خرطوم جديدة في مصر.. التغلغل المخيف

مقالات الرأي

أحمد سامي
أحمد سامي

شاهدت مقطع فيديو لمواطن سوداني في مصر، يتغزل في الأجواء المصرية وطبيعة الشعب المصري الكريم، والأمن والأمان الذي وجده في مصر التي لجأ إليها فرارا من الحرب الدائرة في السودان، بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، ويقول: «الحمدلله أن البرهان ضرب في حمديتي علشان نيجي مصر»، متناسيا مآسي الحرب وأهوالها وتهجيره قسرا بسببها.

كلام المواطن السوداني لم يكن معبرا عن حالته فقط، فالواقع يؤكد أن عشرات الآلاف من السودانيين المتواجدين في محافظات مصر حاليا، يؤيدون تلك المقولة، فالغبطة التي تتملكهم الآن مشروعة، فقد خرجوا من نار الحرب وجحيمها إلى جنة الأمن والأمان في مصر، ولكن..

يبدو أن تواجد الأشقاء السودانيين في مصر، تنامى كثيرا أصبح يشكل مصدر انزعاج على المستوى الشعبي، ليس لرفض استضافتهم، ولكن بسبب انتشارهم في المدن المصرية بشكل لا يمكن تخيله.

برز ذلك الانزعاج في جملة على لسان مواطن في أحد أسواق منطقة فيصل بمحافظة الجيزة: «السودانيين عمالين يجو وبيحولوهم من بلدهم علينا، دا استعمار»، مصحوبة بصوت صاخب يصف حالة الغضب الداخلي لديه، وهو يسير في وسط عشرات السودانيين في السوق بين أناس يتسوقون، وآخرين يبيعون منتجات سودانية.

الموقف الذي لخص السخط الذي بدأ يتصاعد شعبيا، على كثافة انتشار الأشقاء في بلدهم الثاني مصر، من وجهة نظري المتواضعة جانبه الصواب، وأشارك الرجل الرأي -فيما يخص كثافة الانتشار وخطورته، وليس استضافتهم- بل ويشاركني فيه العشرات والمئات والألاف.

التواجد السوداني الحالي في محافظات مصر، أصبح ملفتا وأمرا يدعو إلى وقفة عاقلة قبل أن تكون حاسمة، فنحن نتعامل مع أشقاء لا أعداء لجأوا إلينا في شدتهم، ونحن نرحب بهم بالقطع ونستضيفهم بكل ود وحب، ونجود بما لدينا لهم، فهم وقبل أن يكونوا ضيوفا، كانوا مواطنين درجة أولى معنا عندما كانت مصر والسودان بلدا واحدا، فترة الملكية، وكان الملك فاروق الأول يلقب بملك مصر والسودان.

ومنذ يومين صرحت وزيرة التضامن نيفين القباج بأن مصر استضافت 500 ألف ضيف سوداني بعد اندلاع الحرب، إضافة إلى تواجد 4.5 مليون سوداني في مصر قبل الحرب، ولا أدري إن كانت الوزيرة أخطأت وكان المقصود العكس، أم أنها أرادت امتصاص الغضب الداخلي، فالواقع غير ذلك، فقد فوجئنا جميعا بظهور عدد كبير من السودانيين مرة واحدة بشكل غريب يؤكد أن الأرقام الرسمية لا تحصر العدد الحقيقي للأشقاء في مصر، أو أنها تحصر فقط العدد الذي دخل بشكل شرعي، بعيد عن ألاف دخلوا وما زالوا يدخلون بشكل غير شرعي.

خطورة المشهد، أراه من وجهة نظري في تغير ديموغرافيا أحياء كاملة، وتهديد للأمن القومي المصري، ولنا -على سبيل المثال لا الحصر- في منطقتي فيصل بمحافظة الجيزة والكوربة في مصر الجديدة، خير شاهد، فالحضور السوداني في المنطقتين أصبح ظاهرا بقوة وللوهلة الأولى عندما تطأ قدميك المنطقتين، تظن أنك في ولاية سودانية خالصة، بعادتها وتقاليدها وسكانها ولغتها وتجارتها.

بل والأخطر هو امتهان الأشقاء السودانيين،لمهن شعبية ترتبط بحياة الناس، فسائق الميكروباص سوداني، والسباك سوداني والسمكري سوداني والنجار سوداني، وأصحاب المطاعم أصبحوا يعتمدون على السودانيين في العمالة، في خطوة تؤكد تآكل دور العامل المصري، ناهيك عن عمائر أصبح 75% من شققها مؤجرة للأشقاء، ما رفع أسعارها إلى أرقام خيالية، وأصبح مالك الشقة يفضل السوداني على المصري لأنه يضمن أنه سيحصل على أرقام خيالية.

وباعتباري من سكان فيصل، أقولها بكل صراحة، الموقف أصبح مخيفا، فما من متر إلا وعليه عائلة سودانية، في كل حي وشارع وعمارة ومحل، مجموعة من الأشقاء السودانيين، والعدد كبير جدا، ووصل إلى أن معظم المقاهي ومحلات العصائر والمأكولات المصرية عليها 90% من الزبائن سودانيين، بل وامتد الأمر إلى أن هناك محلات كثيرة في الشارع الواحد أصبحت مملوكة للسودانيين، بين كافيهات أو مطاعم أو كوافيرات أو عطارة، وملابس إلخ....

المشهد الحالي، يدفعني إلى مطالبة الدولة المصرية، -كما قلت بالعقل قبل الحسم-، أن تتدخل للتعامل معه، قبل أن يصبح قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت، إذا علمنا أن هناك مطاعم ومحلات مملوكة للسودانيين لا تتعامل سوى مع السوداني تطبيقا لمقولة «ابن بلدي أولى من الغريب»، وتصدح فيها الأغاني السودانية، بل ووصل الحد إلى أن باع السوداني للسوداني الخبز بنصف جنيه، وللمصري بـ2 جنيه، وكان الأولى به العكس، إكراما لمن يضيفه.

وليس هذا وفقط، فاندماج الأشقاء السودانيين في الاقتصاد غير الرسمي للدولة، ترتب عليه أن استفادوا من الدعم سواء على الكهرباء أو الغاز أو المياه، وهي أمور تعاني الدولة المصرية من تبعاتها اليوم، وتدفع فاتورة ضخمة لذلك الدعم، وتضطر معه في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة والعالم، إلى رفع الدعم رويدا رويدا، ما يؤدي إلى معاناة المواطن المصري العادي، في ظل حصول الأشقاء على الدعم بالدولار من سفارتهم ومفوضية اللاجئين، ما يوفر لهم حماية من الأزمات المالية.

التواجد السوداني ليس فقط ما يدعوني إلى مطالبة الدولة بالتعامل معه، وإنما أيضًا التواجد السوري واليمني، فإنه وإن كان التواجد السوري واليمني في مصر، من وجهة نظري لا يشكل ربع حجم عدد السودانيين، إلا أنهم يستنفدون أيضًا الموارد المصرية والدعم المخصص لأهلها، بل ووصل الأمر بأن ضارب بعضهم في العملة، في وقت تعاني منه الدولة من انتشار السوق السوداء التي أثرت في توفير العملة الصعبة، التي تحتاجها لاستيراد السلع والاحتياجات الأساسية.

أعيد التأكيد مرة أخرى أن اعتراضي هنا ليس على استضافة الأشقاء، ولكن اعتراضي على عشوائية وكثافة انتشارهم بشكل أصبح منفرا، يحتاج إلى إعادة ترتيب الوضع لمنع سكب الزيت على النار واشتعالها، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تحاول الدولة تخفيفها وإزالتها عن كاهل المواطن، فلا توجد دولة في المنطقة تفتح أبوابها للأشقاء المنكوبين من كل الدول العربية سوى مصر، وإن كان هذا دورها باعتبارها الشقيقة الكبرى، إلا أن الأمر يدعو لتقنين الوضع وضبطه قبل أن تنفجر الأوضاع.