من جادلوا الله في بقرة لن يسلموا القدس بالسلم
تكشف لنا الأيام بشكل جلي، عن الأكاذيب التي ينسجها الغرب حول إمكانية أن تسلم إسرائيل القدس للفلسطينيين بالتفاوض، فالتاريخ كفيلة بنسف تلك الفرضية، إذا أيقنا حقا طبيعة هؤلاء القوم، الذين لم تعرف لهم البشرية مثيلا في خبثم ودنائتهم.
اليهود الذين فضح الله تعالى خبثهم وكذبهم في آيات كتابه العزيز، لا عهد لهم ولا ميثاق، ديدانهم الكذب، وعنوانهم إخلاف الوعد، والخبث والمداهنة سمت أصيل لهم منذ القدم، إذا أرادوا شيئا جهزوا له بدل الخطة ألفا، ونسجوا حوله من خيوط الحيل ما تعجز البشرية عن حصرها، حتى يحققوا مرادهم، مستعينين في ذلك بكثرة أموالهم ونفوذهم، فهم يملكون من الأموال والعتاد ما مكنهم الله، الكثير، ولا تردعهم إلا القوة.
وأحاول أن أرصد من القرآن والسنة، طبيعة هؤلاء القوم منذ تواجدهم في فلسطين، وكيف كان تعامل الله معهم، حينما خالفوا أوامره، فقد أخبرنا الله تعالى في صدر سورة الإسراء، أن اليهود (بني إسرائيل)، سيفسدون مرتين في الأرض، ويبلغون من التجبر والعتي مبلغا، وهذا ما حصل منهم، فعاقبهم الله في المرة الأولى بأن أرسل عليهم «نبوخذ نصر» أو «بختنصر» أحد أقوى الملوك الذين حكموا بابل وبلاد الرافدين، فأذلهم وقهرهم، حتى أذعنوا لأوامر اللهم وتابوا.
ولكن سرعان ما عادوا لطبيعتهم الدنيئة، عندما استعادوا قوتهم وأفسدوا في الأرض مرة أخرى، فعاقبهم الله مجددا بأن أرسل عليهم ملك بابل «بيردوس»، فأذلهم ونكِّل بهم حتى دب اليأس في قلوبهم.
هاتان الآيتان تدلان على أن هؤلاء القوم لا يفهمون سوى لغة القوة، وكذلك جميع الآيات التي ذكرها الله في كتابه الكريم، فيما يخص اليهود، تبين أن هؤلاء القوم لم يحفظوا العهود ولا المواثيق، ولم يلتزموا بأوامر الله ونواهيه بالحسنى والتسليم، وخالفوها عندما ظنوا أنهم ملكوا الدنيا وقادوها كيفما أرادوا، فكان التعامل بالقوة هو الحل الأمثل لإعادتهم إلى الصواب.
وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، عقوبتان أخريان لحقتا ببني إسرائيل -أجداد الإسرائيليين الحاليين- أولاهما: قصة أصحاب السبت، وهم اليهود الذين مسخهم الله قردة وخنازير، لمخالفتهم أمره بأن اصطادوا يوم السبت، الذي حُرِّمَ عليهم الصيد فيه، وثانيهما: عندما سلط الله عليهم فرعون فاستباح دمائهم ونسائهم، كما جاء في الآية الكريمة «وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَىٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ۚ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَآءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ» الآية 6 سورة إبراهيم.
إن شواهد القرآن، بخصوص اليهود، تؤكد حقيقة واحدة لا شك معها، وهي أنهم لا رادع لهم إلا القوة، لا التفاوض أو السلام، ولا يفهمون لغة سواها، ومن يظن أنهم يعترفون بالتفاوض أو الجلوس إلى طاولة الحوار، واهم، فهم دائما ما يرون أنفسهم شعب الله المختار، وما دونهم عبيد، وهذا ليس كلامي، بل نصوص توراتهم المحرفة، فقد جاء في سفر التثنيه (2:14): «لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْب خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ».
وقد جاء في سفر اللاويين (24:20-26): «وَقُلْتُ لَكُمْ: تَرِثُونَ أَنْتُمْ أَرْضَهُمْ، وَأَنَا أُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا لِتَرِثُوهَا، أَرْض تَفِيضُ لَبَن وَعَسَلًا. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي مَيَّزَكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ.* فَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، وَبَيْنَ الطُّيُورِ النَّجِسَةِ وَالطَّاهِرَةِ. فَلاَ تُدَنِّسُوا نُفُوسَكُمْ بِالْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ، وَلاَ بِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِمَّا مَيَّزْتُهُ لَكُمْ لِيَكُونَ نَجِسًا.* وَتَكُونُونَ لِى قِدِّيسِينَ لأَنِّى قُدُّوسٌ أَنَا الرَّبُّ، وَقَدْ مَيَّزْتُكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ لِتَكُونُوا لِي».
واليهود ينظرون إلى غيرهم نظرة دونية، امتثالا لما جاء في توراتهم المحرفة، ففي سفر «اللاويين» الإصحاح 25؛ «وإن ذلَّ أخُوك بِقربك فبِيع لك، لن يستعبد استعباد العبد، مثل الأجير أو المستجير عندك»، وفي نهاية الفقرة ورد: «ومهما يَصِرْ لك من عبدٍ أو أمةٍ فمن الأقوام الذين حولك يكونون، منهم تقتنون العبد والأمة»، وهذا يحظر على اليهود اتخاذ عبيدٍ لهم من إخوانهم اليهود، وحثَّهم، إن أرادوا اقتناء عبد أو أمة، أن يكون من الأقوام الأخرى.
وهنا لست في حل لشرح معنى تفضيل الله لهم، وفق ما أخبرنا في القرآن الكريم، ولكن أوجزها في أن سبب تفضيلهم ليس لجنسهم ولا لونهم، وإنما جاء في فترة معينة لكثرة الأنبياء فيهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي. رواه مسلم، وانتهت تلك الأفضلية عندما كفروا بنعم الله عليهم واستحقوا غضب الله ولعنته، وضربت عليهم الذلة والمسكنة.
اليهود بالسلم حاليا لن يعطوا القدس ولا المسجد الأقصى ولا المحراب، بالمفاوضات ولا أي طريقة غير التي يفهمونها، إنها القوة وحدها الكفيلة باستعادة ما سلب من الفلسطينيين خاصة والمسلمين عامة، فهم يفهمون جيدا تلك اللغة، ويحسبون لها ألف حساب، فالتاريخ شاهد كما أخبرنا القرآن، وفي حرب أكتوبر 1973، أقرب دليل على أن الحل في القوة، عندما أراهم المصريون العين الحمراء، بعدما ظنوا أنهم بلغوا من القوة ما لا تستطيع دولة أن تقف أمامهم، واستعدنا سيناء الغالية التي احتلوها في غفوة من الزمن.
إن القوم الذين يجادلون الله الذي خلقهم في تنفيذ أمر صريح أخبرهم به سيدنا موسى عليه السلام بذبح بقرة، حتى يتوصلوا إلى من قتل النفس، كما جاء في قوله تعالى (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ** فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) الآية 72 سورة البقرة، بعد الأيات السابقة لها: «وإذ قال موسى لقومه إن يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين» البقرة الآية ٦٧، والآيات التالية فيما يخص جدالهم في شكل وصفات البقرة مع إن سيدنا موسى قال «بقرة» أي بقرة، هؤلاء القوم يستحيل أن تجد منهم سهولة في استعادة القدس والمسجد الأقصى، بالتفاوض والسياسة.