسه لقسم الشرطة فى أوقات محددة.
حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
ولو كان هناك خوف من الهروب إلى الخارج فليس أسهل من وضعه على قوائم الممنوعين من السفر.
ولا بد للجنة متعددة الجهات التى تعدل من القانون أن تبحث مدى ضرورة الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق اللتين تتمتع بهما النيابة العامة.
وما دام الحبس الاحتياطى نوعا من العقاب مهما بدت أسبابه فإن المناسب قانونا أن يصدر بقرار عن لجنة قضائية مشكلة من ثلاثة قضاة كما يحدث فى فرنسا.
وحسب المادة (١٣٤) من القانون الحالى فإن الحبس الاحتياطى يجوز فى حالة وجود جنحة أو جناية المعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة وأتصور أن التعديلات يجب أن تمتد إلى هذه المادة لترفع مدة العقوبة التى تجيز الحبس الاحتياطى إلى ثلاث سنوات.
إن المثير للدهشة أن التعديلات السابقة فى القانون لم تكن فى صالح المتهم.
فى قانون عام ١٩٥٠ كانت مدة الحبس الاحتياطى لا تجاوز ستة أشهر فى الجنح والجنايات ولكن فى عام ٢٠٠٥ توسع المشرع فى مد الحبس الاحتياطى بحيث لا تجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرا فى الجنايات وسنتين إذا كانت العقوبة المؤبد أو الإعدام.
وفى عام ٢٠٠٧ منح المشرع محكمة النقض صلاحية تجديد حبس المتهم دون التقيد بأى من المدد المنصوص عليها إذا كان الحكم الصادر عن محكمة النقض هو الإعدام وهو ما يعنى أن المتهم يظل محبوسا إلى ما لا نهاية.
لكن على ما يبدو فإن التعديلات الجديدة ستصحح الأخطاء السابقة وتخفف من القيود التى فرضته وتتوسع من بدائله ومنها الإفراج الشرطى والإفراج الصحى.
ومنها أيضا التوسع فى الكفالة المالية.
ومنها كذلك توفير ضمانات قانونية لاستئناف أوامر الحبس الاحتياطى بحيث لا يكون الاستئناف أمام الجهة التى أصدرته.
وفى السجون يعامل المحبوسون احتياطيا معاملة الضيوف. صحيح أن لهم الحق فى إحضار الطعام من الخارج ولكن غالبا لا يتمتعون بمزايا المحكوم عليهم مثل مدة الرياضة ومدة الزيارة وإحضار الكتب من الخارج وغيرها.
ولا بد من احترام القانون والالتزام بمدة الحبس الاحتياطى بل لا بد أن يسقط الحبس الاحتياطى إذا ما تجاوز المدة ولا يجوز التحايل عليه بتوجيه اتهام آخر يجدده بطريقة متعسفة.
فى البداية والنهاية فإن الحبس الاحتياطى هو سلب حرية المتهم فترة من الزمن بإيداعه سجنا وهى نوع من العقوبة بغير محاكمة أو ضمانات أو دفاع عن النفس بينما المتهم بحكم الدستور برىء حتى يثبت العكس.
هنا نتذكر القاعدة الذهبية:
«لأن يفلت ألف مجرم من العقاب خير من أن يدان برىء واحد ولأن يسرف الإمام فى العفو خير من أن يسرف فى العقوبة».
والعدالة يجب أن تتمتع بحرية التجول لأن وضع قدميها فى «حذاء صينى حديدى عتيق» فيه تشويه لها.
إن الحرية لا تخيف ولكن العبودية وحدها هى التى تخيف.
المتهمون الأغنياء عبثوا بمبررات الحبس الاحتياطى وهم فى السجن بواسطة رجالهم ومحاميهم.
السجن سجن ولو فى الجنة
ليفلت ألف مدان من العقاب خير من أن يدان برىء واحد.