الاختيار الموفق.. المجدد الرصين المحبوب أسامة الأزهري
تابعت الحوار الشيق الذي جمع وزير الأوقاف، الدكتور أسامة الأزهري، مع أحد أئمة الأوقاف، ويدعى عاشور أبوالعلا، على صفحته الشخصية، ما ينبئ بفترة مهمة جدا في تاريخ الوزارة، ويبدو أننا أمام حقبة مهمة جدا تشير إلى حالة فريدة من التواصل بين الوزير وأفراد الوزارة والأئمة، يسودها الشغف والحب والتواضع.
أثار انتباهي في المحادثة شغف الوزير، في البحث عن الإمام، وحرصه على معرفة مكانه وانتظاره لقاء يجمعهما، وسؤاله عن عدد اللغات التي يتحدث بها، وإشارته إلى دعمه الأئمة لإنارة الدنيا والوطن.
والحقيقة أنني شعرت بغبطة شديدة، عند سماعي خبر اختيار الدكتور أسامة الأزهري، ضمن الحكومة الجديدة، وزيرا للأوقاف، وغمرتني السعادة، فور إعلان اسمه، لحبي الشديد لشخصه الكريم، وعلمه الواسع، وهدوئه المعتاد، ووطنيته الشديدة، ورصانته ورزانته ورجاحة عقله وقوة حجته، وفوق كل ذلك دماثة خلقه، وهذا ليس تملقا في الشيخ، ولكنها كلمة حق مني ومن الملايين غيري، الذين يجمعون على حبه.
على مدار السنوات الماضية، كنت من أشد المتابعين للدكتور الأزهري، إما من خلال أحاديثه عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإما عبر صفحته الشخصية، وأبرز ما جذبني له مناظرته الشهيرة مع أحد دعاة التجديد، فيما يتعلق بكتب التراث، التي أظهر فيها قوة حجة منقطعة النظير في الرد على الشبهات، وإظهار الحقائق وتفنيد المعلومات الملتبسة، وإيضاح الأطروحات المغلوطة المقصودة بحق كتب التراث، وتحديدا كتب الإمام البخاري.
ولست وحدي من عشاق «الأزهري»، ذلك العالم الورع التقي، وليست تلك شهادتي بل شهادة الملايين، والمقربين منه، الذين يؤكدون عفته وطهارة يده، وتبحره في علوم كثيرة في مجالات شتى، دينية وسياسية واقتصادية وفنية حتى في علوم الفيزياء والفضاء، قلما نجد شخصا ملما بكل تلك العلوم في زماننا، عكس الجماعات التي تعارضه لمنهجه وتنال منه وتصوّره على أنه «مبتدع».
تنبأت للدكتور الأزهري، أن يكون في منصب رفيع، وقد كان، فقبل توليه حقيبة وزارة الأوقاف، اختاره الرئيس عبدالفتاح السيسي، مستشارا للشئون الدينية، وهذا اعتراف بقيمته وقامته، فما يحمله من علوم، تؤهله لأعلى المراتب، وحاليا، تشرفت الوزارة بأن يكون «الأزهري» مسؤولا عنها، وأعي جيدا أنه مدرك حجم المهمة وثقلها، فهي من الملفات الشائكة التي تحتاج جهدا منقطع النظير، في العمل الإداري والدعوي، لارتباطها ارتباطا وثيقا ببيوت الله تعالى، وصناديق النذور، وأروقة الدعوة، وتوعية المسليمين بصحيح دينهم، في وقت انتشر فيه التباس الحق بالباطل، والصالح بالطالح، واشتبهت على الناس أمور دينهم ودنياهم.
مكانة الشيخ ليست في مصر وحدها، فيكفينا رؤية استقباله خلال زياراته الخارجية، وكيف حمله الشعب الإندونيسي على الأعناق، في حفاوة نجدها في الدول التي تفتح لها أبوابه، داعيا إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ذلك الشيخ الذي لم يصدر عنه يوما رأيا شاذا ولا فتوى مضللة ولا كلمة حق يراد بها باطل، فهو العالم الواعي بخطورة ما يقول، وما يترتب على قوله إذا تفوه به.
وأشار إلى ذلك بتلقيه رسائل التهنئة من كافة ربوع مصر، ومن محيطنا العربي والإسلامي: من المغرب ونيجيريا ولبنان والبرازيل واندونيسيا وكازاخستان وبريطانيا وتونس والعراق والإمارات والأردن واليمن وسلطنة بروناي والسعودية وسوريا وأستراليا وسريلانكا وداغستان.
الحمل ثقيل على الدكتور الأزهري، في وزارة تتشعب في كل ربوع مصر، في القرى والنجوع، والمراكز والمدن، تتعامل مع مستويات مختلفة من التفكير، من الرجل البسيط في أقصى قرية نائية، إلى رجل الأعمال في أعلى كومباوند في مصر، وهو أهل للتعامل مع تلك العقول، ومدرك للتفاوت في المستويات، وبالتالي المفردات التي تجمع تلك العقول على مائدة الخطاب الديني الوسطي، الذي لن يكون أدنى ولا أكثر من الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله تعالى، وسار على نهجه سيد المرسلين.
وقد ألمح لها في أول تصريح له بعد توليه الوزارة، بتأكيده على مواجهة التحديات التي يمر بها العمل الدعوي، والاستفادة من طاقات الدعاة بشكل صحيح، ووضع القضايا التي تشغل المجتمع، في الاعتبار، وننشر القيم الدينية الصحيحة والأخلاق النبوية المحمدية العظيمة.
ومن بين الموضوعات التي سينبغي للأزهري، الاهتمام بها، في حقبته الوزارية الأولى، ملف الخطاب الديني المعتدل، الذي كلف الرئيس السيسي، الحكومة الجديدة به، لترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي، ذلك الملف المؤرق الذي فتح الباب لكل رويبضة «هبَّ ودبَّ» للخوض فيه بكل تطفل وسَفسَطة، وخلط لـ«الحابل بالنابل».
علم «الأزهري» الواسع الشامل في القرآن والسنة والحديث والتفسير والبلاغة والأدب، سيكون له معولا لتحقيق طفرة كبيرة في ملف تجديد الخطاب الديني، وسيكون الجميع على توافق معه لأننا نثق به، وهو أهل لتك الثقة، ويعلم أننا جميعا نأتمنه على الخوض في ملف حساس مثل ذلك، ولن يخون تلك الثقة.
إسهامات «الأزهري» في خطاب ديني نهضوي، -بتصريحاته الإعلامية فقط- كانت كافية لبناء إنسان يعي أمور دينه الوسطي، وتوفير بيئة حاضنة لإسلام وسطي، بعيدة عن التطرف والغلو والتنفير، وهو الآن مسؤولا في الحكومة ويتولى سلطة قادرة على الخوض في أعمق التفاصيل، وقادر على إحداث تأثير ملموس، في أقرب وقت ممكن، بوضع سياسات جديدة وإجراء حوارات مجتمعية موسعة بين العلماء والمفكرين والمثقفين، لفتح ملف التجديد الديني.
وسعدت بتصريح الوزير «الأزهري» بإشارته إلى مواصلة العمل وبذل أقصى الجهد في تطوير العمل الدعوي، وتطوير وتأهيل الأئمة والواعظات، وإعداد برامج دعوية خاصة بالشباب تراعي احتياجاتهم واهتماماتهم وتستجيب لتساؤلاتهم، وتحسين وحسن إدارة أموال الوقف، والتعاون مع كافة المؤسسات الدينية.
المهمة صعبة، ولكن الرجل يعي جيدا معوقاتها، ويشرِّحها تشريح طبيب ماهر، وسينجح فيها بهدوئه المعتاد، وبشاشته ولينه في التعامل مع فريق العمل بالوزارة، وكذلك لحَزمه وفطنته الشديدة المستمدة من كثرة تبحَُره في العلوم المختلفة، واطلاعه على ثقافات وأفكار مختلفة ستمكنه من تجاوز أي أزمات.