هل تواجه مصر أزمة "شُح مائي"؟.. ثلاثة حلول لتدارك الأزمة
توقّع خبراء اقتراب "حروب الماء" من الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة المقبلة؛ حيث رأت دراسة أعدّتها صحيفة "ذا تايمز"، أن حرب المياه الأولى قد اقتربت بشكل غير مُريح، وأن الجفاف والهجرة والتغيّر المناخي، هي عوامل تهدد أمن الشرق الأوسط.
يقول الكاتب السعودي الراحل نجيب الزامل، إن الماء مسألة حياة أو موت؛ فلا مصلحة تعلو مصلحة الحصول على المياه، وأن الماء هو كل شيء في كل الدول، ورأى أن نشوب حربٍ سيكون متوقّعًا في حال تحكّمت الدول العشر التي يمر بها النيل بأنانية، في كل جزء يمر بها، خاصةً وأن حرب مياهٍ لم تقم بين بلدين منذ نحو 4500 عام.
كانت الدراسات والأبحاث والمقالات أكثر تشاؤمية بشأن هذا الملف، خاصة بالنظر إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، وهذا يعود لمحدودية اقتصاديات أغلب تلك الدول، وإدراجها ضمن الدول النامية، وارتفاع عدد سكّانها مقارنةً بمعدّل النمو الاقتصادي.
ورأت الأمم المتحدة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مُرّشحة لتكون من أكثر المناطق تأثّرًا وتضرّرًا بالتغيّر المناخي حول العالم، والأكثر تأثّرًا بشُح الموارد المائية الناجمة عنها، وهو ما بات أمرًا واقعًا في العديد من دول هذه المنطقة.
وتواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من تحدّيات في مجال المياه؛ حيث ارتفع عدد السكان بهذه المنطقة من 100 مليون نسمة في عام 1960 إلى أكثر من 450 مليون نسمة في عام 2018، وسط توقّعات أن يصل عدد السُكّان إلى أكثر من 720 مليون نسمة بحلول عام 2025، وأن نحو ثُلثي سُكّان المنطقة، يعيشون في مناطق تعاني من الإجهاد المائي، والتي يوجد بها 1% فقط من المياه العذبة المتجددة على كوكب الأرض، ما جعلها المنطقة الأكثر إجهادًا مائيًا في العالم؛ حيث يوجد في منطقة الشرق الأوسط 14 دولة من أصل 17 دولة تعاني من إجهاد مائي على مستوى العالم، بما في ذلك البلدان الستة الأولى.
في عام 1992، حددت الأمم المتحدة يوم 22 مارس، ليكون اليوم العالمي للمياه، بهدف إذكاء الوعي بالأمور ذات الصلة بالمياه؛ حيث تُنظَّم الاحتفالات لتسليط الضوء على أهمية المياه، واستلهام الإجراءات الرامية إلى التصدّي للأزمة العالمية للمياه المتوقّعة.
ولكن، كان للأمم المتحدة هذا العام نظرة مختلفة بشأن هذا الملف؛ إذ اختارت موضوع يوم المياه العالمي لعام 2024، "المياه من أجل السلام"، وذلك على اعتبار أن "المياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع"، فعندما تكون المياه شحيحة أو ملوّثة، أو عندما يفتقر الناس إلى الفرص المُتكافئة للحصول على المياه، أو تنعدم فرص حصولهم عليها، فإن التوترات قد تتصاعد بين المجتمعات والبلدان.
مصر وملف الموارد المائية
تحدّيات هائلة تواجهها مصر في ملف الموارد المائية خلال السنوات الماضية، وذلك في ظل الزيادة السُكّانية المُستمرّة، والتغير المناخي الذي يواجهه العالم، وهي في القلب منه، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على المياه، خاصة مع زيادة استهلاك الزراعة لها.
تصريح صادم لوزير الري والموارد المائية المصري، الدكتور هاني سويلم، العام الماضي 2023، كشف أن نصيب الفرد من المياه في مصر، يقترب من "حد النُدرة المائية"، وهو المُقدّر بنحو 500 متر مكعب سنويًا، ما يجعل مصر في حاجة إلى 2 مليار متر مكعب جديدة من المياه سنويًا، وذلك في ضوء الزيادة السُكّانة، بواقع 2 مليون نسمة كل عام.
كما كشف الخبير المصري الدكتور عباس شراقي، عن وصول "الفقر المائي" لمصر عندما وصل نصيب الفرد إلى أقل من 1000 متر مكعب سنويًا منذ عام 1992، ومع الزيادة السكانية المتوالية في مصر، فإن نصيب الفرد سيقل بنسبة 30 مترًا مكعب سنويًا، وهو رقم قد يتضاعف في حالة استمرار نقص المياه، وهو ما سيصل بنا إلى "حد النُدرة المائية"، الذي يقل فيه نصيب الفرد عن 500 متر مكعب سنويًا.
وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي "ما بين 50 و100 لتر لكل فرد يوميًا"، وهو ما يعادل 1000 متر مكعب سنويًا.
فرضت هذه التحدّيات ضغوطًا كبيرة على إدارة الموارد المائية في مصر، الأمر الذي يتطلّب اتخاذ إجراءات فعّالة ومستدامة، لضمان تلبية احتياجات المجتمع والاقتصاد بشكل مستدام ومتوازن.
هل تحاول مصر الحدّ من آثار الأزمة؟
تسعى وزارة الموارد المائية والري إلى مواجهة هذه التحدّيات والتغلّب عليها، من خلال إنشاء المشروعات العملاقة المختلفة، والتي تحدّ من تأثير هذه الأزمة على قطاع المياه، وتقليل آثارها السلبية.
لفت وزير الري المصري إلى وجود فجوة كبيرة بين الموارد المائية والاحتياجات في مصر؛ وذلك نظرًا لمحدودية الموارد المائية والزيادة السُكّانية، والتي يتم التعامل معها من خلال مشروعات كُبرى لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، مثل مشروعات محطة الحمام بطاقة 7.50 مليون مكعب/ يوم، ومحطة بحر البقر بطاقة 5.60 مليون مكعب/ يوم، ومحطة المحسمة بطاقة 1.00 مليون مكعب/ يوم، بإجمالي 4.78 مليار متر مكعب سنويًا، بالإضافة إلى استيراد منتجات زراعية من الخارج، على رأسها القمح، الذي تُعد مصر المستورد الأكبر له على مستوى العالم.
الاعتماد على تحلية المياه
يُعد قطاع الزراعة في دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، هو المستهلك الأكبر للموارد المائية، بنسبة تتراوح بين 70% و80%، وبنسبة تصل إلى 75% في مصر.
هنا برزت أهمية الاعتماد مستقبلًا على تحلية المياه في إنتاج الغذاء، ما يتطلّب التوسّع في البحث العلمي، للوصول لتقنيات مناسبة وذات جدوى اقتصادية في هذا المجال، سواءً من خلال الباحثين المتخصصين، أو شباب الباحثين الواعدين من طلبة مدارس المتفوقين STEM.
كشف وزير المالية المصري في تصريحات سابقة له، أن عنصر الطاقة من أهم العناصر التي يجب النظر إليها خلال البحث عن آلية تحلية المياه؛ وذلك نظرًا أنها تُمثّل نحو من 40% إلى 50% من تكلفة عملية التحلية، مع ضرورة دراسة سُبل تقليل تكلفة الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، لجعل تحلية المياه لإنتاج الغذاء ذات جدوى اقتصادية.
مع الوضع في الاعتبار أن مصر ومنطقة الشرق الأوسط، تُعد من أكثر مناطق العالم من حيث السطوع الشمسي، وتوفّر الرياح بسرعة مرتفعة في بعض أماكن الجمهورية، مما يُعطي الفرصة لمصر ودول المنطقة، للتوسّع في إنتاج الطاقة المتجددة، وذلك بالتزامن مع العمل على تقليل كمية الطاقة المطلوبة للتحلية، لتقليل التكلفة.
وأكد "سويلم" ضرورة البحث عن حلول حقيقية للعمل على تقليل تكلفة التحلية، والاستمرار في الدراسات الخاصة باستخدام تقنية Fertilizer Drawn Forward Osmosis، والتي تعتمد على استخدام محلول من الأسمدة ذو الضغط الإسموزي العالي، لاستخراج الماء من المياه المالحة، من خلال غشاء نصف نافذ، اعتمادًا على فرق الضغط الإسموزي.
الاعتماد على المحاصيل الزراعية المناسبة
وأشار إلى أن الأمر يتطلّب اختيار المحاصيل المناسبة للزراعة على المياه المُحلاة، مثل المحاصيل ذات الإنتاجية العالية، أو المحاصيل التي تتحمّل درجات متوسطة من الملوحة، أو استخدام المياه المُحلاة في تربية الأسماك، ثم استخدام نفس وحدة المياه في الزراعة بالتقنيات المتطوّرة، والتي تُحقق أعلى إنتاجية محصولية لوحدة المياه "تقنية الأكوابونيك".
الاستخدام الأمثل في التعامل مع المياه المالحة بدلًا من إهدارها
وأكد ضرورة اختيار الطُرق المُثلى والمناسبة بيئيًا للتعامل مع المياه شديدة الملوحة، الناتجة عن عملية التحلية، وذلك بدلًا من إلقائها في البحار والمحيطات، أو حقنها بالخزانات الجوفية، وذلك عن طريق استخدامها في تربية الروبيان الملحي "الأرتيميا"، والطحالب التي تتحمّل درجات الملوحة العالية، مع استمرار الدراسات البحثية الخاصة بإنتاج الملح الجاف كمنتج ثانوي من عملية التحلية، بتكلفة أقل من التقنيات المُستخدمة حاليًا، وبديلًا عن إنتاج المياه شديدة الملوحة.
مستشار وزير الري الأسبق: 4 طرق للحفاظ على المياه خاصة في الزراعة
تواصلنا مع الدكتور ضياء القوصي مستشار وزير الري الأسبق، والذي أكد أهمية الحفاظ على المياه، وإدارتها بالشكل الأمثل، خاصة في الزراعة، وذلك من خلال 4 طرق؛ أولها الاعتماد على الري الحديث، أو تحسين وتطوير الري السطحي، بهدف تقليل الفواقد إلى أقصى حد ممكن.
وقال في تصريح لـ "الفجر"، إن الطريقة الثانية تتضمّن التوسّع في مشروع تبطين وتأهيل الترع لتقليل الفاقد، وذلك في المناطق والترع التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، بعد إجراء الدراسات العلمية المناسبة على كل ترعة، والتأكّد من أنها تحتاج للتأهيل.
وأكد "القوصي" أن الطريقة الثالثة تتم من خلال التحكّم في التركيب المحصولي، من خلال تقليل قدر الإمكان المساحات المنزرعة بالأرز وقصب السكر والموز، وذلك يرجع إلى استهلاك هذه الزراعات كمية كبيرة من مياه الري.
وتابع: "الطريقة الرابعة تتمثّل في إجراء تعديلات جوهرية في التركيب المحصولي، من خلال عدم زراعة نصف المساحة في الشتاء، 3 ملايين فدان قمح، و3 أخريين برسيم؛ لأن الجدوى الاقتصادية للحوم في مصر ضعيفة جدًا، مقابل أنها أرخص في الاستيراد، وكيلو اللحوم يستهلك من 10 إلى 15 متر مكعب من المياه".
فيما أشار "القوصي" إلى أهمية التوسع في "المحاصيل النقدية"، التي تشتمل على النباتات الطبية والعطرية والفاكهة، بجانب الخضروات؛ وذلك لأنها تستهلك كمية قليلة من المياه، ولها عائد اقتصادي أكبر.
وأكد مستشار وزير الري الأسبق، أهمية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي المعالجة، لما لها من دور كبير في استغلال المياه بالشكل الأمثل والاستفادة القصوى من كل نقطة مياه، بجانب تشجيع المزارعين على الري الليلي والبُعد عن الري في الأوقات شديدة الحرارة، مثل وقت الظهيرة، وتوجيه المزارعين أيضًا على التسوية الدقيقة للأرض الزراعية، من خلال تقنية "الليزر"، موضحًا أن الأرض غير المتساوية، تستهلك مياه أكثر، مُقارنة بالأرض المتساوية.