معاداة غزة تغيرت بعد الثورة المصرية !

مقالات الرأي



محمد جمال عرفة

لا يختلف اثنان على أن جملة من العوامل كانت وراء ردع الصهاينة عن توسيع نطاق عدوانهم الأخير على غزة عقب عملية (إيلات) وقبول الهدنة مرة أخرى.

من بين هذه العوامل : المخاوف من تضرر العلاقات مع الحكم الجديد في مصر خصوصا بعدما تدخلت أمريكا بقوة لوقف التصعيد، ونجحت في إقناع القاهرة بعدم سحب سفيرها من تل أبيب مقابل الاكتفاء بالاعتذار الإسرائيلي ، ومن بينها رغبة أمريكا في التركيز على ملفي ليبيا وسوريا حاليا ، وعدم جاهزية القبة الحديدية الإسرائيلية لصد الصواريخ وقدرات المقاومة العالية فيما يخص دقة تصويب الصواريخ وإيقاعها خسائر كبيرة بالمدن التي ضربتها.

ولكن العامل الذي لا جدال حوله وهو السبب الرئيس للجم (إسرائيل) هذه المرة عن الاستمرار في العدوان وقبولها ما يسمى ضبط النفس، والعودة للالتزام بالتهدئة والبدء من جانبها بها على غير المعتاد لحد عدم الرد على صواريخ المقاومة، هو الخشية الحقيقية من أن يؤدي أي عمل عدواني صهيوني مستمر على غزة لتحويل واجهة الثوار المصريين إلى تل أبيب، خصوصا أن المظاهرات مستمرة منذ أسبوع أمام السفارة والقنصلية الإسرائيلية في مصر، وهناك حالة تحفز واستنفار مصرية تجاه (تل أبيب)، وهو ما يعني أن الثورة المصرية فرضت على (إسرائيل) معادلة جديدة في التعامل مع غزة.

فالهدف الأمريكي الصهيوني المشترك هو السعي لعدم إغضاب الثورة المصرية حاليا وتجنب استفزاز الثوار والحرص على هدوء الجبهة مع مصر .. ليس فقط لعدم تهديد العلاقات بين القاهرة وتل أبيب ولكن أيضا لأن هدفهم الحالي هو تركيز الأضواء على الخلافات بين الثوار في مصر وتعميقها خصوصا بين الإسلاميين والليبراليين لضرب الثورة ، في حين أن الأزمة مع (إسرائيل) توحد الفريقين ضد (إسرائيل) كما ظهر في الاحتجاجات المشتركة أمام السفارة الإسرائيلية وتعرقل خطط ضرب الثورة المصرية من الداخل !.

تدخل أمريكي عاجل لإطفاء الحريق

وليس سرا أن سفارتي أمريكا في مصر وتل أبيب لعبتا دورا فوريا في إطفاء حريق الأزمة بين مصر و(إسرائيل) عبر لقاءات موسعة ومكثفة واقتراح فكرة التحقيق المشترك لإرضاء مصر ، وأن ما سمي اعتذار باراك وبيريز لمصر (هو مجرد إبداء الأسف وليس اعتذارا) كان أمرا ملحا بالنسبة لأمريكا لتبريد الأزمة.

بل إن (إسرائيل) – كما قال إيهود باراك في حواره مع التلفزيون الاسرائيلي مساء الإثنين – عدّت كلاًّ من عملية إيلات وكذا إطلاق المقاومة الصواريخ على (إسرائيل) (كمينا استراتيجيا) كان يستهدف جر (إسرائيل) لمواجهة مع مصر وإثارة مارد الثورة المصرية ضد تل أبيب خاصة وأن الحديث يتصاعد في مصر لتعديل اتفاقية كامب ديفيد أو رفضها، ولهذا اختارت تل أبيب المسارعة بتبريد الجبهتين.

وبارك عبر عن هذا عندما قال: إنه من الحماقة أن ترضى (إسرائيل) بخسارة العلاقات الجيدة مع مصر، أو تخاطر بفسخ اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي تمثل أكبر كنز استراتيجي لـ(إسرائيل) في المقام الأول ، وقال : بناء على هذا عملت القيادة الإسرائيلية على عدم السماح لأعدائها بتحميلها مسئولية تدهور الأوضاع الأمنية مع مصر، ونعمل الآن على احتواء الأزمة مع القاهرة، رغم حساسية الموقف بيننا الناتجة عن الغضب الشعبى في مصر .

فقد وصف باراك العمليات العسكرية التي نفّذها مجهولون يوم الخميس الماضي في مدينة أم الرشراش (إيلات) بجنوب الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948، والتي تخلّلها حادث مقتل خمسة جنود مصريين في سيناء بنيران إسرائيلية، بأنها تنطوي على محاولة لـ نصب كمين استراتيجي من شأنه تشويش العلاقات بين تل أبيب والقاهرة ، على حد تعبيره.

وأعرب في الوقت ذاته عن ارتياحه لتمكّن الحكومة الإسرائيلية من اختصار فترة التوتر الأمني مع الجارة مصر ، وأضاف: الوضع حساس فيما يخصّ علاقاتنا مع مصر، وعليه يجب التأكد من عدم المساس بمعاهدة السلام الموقعة معها، حيث أنها تعدّ أكبر ذخر استراتيجي بالنسبة لـ(إسرائيل) ، كما قال.

وقال باراك: إن الهدف الأساسي من إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المنطقة الجنوبية هو تشويش العلاقات بين (إسرائيل) ومصر،وأنه لهذا تم قبول الهدنة التي عرضتها حماس .

وقد اعترفت صحيفة هآرتس الثلاثاء 23 أغسطس بهذا وقالت: إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير (الدفاع) إيهود باراك، حرصا، في أثناء الاجتماع الذي عقده طاقم الوزراء الثمانية (الأحد) 21 أغسطس، على تأكيد أن هناك عدة أسباب تستلزم الامتناع من الإقدام على أي تصعيد في الوضع ضد قطاع غزة، وفي مقدمها الخشية من ازدياد عزلة (إسرائيل) الدولية، ومن تفاقم الأزمة مع مصر، التي اندلعت عقب العمليات المسلحة التي وقعت بالقرب من إيلات الخميس الفائت، وشدد رئيس الحكومة على أنه في ظل أوضاع كهذه لا يجوز أن تشن (إسرائيل) حربًا شاملة على غزة .

وأضافت الصحيفة: إن نتنياهو وباراك تكلما مطولاً في الاجتماع نفسه عن الحاجة إلى أن تلتزم (إسرائيل) جانب الحذر والمسئولية إزاء الأزمة مع القطاع، وذلك بصورة لم تدع مجالاً للشك في أن (إسرائيل) لا تملك شرعية دولية لشن عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، وفي أن الأزمة التي اندلعت مع السلطة الجديدة في مصر عقب العمليات المسلحة بالقرب من منطقة الحدود بين الدولتين فرضت قيودًا جديدة على حرية نشاط الجيش الإسرائيلي.

أيضا نقل موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي عن ضباط كبار قولهم: إن رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، «جابي أشكنازي»، نقل إلى نظيره الحالي «بني جانتس» ملفاً بالأهداف التي يجب أن تهاجمها (إسرائيل)، في عملية واسعة ضد قطاع غزة، إلا أن المستوى السياسي أوقف هذه العملية الواسعة النطاق .

ونقل الموقع عن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى قوله: إنه كان هناك شعور في الجيش بأن اغتيال قادة لجان المقاومة الشعبية هو فقط البداية، لكن الضغط السياسي أوقف كل شيء ، وقال المصدر العسكري الإسرائيلي: إن المصريين أصروا على وقف الرد الإسرائيلي الشديد على المنظمات في قطاع غزة .

وقال المصدر العسكري لموقع «والا»: تحولنا إلى الطفل الذي يصفعه الجميع في الشرق الأوسط، الأتراك جاءوا وطلبوا أن نقول آسفين، وجاء المصريون وطلبوا ألا نرد على الفلسطينيين، الشارع الفلسطيني كله يفهم أن عدم الرد الإسرائيلي يعني ضعفاً».

وقال مصدر أمني لموقع «والا» إن المسئولين المصريين خلال محادثاتهم مع الجانب الإسرائيلي أشاروا إلى الغضب الشعبي المصري ضد (إسرائيل)؛ بسبب مقتل الجنود المصريين على الحدود، برصاص إسرائيلي .

وأضاف المصدر: المصريون أبلغونا بأنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام تظاهرات الشارع في الفترة الحالية، وإذا هاجمت (إسرائيل) غزة، فإن المظاهرة الموجودة أمام السفارة الإسرائيلية هي أنموذج لما قد يحدث .

ربما لهذا أيضا قال إفرايم هليفي - الرئيس الأسبق لجهاز الموساد و مجلس الأمن القومي : إن على (إسرائيل) أن تبلور سياسة جديدة إزاء حماس بعد الثورة المصرية ، وقال: إن على (إسرائيل) أن تدرس ما إذا كانت المصلحة العليا الناجمة عن ضرورة تطبيق اتفاق السلام مع مصر تستلزم أيضًا بلورة سياسة جديدة إزاء حماس؟! .

وطالما أن الصهاينة يعترفون بهذا التراجع في قوتهم على الردع تجاه غزة واختلاف المعادلات بعد الثورة المصرية وإزاحة حكم الرئيس السابق مبارك .. فمن الضروري أن تتحرك حركة حماس وقى المقاومة في غزة للاستفادة من هذا التطور الجديد وفرض أمر واقع جديد.

موقع فلسطين أون لاين