على الأصل دور- العبقري عصام يوسف "الشنراوي"

مقالات الرأي

أحمد عبد الوهاب
أحمد عبد الوهاب

 

تابعت باهتمام منذ أيام زيارة الروائي الكبير عصام يوسف، مقدم برنامج "العباقرة" الشهير، إلى مسقط رأس عائلته بمحافظة بني سويف – مركز الفشن - قرية شنرا بعد غياب طويل، والحفاوة الكبيرة التي تم استقباله بها، وهو أهل لها. وقبل أن أبدأ المقال ورسالتي منه، أود أن أذكر نبذة أسرية سريعة عن صاحب العباقرة وعن أسرته؛ ستفيد القارئ في فهم المغزى من المقال لاحقًا.

فعاليات العباقرة

نشأ الروائي عصام يوسف في أسرة غنية بالعلم والمعرفة؛ فالأب هو الكاتب الكبير الراحل عبد التواب يوسف، صاحب الألف عنوان ورائد أدب الطفل في الوطن العربي، وأكثر الكتّاب تأليفًا للأطفال حول العالم (قرابة 595 كتابًا للأطفال)، مما جعله مرشحًا لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية. كما ترجمت مؤلفاته لأكثر من لغة عالمية مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها. والأم هي الصحفية القديرة نتيلة راشد "ماما لبنى"، رئيسة تحرير مجلة سمير. والأخت هي الدكتورة لبنى يوسف، أستاذة الأدب الإنجليزي. أما الأخ فهو السفير هشام يوسف، أحد أهم الشخصيات في السلك الدبلوماسي محليا ودوليًا.

أما الروائي عصام يوسف، فلن أسهب في ذكر الإنجازات والجوائز المحلية والدولية التي حققها، لأنه من السهل معرفتها من خلال البحث على الإنترنت. لكن سأذكر هنا فقط أنه صاحب رواية "ربع جرام"، أو قل رواية "المليون قارئ" لكثرة انتشارها، والتي تُعد -من وجهة نظري- من أهم الروايات الاجتماعية خلال العقدين الماضيين. وفوق ذلك، فهو كما نعرف صاحب فكرة ومقدم برنامج "العباقرة" الشهير، الذي يُعتبر شمعة إعلامية تساهم في إنارة العقول وسط ظلام برامج التوك شو الموجودة على الساحة بلغتها الفجة مثل "الكالون في السيفون" وما على شاكلتها.

الروائي عصام يوسف

لكن ما الهدف من كتابة مقال عن زيارة شخصية عامة مرموقة لمسقط رأس عائلته؟

سألت نفسي قبل أن أبدأ الكتابة هذا السؤال: ما الهدف من تغطية زيارة الروائي الشهير لمسقط رأس عائلته؟ إذ في نظر البعض، تعتبر زيارة الشخصيات العامة المشهورة لمسقط رأسهم مجرد زيارة عابرة. ولكن بالنسبة لي، فهذه الزيارة تحمل رسائل هامة:

أولًا: زيارة شخصية عامة ذات تأثير إعلامي كبير لمسقط رأس عائلته تمثل رسالة لشبابنا بضرورة التمسك بالتراث والأصل والجذر، وأنه مهما ارتفعت مكانة الإنسان، فلا ينسى أهله كما يقول المثل الشعبي (أهلك لتهلك). أقول ذلك خاصة بعد ما رأيت من عدم تقدير قلة من الشباب في أيامنا هذه لمسقط رأسهم، بعد أن تفتح لهم الدنيا ذراعيها بالمال أو الشهرة أو كليهما.

ثانيًا: لدي سبب شخصي يجعلني أكتب عن تلك الزيارة، ألا وهو مكان الزيارة؛ فهي قرية شنرا بمدينة الفشن بمحافظة بني سويف، مسقط رأس الكاتب الشهير عبد التواب يوسف، ولكنها أيضًا مسقط رأس عائلتي.
فالبلدة لها مكانتها الكبيرة في قلبي رغم أني لم أعش فيها، حيث ولدت في محافظة الفيوم الجميلة لظروف عمل أبي، ثم عشت فترة ليست بالقليلة في القاهرة ما بين الدراسة الجامعية والعمل، ثم السفر خارج مصر، إلا أنني لم ولن أنسى أبدًا مسقط رأس أهلي في قرية شنرا ولا ذكرياتها وقت الطفولة في الأعياد والمناسبات.

ثالثًا: هناك سبب أكثر خصوصية، هو أن الكاتب الكبير عبد التواب يوسف وابنه ينتميان مباشرة إلى عائلة العتورة، عائلة والدتي وأخوالي الكرام حفظهم الله. ومن يعرفني من المقربين يدرك أنني رغم حبي الشديد لأقاربي، لا أحب أن أعلن صلة قرابتي بالمشاهير وأصحاب المناصب منهم دون سياق معتبر، حتى لا يُفهم أنه من باب التقرب بذكرهم للتفاخر. لكن ما دفعني الآن إلى ذكر ذلك في مقالتي هو سعادتي وسعادة عائلتي بقرية شنرا ونحن نرى صاحب العباقرة يتقرب بنفسه من أهله بكل حب وتواضع بعد طول غياب، ملبّيًا دعوة كبير العائلة خالي الشيخ إبراهيم الشنراوي -رجل الخير- المعروف في قريتنا، وابنه رجل الأعمال محمد الشنراوي اللذين لا يدخران جهدًا ولا مالًا للمساهمة في العمل الخيري والمجتمعي، لا سيما داخل محافظة بني سويف. وقد ذكر الروائي عصام يوسف أنهما كانا من أكثر الناس حرصًا على عودته لزيارة أهله، ثم الحديث معه للمساهمة في قضاء مصالح القرية والقرى المجاورة، فلهم ولكل من سعى من العائلة خالص التقدير لحرصهم أولًا على لم الشمل لمن أبعدته وشغلته الحياة، ثم لسعيهم لمصلحة القرية العامة ومن حولها من خلال الاستفادة بقدرات أبنائها ممن لهم علاقات نافعة ومؤثرة.

رسائل وعبر من الزيارة أهديها للشباب:

1- التواضع وكسب قلوب الناس:

أعجبني تواضع وتلقائية الروائي عصام يوسف عند حديثه مع أهله وناسه، فهو يخاطب أهل قريته من القلب كاسبًا لقلوبهم قائلًا ما معناه: "أفتخر بأن جذوري من تلك القرية الطيبة، وأعتذر لكم اعتذار المحب عن عدم زيارتي للقرية لفترة طويلة وأعدكم بتقديم كل ما أستطيع من دعم للقرية". وهكذا أولاد الأصول، إن أبعدتهم الأيام لا ينسون أصلهم ومنبتهم الطيب ويعودون ولو بعد حين.

2- أنت بأخيك أقوى:

يتحدث الرجل أنه برغم عدم زيارته للقرية، إلا أن والده الأديب الكبير الراحل عبد التواب يوسف كان دائمًا ما يحدثه عن القرية، منبت رأسه، وأثرها عليه في كتاباته. ثم يتحدث لأهله ممتنًا لوجوده بينهم وعودته إليهم قائلًا "أنا الآن صار لي أهل وعزوة، وقبلها كانت أسرتي صغيرة" وهذا معنى جميل، إذ أن الإنسان بأخيه وأهله أقوى. ولكن بجوار هذا المعنى نجد كذلك أدبًا جمًا في حديثه، فبقدر ما وصل له الرجل وإخوته وقبلهم والدهم الأديب الكبير عبد التواب يوسف، إلا أنه يقابل حفاوة استقبال أهله وأهل القرية له بحفاوة مثلها، يفخر بكونه واحدًا منهم، مثلما يفخرون به، وأنهم إضافة له (أهل وعزوة) مثلما هو إضافة لهم وللقرية، واعدًا بتكرار الزيارات ولكن المرة القادمة بصحبة إخوته الأستاذة الجامعية والسفير تعبيرًا عن امتنانه لتواجده بينهم، في قرية شنرا، قريته وقرية والده.

3- بناء الإنسان قبل البنيان (مكتبة ومدرسة في القرية):

وعد الروائي بإنشاء مكتبة في القرية تحمل اسم الأديب الراحل عبد التواب يوسف، كما سيساهم في بناء مدرسة كبيرة بالقرية، والتي تبرع بأرضها الشيخ إبراهيم الشنراوي جزاه الله خيرًا وجعل ذلك في ميزان حسناته. وهنا تغمرني سعادة كبيرة بالمدرسة والمكتبة، فرغم أن القرية تحتاج لكثير من الخدمات، إلا أن البدء بالمدرسة والمكتبة من أولويات البنيان في كل المجتمعات، لأني أؤمن أن بناء الإنسان يأتي قبل البنيان، ولن يحدث ذلك بعد فضل الله إلا بالتعليم (المدرسة) والقراءة (المكتبة) وما أدراكم ما القراءة، وبعدها يمكن بناء وتطوير أي شيء. ولذلك تحضرني هنا مقولة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ناصحًا بنيه بتعلم العلم، قائلًا: "يا بني تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطًا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم" 

 

 

4- نصيحة من الآباء للأبناء: سيروا في الأرض ولكن لا تضلوا طريق العودة:

حديث الروائي الشهير عن تعلق والده بقريته وحكايته عنها كثيرًا ذكرني بوصايا والدتي -بارك الله فيها وحفظها- عن القرية، فهي رغم حثها لنا للسعي والسير في الأرض طلبًا للعلم والرزق خارج بلدتنا، لكنها أوصتنا بعدم التفريط في بيتنا في القرية مهما حدث وتقول (هذا مكان عودتكم). وتوصينا خيرًا بصلة الأقارب وأهل القرية، (اتركوا مكانًا لكم في قلوب الناس) وتوصينا بزيارة القرية متى استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

إن حديث الكاتب الكبير لأبنائه عن القرية، ثم نصيحة أمي لنا، هي رسالة لكل أم وكل أب، أن يحثوا أولادهم على السير والسعي لطلب العلم والرزق، ولكن مع ربطهم بجذورهم حتى لا يضلوا طريق العودة، فمهما طال الزمان أو بعدت المسافات، لا بد من الرجوع.